هنية: نتطلع لبناء علاقات إستراتيجية مع الدول العربية وغير العربية وتحسين العلاقات معها
هنية: نتطلع لبناء علاقات إستراتيجية مع الدول العربية وغير العربية وتحسين العلاقات معها
بسيسو: على الحركة إعادة بلورة خطة سياسية تعتمد على أهداف ووسائل جديدة
شاور: علاقة “حماس” مع الأنظمة العربية مرهونة بمدى قدرة الأنظمة على دعم القضية الفلسطينية
أبو مرزوق: المراجعة التي تجريها “حماس” تشمل كافة الملفات ومن بينها التفاوض مع “إسرائيل”
لا تبدو حركة “حماس” اليوم في موقفٍ تحسد عليه، فخروجها مثقلةً من حرب ثالثةٍ في ظل سبع سنواتٍ من الحصار واكبها انقلابٌ في الموازين الإقليمية وغياب آفاق الحلول والمعالجات لدوامة الأزمات، جعل الأصوات تتعالى بضرورة التوقف قليلاً لإعادة قراءة المشهد السياسي من جديد.
أصواتٌ رافقتها تصريحاتٌ صحفية من مصادر عدة في الحركة عن الشروع في مراجعات شاملة للسياسات السابقة في ظل المتغيرات، بينما يرى آخرون أن “حماس” تسير في خط وسطي إسلامي يُزكّي خطواتها السابقة، ويدفع بها لمواصلة السير على ذات الخط رغم الأخطاء.
تغير إقليمي
وكانت “حماس” وعلى لسان أكثر من قيادي فيها، ألمحت أنها بصدد إجراء مشاورات داخلية، ومراجعات شاملة، أبرزها تصريحات عضو المكتب السياسي للحركة موسى أو مرزوق، التي قال فيها: إن تبدل الأحداث وتغيرها على المستوى الإقليمي والعالمي، يدفع “حماس” إلى إعادة قراءة وتقييم النظر في كل خطوة من الخطوات.
الضربة التي جعلت من الحديث عن هذا الحراك مقبولاً، بل ومطلوباً، هي توتر العلاقة بين مصر وحركة “حماس” منذ عزل الرئيس “محمد مرسي”، في يوليو 2013م، أعقبها في مارس العام الجاري، حكم قضائي بوقف نشاط الحركة داخل مصر، وحظر أنشطتها بالكامل، وتأثر الحركة إستراتيجياً بفعل هذا الانقلاب في مصر.
افتقار للنضج
انقلابٌ دفع بنائب رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، ورئيس حكومة “حماس” السابقة إسماعيل هنية، بالتصريح عن تطلع حركته لبناء علاقات إستراتيجية مع الدول العربية وغير العربية، وتحسين العلاقات معها وخاصة مصر.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي مؤمن بسيسو ضرورة أن تعيد “حماس” بلورة تفكيرها السياسي الذي أثبتت الأحداث – وخصوصاً الحرب الأخيرة على غزة – افتقاره إلى النضج المطلوب.
ويقول: الثابت لدى طائفة معتبرة من أهل الخبرة السياسية أن السلوك والممارسة السياسية لـ”حماس” طيلة المرحلة الماضية لم ترق إلى مستوى المخاطر والتحديات التي واجهتها القضية الفلسطينية، وأسهمت بقدر – مع غيرها – في السقوط في براثن الأزمة الفلسطينية الداخلية.
كما وجد في تجربة السنوات الماضية منذ إجراء انتخابات عام 2006م وحتى اليوم، وما رافقها من حصار ومخططات ومآسٍ ونكبات، بحق الشعب الفلسطيني تحتم على الحركة إحداث مراجعات عميقة لكل حيثيات وتفاصيل المرحلة السابقة واستخلاص كل ما يمكن استخلاصه منها.
خط وسطي
إلا أن الكاتب الصحفي د. عصام شاور، وفي حديث خاص بـ”المجتمع”، يعتقد أن المسيرة السياسية لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) وتعاملها مع الآخرين سواء في الداخل والخارج يستندان إلى الإسلام الوسطي الذي هو الأصل، وتتبناه الحركة وتتبناه الشعوب العربية والإسلامية.
ويفسر ما سبق قوله بما وصفه بـ”حالة الانسجام التام مع تلك الشعوب لولا الحملات الإعلامية المضللة التي تشنها بعض الأنظمة العربية ضد “حماس” وجماعة الإخوان المسلمين باعتبار الأولى فرع من الثانية.
ويقول شاور: إن علاقة “حماس” مع الأنظمة العربية مرهونة بمدى قدرة تلك الأنظمة على دعم القضية الفلسطينية، ولكن المعايير التي تحكم “حماس” لا تحكم تلك الأنظمة أو بعضها على الأقل، ومن هنا تنشأ الخلافات وتتوتر العلاقات مع حركة “حماس”، وهذا لا يعني أن “حماس” أخطأت في حق تلك الأنظمة، ولكنها السياسة والأهداف المتباينة.
فالأخطاء التي عزاها المحلل بسيسو إلى افتقار “حماس” للنضج السياسي المضمون، ألقى شاور باللائمة فيها على الأنظمة المناوئة لفكر “حماس” وخطها الإسلامي، مستشهداً بما فعله النظام في مصر بحق حركة “حماس”.
