تحديات كثيرة تنتظر حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، بعض هذه الحالات ماثلة، وبعضها يمكن التكهن أو حتى ترجيح احتمالية وقوعه.
تحديات كثيرة تنتظر حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، بعض هذه الحالات ماثلة، وبعضها يمكن التكهن أو حتى ترجيح احتمالية وقوعه.
أول هذه التحديات وأخطرها العلاقة مع مصر؛ فـ”حماس” نجحت في جعل قطاع غزة المركز الأهم في مقاومة المشروع الصهيوني، وتهديد كيان الاحتلال، لكن هذا القطاع يعيش اليوم حصاراً خانقاً بعد الانقلاب على الرئيس “محمد مرسي” (يوليو 2013م)، وتولي العسكر إدارة حكم مصر مباشرة، وفي سعيهم لتحسين علاقاتهم الخارجية، وإضفاء شرعية خارجية على حكمهم، سعى العسكر إلى التقرّب من كيان الاحتلال، من خلال إعلان عدائهم لحركة “حماس”، والمقاومة الفلسطينية بشكل عام.
فمنذ الأيام الأولى لاعتقال “مرسي” وُجّهت إليه تهمة “التخابر مع حركة حماس”، وشرع الحكم الجديد بتفجير الأنفاق، ووصل عدد الأنفاق المدمرة إلى أكثر من 1850 نفقاً، حسب تصريحات الجيش المصري، وكان من المتوقع، لدى كثيرين، أن تشهد غزة اضطرابات سياسية واجتماعية تهدد سيطرة المقاومة على القطاع، وتحدّ من حرية حركتها، وهو ما ظهر من خلال إنشاء حركة “تمرّد” في غزة، التي تأكد أنها مجموعة تلقت دعماً وتمويلاً خارجياً لكنها لم تقدر على تحريك الشارع، وأثبتت أنها ظاهرة صوتية ما لبثت أن تلاشت، لكن لا شك أن حركة “حماس”، وكل قوى المقاومة، تحتاج إلى العلاقة مع مصر، أياً كان شكل الحكم، لضرورات تمليها الحاجة إلى عمق عربي في صراع مع كيان وظيفي يحظى برعاية دولية، وهذه العلاقة هي أيضاً حاجة مصرية يجب أن تدركها السلطات في مصر.
التحدي الثاني هو العلاقة مع سورية، حيث إن هذه العلاقة التي شهدت ازدهاراً لا يمكن تجاوزه، وذلك قبل اندلاع الأحداث في سورية في مارس 2011م، ففي بداية الأحداث، كما بات معلوماً، اتخذت حركة “حماس” موقفها الذي لا ينحاز لأي طرف من أطراف الصراع في سورية، وبيانها الأول في 2/4/2011م، ما زال هو البيان الذي يصلح لحلّ الأزمة السورية اعتماداً على الحلّ السياسي وليس أي حل آخر، فحركة “حماس” اتخذت موقفها استناداً إلى مصلحة الأمة، وبناء على اعتبارات مبدئية، واضطر أبرز قادة الحركة إلى مغادرة دمشق نتيجة الأوضاع الأمنية المتأزمة، وتركت مواقف حركة “حماس” المحايدة أثراً في العلاقات التي كانت تعود بالفائدة على الطرفين؛ “حماس” وسورية.
ما يجري في سورية من أحداث، وأثر ذلك على العلاقة مع العالم العربي، يقودنا للحديث عن تحدٍّ آخر، هو ما يجري في العالم العربي من أحداث مشابهة، فهذه الأحداث أزاحت القضية الفلسطينية عن رأس سُلّم أولويات المواطن العربي، الذي أصبح همّه توافر الأمن، وتأمين الطعام، وتخليصه من الحروب التي تتهدّده بكافة الجوانب، وإن كان ذلك لم يسقط قضية فلسطين تماماً من وجدانه وعقله، لكن ترتيب الأولويات اختلف لديه، كما أن المواطن العربي الذي كان يتبرع بسخاء للمقاومة، أصبح أكثر حاجة للاحتفاظ بما تبقى بمحفظته المالية التي تبخر القسم الأكبر منها نتيجة الأحداث الجارية.
