الإعلام إحدى وسائل تبليغ الحقيقة في حياة الشعوب
الإعلام إحدى وسائل تبليغ الحقيقة في حياة الشعوب، فهو يقوم على نقل الخبر الصادق وبيان الحقيقة، ولهذا جاء التحذير من الكذب الإعلامي، وأمر الله تعالى الأمة بالتبيُّن من حقائق الأمور والوقوف على حقيقتها، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً {94}) (النساء).
وحذر الله تعالى من الأنباء والأخبار التي ينقلها الفاسقون، وأوجب تمحيص خبرهم، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ {6}) (الحجرات)، فليس كل ما ينقل في الإعلام صادقاً، ولهذا يرى بعض الغافلين أن معيار صدق الخبر أنه سمعه من التلفاز، وكأن التلفاز لا يلد إلا صدقاً.
ولهذا لما جاء الهدهد إلى سليمان عليه السلام وكان قد غاب عنه، فأبان له الهدهد أنه جاء بخبر على وجه اليقين لا ظن ولا شك فيه، فقال كما قص القرآن: (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ {20} لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ {21} فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ {22}) (النمل)، ومع هذا، فلم يصدقه سليمان – عليه السلام- بل قدم وسيلة ليعرف صدق الخبر من كذبه فقال: (سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ {27}َ) (النمل).
ولكن المتابع لعدد من وسائل الإعلام يراها مبنية على الكذب في كثير من المادة المقدمة للجمهور، سواء أكان كذباً في الأخبار، أم في المعلومات، ولا شك أن الكذب الإعلامي حرام شرعاً يعاقَب كل من امتهن الكذب في وظيفته، وإن كان الكذب في شريعة الله محرماً في أصله، فهو أشد حرمة في الإعلام، فكذب الإنسان على أخيه أو صديقه أو أحد في محيطه حرام شرعاً، وهو آثم بفعله، بنصوص الكتاب والسُّنة، ولكن الكذب الإعلامي أشد إثماً، وأكبر خطراً، فعلى قدر انتشار الكذب على قدر إثم الكاذب أو الناقل للكذب وهو يعلم، والإعلامي في برنامجه يشاهده عشرات الآلاف وربما الملايين، وهم جمهوره، فيكذب عليهم ويضللهم لمآرب تافهة، ومقاصد خبيثة، وأهداف غير نبيلة، فيحمل أوزار كل من سمعه.
والكذب كما ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يهدي إلا إلى الفجور، فيصل الإعلامي بكذبه على الناس أن يكون إنساناً فاجراً، وإن استمر على فجوره من الكذب والتدليس فلا مصير له إلا النار؛ جزاء كذبه على خلق الله تعالى.
ولهذا يحذر النبي عليه الصلاة والسلام من الكذب؛ لأن استمرار الإنسان في الكذب يجعله مكتوباً عند الله كذاباً، فيصليه ناره جزاء عمل لسانه الخبيث، فعن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً» (متفق عليه).
وقد خرج علينا في هذه الأيام إعلاميون أصدق وصف فيهم أنهم منافقون، يقولون اليوم كلاماً، ثم إذا تغيرت الأجواء بدلوا كلامهم إلى الكلام النقيض، كما أنهم يعلمون كثيراً من الحقائق فيخفونها عن الناس ويقولون الكذب عامدين إلى إضلال الجمهور، فهؤلاء منافقون، والذي جرَّهم إلى أن يصلوا إلى النفاق هو الكذب الإعلامي، وفي معنى هذا ورد عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أربع من كن فيه، كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن، كانت فيه خصلة من نفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر» (متفق عليه).
ولو يفكر الإعلامي المسلم كم من الحسنات سينالها جراء قوله الصدق لآلاف وملايين من الناس ما طاوع هواه، ولا اتبع شيطانه، ولا بدل ضميره لأجل حفنة تراب من المال، فالمال عرض زائل، ويبقى أثر الصدق أو الكذب باقياً يتناقله الناس، فإن كان صدقاً كان له من الحسنات الطائلة ما يعد من الصدقة الجارية عليه حتى بعد وفاته، أو كان كذباً كان وبالاً عليه إلى يوم الدين.
لقد بلغ من رُقي الإسلام في فضيلة الصدق وذم الكذب والتحذير منه ألا يكون المسلم كاذباً حتى فيما يحكيه في نومه، فيحرم على المسلم أن يقول كذباً: إني رأيت في المنام كذا وهو لم يره، فقد أخرج الإمام البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من تحلم بحلم لم يره، كلف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل، ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون، صب في أذنيه الآنك يوم القيامة».
بل جعل النبي عليه الصلاة والسلام من أعظم الكذبات أن يقول الإنسان: رأيت بعيني ولم ير شيئاً، ففي صحيح البخاري أيضاً عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أفرى الفرى أن يري الرجل عينيه ما لم تريا» (رواه البخاري).
وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم عقوبة الكذب الذي يبلغ الآفاق، وقد كانت البشرية لم تصل إلى هذا الحد الهائل من التكنولوجيا، ولم يكن يفهم كثير من الناس كيف تبلغ الكذبة الآفاق في مثل هذا العالم المحدود في قدراته في التواصل بين الناس في مختلف الدول، فجاءت وسائل الاتصال الحديثة من الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها لتجعل الكذبة تبلغ الآفاق، لكن عقوبتها كما جاء في رؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم حين أتاه آتيان، فكان مما جاء فيه: “فانطلقنا، فأتينا على رجل مستلقٍ لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، ثم يتحول إلى الجانب الآخر، فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان، ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل في المرة الأولى”، قال: «قلت: سبحان الله! ما هذان؟”، فلما سأل عن تفسير ما رأى ومنها هذا المشهد قال له الملكان: “وأما الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق” (رواه البخاري).
والإعلام إحدى وسائل الصراع بين الحق والباطل، فقد كان المشركون منذ قديم الزمان يستخدمون الإعلام وسيلة لإلحاق الضرر بالمسلمين، وهو ما يعرف بالحرب النفسية، فقد كان منهم شعراء يهجون النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين، ومنهم الخطباء الذين يلهبون المشاعر الحاقدة ضد دعوة الإسلام، فاتخذ النبي صلى الله عليه وسلم عدداً من الصحابة الإعلاميين من الشعراء والخطباء ما يرد على كذب وافتراء الإعلاميين المشركين، وقد قال لحسان بن ثابت رضي الله عنه والملقب بشاعر الرسول فيما أخرجه البخاري: “اهجهم وروح القدس معك”، بل بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الحرب الإعلامية أشد من حرب القتال، وأن وقع الكلمة أشد من وقع السيف، فقال عليه الصلاة والسلام لحسان بن ثابت: “ووالله إنه أشد عليهم من وقع النبل”، ومن هنا نفهم لماذا يخاف الطغاة والظالمون من الإعلام الصادق.
ولكن الأخطر مما فعله مشركو مكة أن يخرج إعلاميون من بني جلدتنا، ويتسمون بأسماء المسلمين، يحاربون الإسلام وأهله تحت ستار بعض الشعائر التافهة الكاذبة، بل صرح بعضهم بوقوفه مع الصهاينة أعداء الله والأمة، قتلة الأنبياء، سفكة الدماء، ويحرضونهم على المجاهدين في سبيل الله! ليكون مثل هذا الإعلام نموذجاً لإعلام المنافقين الذين يسارعون إلى أهل الضلالة من اليهود والنصارى، ظانين أنهم القوى العظمى، وأنهم سيحمونهم، حتى لو كان ذلك على حساب دينهم وعقيدتهم ووطنهم، وهم يتسترون وراء الإسلام، والإسلام منهم براء.
وقد كشف الله تعالى عن هذا النوع الخبيث من الناس، وأبان حقيقتهم، وفضح بواطنهم، حتى يحذرهم الناس، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {51} فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ {52}) (المائدة).
إن الأمة بحاجة إلى جيش من الإعلام يدافع عن الإسلام وقضاياه في ظل ثورة الاتصالات الضخمة التي يحشد لها المليارات، لكننا بحاجة إلى أناس يعيشون الإسلام لا إلى مرتزقة يطبلون ويزمرون لمن يدفع أكثر، حتى لو كان عملهم يقوم على حرب المسلمين من بني جلدتهم ودينهم ووطنهم، فهؤلاء أشر على الأمة من اليهود والنصارى؛ لأن حرب اليهود والنصارى على الإسلام حرب مبررة عندهم؛ لأنهم يعتبروننا أعداءهم، فهم يدافعون عن عقيدتهم ودينهم وإن كان باطلاً، لكن أولئك الذين ينتسبون إلى الإسلام ويحاربونه هم أشد خطراً، وهي فئة المنافقين التي عرفت منذ بعثة النبي عليه الصلاة والسلام، وقد أبان القرآن بعض صفاتهم ليحذرهم جموع المسلمين، وألا يغتروا بأسمائهم، ومن ألصق صفاتهم وخصائصهم تجارة الكذب، كما قال تعالى: (ِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ {1}) (المنافقون).
وعلى المسلم الحصيف ألا يسلم عقله لكل من خرج على آلة إعلامية فيصدق كل ما يقوله لمجرد أنه خرج على الفضائيات، بل يزن المسلم الأخبار والمعلومات بميزان الشرع والصدق، ولا يكن إمعة يصدق كل شيء، بل ليكن له عقل واعٍ وقلب سليم يكشف له زيف الزائفين، وأن يقف مع الحق أياً كان صاحبه، وأن يرفض الباطل أياً كان فاعله، وليعمل بأمر الله تعالى ووصيته إلى خلقه في كتابه العزيز: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ {119}) (التوبة).