وأضاف: النظام المصري أعلن الحرب على “حماس” لارتباطها الفكري وليس التنظيمي بجماعة الإخوان المسلمين، وكذلك فعل نظام “بشار الأسد” حين رفضت حركة “حماس” الاصطفاف إلى جانبه ضد الشعب السوري الشقيق.
وأكد أن أخطاء كهذه لا تحسب ضد “حماس”، وإنما نتاج التغيرات السياسية في المنطقة، مشيراً لإمكانية قياس ذلك على إنشاء تحالف ضد جماعة الإخوان المسلمين و”حماس” في الوطن العربي ودعم “حماس” من قبل بعض الأنظمة العربية والإسلامية لها.
أخطاء الداخل
ولكن بالعودة إلى الشأن الفلسطيني الداخلي، فإن شاور لم ينكر وقوع “حماس” في أخطاء تستدعي القيام بمراجعات بدأتها الحركة بالفعل وبانت نتائجها – وفق شاور – ليوضح أن الفصائل الفلسطينية بما فيها “حماس” أخطأت حين انجرت إلى الاقتتال الداخلي والانقسام، وهي ذاتها وقعت في فخ الاستفراد في إدارة قطاع غزة مرغمة، وتحملت مسؤولية القطاع وهو محاصر لأكثر من سبع سنوات، إضافة لتمكن فصائل أخرى كفتح الإضرار بسمعة “حماس” في الداخل الفلسطيني.
ورغم ذلك فهو يشير إلى طبيعة الخلافات والأخطاء كون “حماس” أصبحت الفصيل الأكبر في فلسطين، وزاحمت منظمة التحرير على تمثيل الشعب الفلسطيني، بل وانتزعت منها حصرية التمثيل الشعبي في انتخابات تشريعية وانتخابات الهيئات المحلية.
ويشار إلى أن “حماس” لا تعترف بوجود “إسرائيل”، وتطالب بإزالتها وإقامة دولة فلسطينية على كامل الأراضي الفلسطينية، ولا تقبل الحركة بشروط اللجنة الرباعية الدولية للسلام؛ “الولايات المتحدة، وروسيا، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة”، والتي تطالبها بالاعتراف بـ”إسرائيل”.
إلا أن المراجعة التي تجريها حركة “حماس” في الوقت الحالي تشمل كافة الملفات، ومن بينها التفاوض مع “إسرائيل”، يؤكد ذلك تصريح موسى أبو مرزوق، أن حركته قد تضطر إلى خوض مفاوضات مباشرة مع “إسرائيل”، بضغط شعبي في حال استمر الوضع في قطاع غزة على ما هو عليه من حصار خانق.
أولويات
وبالعودة إلى الكاتب بسيسو، فهو يعتقد بضرورة إعادة “حماس” بلورة رؤى ومقاربات وطنية جديدة تعمد إلى محاولة التقليل من خسائر المرحلة التي هدّت البنيان وزلزلت الأركان، وإعادة الاعتبار للمبادئ والمنطلقات الأساسية التي ترعرعت في ظلالها الحركة، واعتماد الرؤى والمواقف السياسية بعد البحث المستفيض والمدارسة الكاملة في ضوء أولوية المصالح العليا للشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية.
لا مناص من تكريس رؤية سياسية جديدة لدى “حماس” تعتمد على إعادة بلورة أهدافها ووسائلها السياسية، وإعادة بناء موقفها السياسي تجاه الأحداث والقضايا المختلفة، بما يتفق مع مسار التحرر الوطني، يضيف بسيسو.
ويتابع: إن تكريس قيم التوافق والشراكة الوطنية يعد من أهم القواعد الأساسية لنجاح أي رؤية سياسية جديدة، فالثابت أن مرحلة التحرر الوطني تستلزم بناء المواقف وتحشيد مختلف الطاقات الوطنية، دون استثناء، وانتهاج سبل التنسيق الجاد والتعاون المثمر مع الكل الوطني الفلسطيني على أرضية المشتركات الكبرى التي يوفرها العمل المشترك في مواجهة الاحتلال.
وبناء على ما سبق، فإن الأولوية لدى “حماس” – وفق بسيسو – إعادة تقدير الموقف من مسألة الانخراط غير المحسوب في مؤسسات النظام السياسي الفلسطيني، حيث يرى في تلك التقديرات خطوةً يمكن أن تتأسس عليها رؤية إبداعية خلاقة تنأى بالحركة ورموزها عن التماس المباشر مع هياكل السلطة وإطاراتها المختلفة في إطار أي انتخابات مستقبلية لصالح اعتماد مرشحين أكفاء أكثر ابتعاداً عن الروح الحزبية.
يُفترض بالحركة التحلي بأكبر قدر من التواضع الفكري والأيديولوجي مع الجميع، وخاصة مع المخالفين، وتجنب التعاطي الفوقي مع هؤلاء، وعدم الانعزال عنهم، والحرص على المحاجة الهادئة التي تسهم في تأليف القلوب، ينصح بسيسو.
ويؤكد ما أكده شاور من قبل بالحاجة الماسة للقراءة السليمة للمتغيرات الإقليمية، والعمل على إحداث مقاربات سياسية جديدة لنزع فتيل الأزمة مع بعض الأنظمة العربية، وخصوصاً النظام المصري، ليخلص إلى أن “حماس” بحاجة إلى إعادة بلورة وتأصيل وتقعيد تفكيرها السياسي من جديد.