لماذا هذه المغالطة أو الممازحة أو المخادعة؟
لماذا هذه المغالطة أو الممازحة أو المخادعة؟
وكم هي كلفتها على من يُغلّب حسن النية ويصدق الإشارة أم أنّها غلطة ميكانيكية فنية فقط لا يعلم بها مرتكبوها؟
أحياناً إذا استهلكت السيارة وأصبح إصلاحها من مهمة الحفارين أو السباكين أو النجارين، فيمكن أن يعاد ترتيب الوصلات الكهربائية بما تيسر، ولربما يصل الأمر إلى تشغيل الزامور عندما تُستعمل الفرامل أو تُطفَأ الأضواء تماماً عند تشغيل المسجل، وفي أحسن الأحوال تحرك الإشارة يميناً بينما تضاء إشارة الشمال.
كثيرة هي الأَدوات التي إذا أصابها الخلل أعطت أرقاماً خاطئة ومن صدقها ربما كانت نهايته، وما نتائج بعض مختبرات التحليل المتآكلة عنا ببعيدة، فقد تقول لك: إنك مصاب بارتفاع ضغط الدم ومشكلتك في انخفاضه، أو إنك مصاب بالقرحة بينما المشكلة في الكلى وهكذا.
وكثيرة هي العقول التي عندما تصاب بالنوم أو الكسل أو الكلل أو الانحراف تعطي الإشارات المتعاكسة تماماً ويكون الخطر عليك وعليها أعظم، وقد تتحمل أنت المسؤولية لكنه هو المتضرر الأكثر أيضاً.
منهم من إذا أراد أن يظلم تحدث عن العدالة بإِسهاب.
وإذا أراد السرقة والنهب تحدث عن الأمانة وبالغ وادعى.
وإذا مارس الانحراف تحدث عن الاستقامة.
وإذا أصيب بالأنانية وحب الذات تحدث عن عرش الرحمن المهتز عند قطيعة الرحم.
وتجد من يتشبث بالسلطة (من أي نوع) ويحرص على مكتسباتها يملاً الدنيا ضجيجاً عن المؤسسية واللامركزية والتعددية وتداول السلطة، أو يتحدث عن الديمقراطية ونكران الذات، بينما هو مدرسة في الدكتاتورية والتسلط لا تجارى.
يتحدثون عن كرامة الوطن والحياة الكريمة والمواطن الأغلى ما نملك، بينما يمارسون عليه كل أنواع الإذلال، ليلهث ويركض ركض الوحوش ولا يعيش إلا متسولاً منحني الظهر ويده هي السفلى، ويطلب منه الصبر والتفاني، وأن يلوح بعقاله وكوفيته التي تَنسَّلت من وسطها من كثرة التلويح.
يتحدثون عن الشفافية وهم مغرقُون في الرمادية والقتامة والظلام وإذا قرروا تزوير الانتخابات أكثروا من الحديث عن النزاهة بإسهاب لافت.
وإن قرروا النكوص إلى الوراء “كل الوراء” أطلقوا شعار الإقلاع إلى العلو المنشود في الدنيا.
واليوم كلما ارتَدُّوا بخطوات حثيثة عن الديمقراطية التي تغنوا بها والحريات العامة ومساءلة المفسدين والسارقين والشطار وأرباب الفَهلوة وأوغلوا في الاستبداد، ضَخُّوا كميات كبيرة من مفردات الإصلاح الشامل المتطور الذي لا يعرف الحدود.
وليس أعجب من أن يتحدثوا اليوم عن الحكومات البرلمانية بينما يتفننون في نزع صلاحياتها وتقليم أظافرها، وسد الأبواب وصناعة السدود والردم الذي لم يصنعه ذو القرنين لحماية الناس من يأجوج ومأجوج الديمقراطية!
ويتحدثون عن تطور الملكية الدستورية وعن الحكم النيابي الملكي بينما لا يبقى للنواب إلا الرواتب والسفرات ولوم الغلابة الذين صدقوا أنهم قدموا بعض من يمثلونهم ولا يبقى للشعب إلا المعاناة وبؤس العيش.
أَصْدقُ كلمة وردت مغنَّاةً سمعتها في فضائية (أردنية) أتدرون ما هي؟
وحتى لا تطول حيرتُكم هي “الناس بتمشي لقدام وإحنا بنرجع لورا”!
تتمزق ألماً وحسرة وأنت تستمع لمن يفلسف التخلف والكبت ومصادرة الحقوق والخذلان والهزيمة والظلم.
يتحدثون عن حب الملك بل التفاني في الحرص عليه بينما بخفة يد لا يلحظها إلاَّ الخبير يسيؤون إليه وإلى الأردن فيما ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قبله العذاب.
وهكذا هم كلما أراد أَحدهم تسليك أو تسويق البندورة الفاسدة سماها تفاحاً، والفقوس الكبير سماه أنامل الستات.
ولهم في تسمية الفاسد من المطعومات والفاسد من الأعمال فنون، ولله في خلقه شؤون، ويستدر عطفك لتسويق أسوأ صندوق فاكهة عافه كل المسوقين قائلاً: الحق الحق على اليتيمة.
تستمع الحديث عن حق الحصول على المعلومة وأنه مكفول لكل مواطن بينما لا تجد إجابة عن مئات الأسئلة الاقتصادية والسياسية والإدارية والفنية.
وإذا صمم أحدهم على عدم تحقيق ما وعدك قال لك: “إن شاء الله”، وإذا لم يرد توظيفك وإنصافك قال لك: “قدم طلباً وسندعوك للمقابلة، وحسب الدور”.
أليسوا يعطون إشارة على اليمين بينما يتجهون لليَسار.
تذهب السيدةُ الأولى للعراف (سيدنا) فتقول له: يا سيدي، هل الذي في بطني ولد أم بنت؟ وهي تريده ولداً، فيقول: هو “ولد أو بنت” أعطته هديته مقدماً ووعدته أخرى إذا أنجبت ولداً ويكتب في دفتره أمامها (خلاف ما قال)، حتى إذا أنجبت ولداً قدمت له هدية أخرى وشكرته، وإذا أنجبت بِنْتاً غضبت فراجعته كيف تقول لي: سيكون ولداً وها هي بنت؟ فيقول: دعيني أرى السجل فيخرجه فإذا به قد كتب بنتاً، فيقول لها: سامحك الله أنت فهمت خطأ.. وهكذا فالمواطن العادي على خطأ.
وهل اختلف عالم السياسة المزورة عن عالم الحِسْبة (سوق الخضار) في التسويق؟
ترى لماذا يستخفون بعقول الناس، ألم يكفهم استباحة ركوب ظهورهم؟