النفط هذا الذي كان يحرق نفسه عادةً ليحرّك الأقاليم والقارات.. والشمس تلك التي لا تحرق نفسها عادةً لتحرك على بريقها الفضّي الذهبي الكون والكائنات
النفط هذا الذي كان يحرق نفسه عادةً ليحرّك الأقاليم والقارات.. والشمس تلك التي لا تحرق نفسها عادةً لتحرك على بريقها الفضّي الذهبي الكون والكائنات.. قد استبدل كل منهما مواقعهما هذه المرة خلاف العادة، خاصة الذهب الأسود العنيد وقد أحرق غيره بعناد شرس ودون أن يحرك ساكناً طيلة هذا الأسبوع!
ورائحة النفط المنعشة المزعجة في آنٍ واحد، ظلّت هذه المرة برائحة الشواء، شعلةَ نيرانٍ تشعل هذا ولا تخمد ذاك.. والكل يعتقد الحياة بالنفط والموت للنفط، وهو اعتقاد خاطئ طبعاً، خاصة لأبناء وأحفاد النفط العربي الشرعيين، وقد أنعم الله عليهم نعمة الدين قبل النفط، والدين نعمةٌ شامخة بشموخ كنز القناعة الدائمة.
وبشعلة النفط كانت حرائق البورصات والانهيار الحاد الأخير للأسهم العالمية، إذ وبها اشتعلت نيران الخوف والهلع تجرها الرياح شمالية جنوبية، شرقية غربية، آسيوية أوروبية أمريكية وعربية.. والكلُّ عاش هلع سكرات موت وهمي افتراضي اسمه “ضعف النمو العالمي للاقتصاد”.. وبه افتقد المستثمرون ثقتهم من أمريكا لأوروبا ومن شرق آسيا للشرق الأوسط، وبه هبط مؤشر “داو جونز الصناعي” 2.5%، وبه انزلقت الأسواق الأوروبية إلى القيعان بعد أن تراجع مؤشر “داو جونز” لأكثر من 1000 نقطة أو 6% عن الشهر الماضي، وبه تراجعت بورصات دول خليجية غنية بالنفط والخيرات والنعم الموفورة، ولله الحمد..!
– ما كل هذا الرعب والارتباك منك وبك يا نفط؟
-ومن أنت يا نفط؟
-وهل سيُكتب اسمك بنون النفط ودون “راءات” الرياح والرائحة والريعان يا نفط؟
كيفما كتبنا النفط، فإنه سيظل يحرق نفسه إلى ما لا نهاية بالأسعار، وتحترق معه بالأرواح إن لم تؤمن يا ابن آدم بزوال النفط وبقاء صانع النفط وخالق الكون ورازق الكائنات.. وأنت يا ابن النفط العربي وابن الشواطئ والخلجان، هل نقص أو ينقص رغيفك في بيتك بالنفط أو انقطع عنك ماء النهر العذب على ضفافٍ كانت تتساقط عليها رطباً طرياً، وإن كان قد هبط في نفس اليوم “خام برنت” إلى 83.78 دولار للبرميل، والخام الأمريكي الخفيف 81.78 دولار، هبوطاً أوصلهما تحت 20%.. ذلك الهبوط الذي أهبط نفسه قصداً فهبطنا معه رعباً، وكما أسلفنا أن النفط لم يعد يحرق نفسه ليحرك غيره كالمعتاد، بل ظل يحرق غيره بمطرقة على رأسي ورأس أعدائي، والتهمت تلك المحرقة أسواق الأسهم شرقاً وغرباً، فأغلق مؤشر “كاك” الرئيس في فرنسا منخفضاً 3.6%، ومؤشر “داكس” الألماني، و”فاينانشال تايمز” منخفضتين 2.8%، وأغلقت بورصة أثينا على انخفاض حاد وصلت 6.3% في الأسبوع الأول!
ثم عادت وانتعشت الأسواق في الأسبوع الثاني أمريكياً وأوروبياً على رائحة النفط صاعداً وعلى الوتيرة ذاتها كانت اضطربت أوروبياً أمريكياً آسيوياً وعربياً قبل أسبوع نازلاً.. فارتفعت الأسهم الأمريكية 1% في يوم واحد، ومؤشر “إستاندردبوردز” 500 نقطة كأكبر مؤشر له بأسبوع واحد.. وأنهت جميع المؤشرات الرئيسة في أوروبا على ارتفاعات ملحوظة، واخترقت بورصتا باريس وفرانكفورت 3% في يوم واحد! جنباً إلى جنب “وول ستريت” بصعود مؤشر “داو جونز” 263.1 نقطة، ومؤشر “إستاندر بورد” 500 نقطة!
ترى كل هذه الموجات المتلاطمة في الموازين بمجرد رائحة النفط ولمجرد رائحة النفط! أم أننا نشفط الروائح الكريهة من أقاليم لا تنتج النفط ولا تصدره، فتحسدنا وتحقد علينا، ونقوم بمساعدتهم في إنتاج وتصدير الخوف والهلع والأوهام إلى المنتجين المصدرين الذين أنعم الله عليهم نعمة الدارين!
أعرف أن النفط سلعة إستراتيجية حساسة، الكلام فيه خطر والتكهنات حوله حظر والحرمان منه ضرر.. لكن كيف السكوت عنه اليوم وهو المبتدأ وهو الخبر!
الصين واليابان لا تنتجان النفط، وتصنعان بالنفط من سلع الأساسيات والكماليات حتى الإغراق.. ليبيا والعراق تنتجان النفط، ولا تعبئان لشعبيهما أخياشاً وكراتين من التمر والتين والزيتون التي تحرقها شمس النفايات، ناهيك عن تعبئة سياراتهم ومطابخهم بأسطوانات الغاز!
دعنا من الصين واليابان الآسيويتين، ولنلقِ نظرة اليوم على المغرب الشقيقة، وقد اشتغلت أول محطة حرارية بالمغرب تعمل بالطاقة الشمسية، قد تضعها في مصاف الدول المنتجة للطاقة المتجددة على مستوى العالم، وقد هبطت أمس أول طائرة إسبانية تعمل بالطاقة الشمسية مطار المغرب، هذا التحول المغربي لهكذا مشروع إنمائي بشمعتها الأولى (مصنع نور1 في صحراء مدينة زرززات جنوب المغرب) وإن كلفت المملكة المغربية مليارات اليورو، ستضيء لها الطريق آجلاً أم عاجلاً إلى مصاف الدول المنتجة للطاقة المتجددة على مستوى العالم، وقد تُصدّر المغرب الكهرباء النظيفة إلى أوروبا القريبة من سواحلها، بل وهكذا أعلنت المملكة المغربية عن طموحاتها التنموية الممتدة إلى بناء خمس محطات لتوليد الكهرباء بالطاقة الشمسية بنهاية العقد الحالي، وبسعة إنتاجية تصل إلى 2000 ميجاوات وبتكلفة تقديرية تصل إلى سبعة مليارات يورو.
إذن، مغرب اليوم بالشمس، ذلك المغرب الذي لم يستنشق كثيراً رائحة النفط والغاز، وقد حدد لنفسه أهدافاً قابلة للتحقيق من الشمس وضحاها.. ونحن نطالب الأمتين الإسلامية والعربية المستمتعتين من حرارة الشمس دون قيود وشروط من سماءاتها الصافية، ألا تُحرم من الشمس وضحاها، ومن ضُحاها ألا تهزّنا الرياح العاكسة والمعكوسة مهما جرت وإن جرت بما لا تشتهيه السفن.
* كاتب إماراتي