هذه الأحداث اتخذها بعض النظام العربي ذريعة للانسحاب نهائياً من الصراع العربي، وقد أعلن عدد من القادة الصهاينة، وعلى رأسهم رئيس الوزراء “بنيامين نتنياهو”، أن العلاقات العربية الصهيونية السرية وصلت إلى درجة متقدمة، وإلى تعاون كبير غير مسبوق خلال العدوان الأخير على غزة، وفي الاعتداءات اليومية والممنهجة على المسجد الأقصى المبارك، غابت حتى تصاريح الإدانة، التي كان الشارع العربي يتأفف منها في السابق لكثرة تكرارها، وغياب الجانب العملي في المواقف.
عدوان على الحركات الإسلامية:
تحدٍّ آخر يُضاف هو الحرب على الحركات الإسلامية وما بات يُصطلح على تسميته بـ”الإسلام السياسي”، فأكثرية الأنظمة العربية لا تخفي عداءها، ولا محاربتها، لكل التيارات الإسلامية، بغض النظر عن الاختلاف الفكري بين هذه التيارات، فلا فرق في النظرة بين تيار عنفي وتيار وسطي ومعتدل، وقد حوربت “حماس” لتبنيها الفكر الإسلامي، رغم اعتدال نظرتها ورؤيتها، فأصبح الترويج لفكر الحركة، ومواقفها المقاومة، أو التبرع لمؤسساتها أو أذرعها الخيرية، تهمة تُعاقب عليها معظم الأنظمة العربية.
وتبرز قضية إعادة إعمار قطاع غزة كأحد التحديات التي تواجه حركة “حماس” في قطاع غزة، فرغم انعقاد مؤتمر إعادة إعمار غزة في القاهرة خلال شهر أكتوبر الماضي، والوعود بتقديم 5.4 مليار دولار، فإن الدول المانحة لم تفِ بذلك، وبعضها يتذرّع بالحصار المفروض على القطاع، وهناك حوالي 50000 بيت مدمر، جزئياً أو كلياً، ويحتاج إلى إعادة الإعمار، خصوصاً مع بدء موسم هطول الأمطار.
ويقف على درجة من الخطورة الخشية من تفاهم إيراني أمريكي تخفف إيران بموجبه من التزاماتها في الصراع مع الكيان الصهيوني، فالجمهورية الإسلامية تعيش ظرفاً اقتصادياً صعباً، وعلاقات متوترة مع بعض دول الإقليم، وقد يدفعها هذا الواقع إلى تقديم بعض التنازلات في عدد من الملفات؛ وهو ما سيكون له الأثر على القضية الفلسطينية.
أمام هذا الواقع والتحديات فإن حركة “حماس” ترى أنها أولاً لا يمكن أن تتخلى عن ثوابتها وحقها في المقاومة مهما كان حجم التحديات.
ثانياً: إن حركة “حماس” عايشت ظروفاً وتحديات مشابهة دون أن تؤثر على قوتها وحضورها وجماهيريتها، وعلى سبيل المثال: اغتيال عدد كبير من قيادتها، إبعاد عدد من الصف الأول، عقد مؤتمر دولي (عام 1996م) لمحاربتها، وغير ذلك من الأحداث التي زادتها قوة بدل أن تضعفها، وأثبتت صدق خياراتها.
ثالثاً: إن حركة “حماس” ترى أن هذه المرحلة التي تمر بها الأمة هي مرحلة عابرة لن تلبث أن تزول، وسيبقى خيار المقاومة، الذي هو خيار أصيل في هذه الأمة، ورغم كل ما تقدّم فإن حركة “حماس” تبدو مطمئنة في خياراتها، وتتعامل بجدية مع التحديات المطروحة بسياسات لا تمس ثوابت الحركة وحقوق الشعب الفلسطيني.