1- لا أحد ينكر السمعة الطيبة التي يتمتع بها هذا المسلكي الذي ارتقى كرسي رئاسة البرلمان العراقي بعد عمل سياسي مشهود، ودورتان انتخابيتان في البرلمان بلجان كالقانونية وحقوق الإنسان، كان فيهما عضواً مواظباً على الحضور
1- لا أحد ينكر السمعة الطيبة التي يتمتع بها هذا المسلكي الذي ارتقى كرسي رئاسة البرلمان العراقي بعد عمل سياسي مشهود، ودورتان انتخابيتان في البرلمان بلجان كالقانونية وحقوق الإنسان، كان فيهما عضواً مواظباً على الحضور، عارفاً وفقيهاً لفقرات دستوره، علمياً في دقة مداخلاته ونقاط نظامه، كما ارتقى بالأمس سُلّم الأستاذية في الجامعة من خلال تخصصه بمادة القانون حتى صار أستاذاً لها، واستطاع كذلك بمكانته العلمية والأخلاقية بين المدرسين والطلاب على حد سواء أن يكتسب ودهم وينال احترامهم، وهذه نقطة إيجابية.
2- ولا أحد ينكر اليد النظيفة والأخلاق الحميدة التي يتحلى بها هذا المسؤول، فهو من نوادر القياديين العاملين في الدولة العراقية الجديدة (بعد الاحتلال)، الذين بقيت سمعتهم طيبة وغير ملوثة، رغم تفشي الفساد وكثرة المفسدين، ومن هنا كانت حملات الاستهداف ضده مفضوحة، لا ترتقي حتى إلى القبول المجتمعي، بل ولا حتى القضائي! (مع علمنا بواقع القضاء العراقي ومجافاته للعدالة والإنصاف!)، فبقي المسؤول نظيفاً بل ومُحترماً حتى من الإعلام العراقي (المتربص للانقضاض على المسؤولين من غير الثلة الحاكمة!)، وهذه نقطة إيجابية أيضاً.
3- ولا أحد ينكر المقبولية الثالثة التي يتمتع بها هذا السياسي الذي عاش معمعة السياسة العراقية من بعد الاحتلال ليومنا هذا، أعود وأقول: ورغم الخوض في العملية السياسية (المنحرفة) من بعد عام 2003م وحالات التسقيط والتشويه التي عُرف بها فرقاء العملية السياسية العراقية، فإن هذه الأمور لم تؤثر على درجة مقبوليته عند الأطراف المناوئة، من الكتل والأحزاب والقيادات الشيعية أو الكردية، وحتى السُّنية، بل وحتى إعلام الدولة (وبالأخص فضائية الدولة العراقية التي تخصصت في تشويه صور القيادات غير الشيعية)، فقد كانت دوماً مقدرة له ولا تستهدفه كباقي الأقران والأتراب، وهنا نقف لنقول: إن هذه الخصلة قد يراها البعض إيجابية، ولكن وفي عراق النزاع والضياع، حيث مصلحة العباد والبلاد أولوية مُتأخرة أمام مصالح الأحزاب، والحرص على تنفيذ المخططات الخارجية مُقدم على أي مصلحة وطنية، وحيث النجاح الذي يحققه كل حزب أو كتلة مرهون ليس بمقدار ما يحصل عليه من حقوق وما يقدم من واجبات، بل بما يسرق به من حقوق الآخرين وما يمتنع عن أدائه من واجبات!)، حتى صار هذا السلوك أصلاً في لعبة سياسة العراق المُتنقل من احتلال إلى احتلال! ونتج عنه ظلم عريض لشريحة أهل السُّنة، جعلتهم المُستهدف الأكبر الخاسر الأعظم والمُستباح الدائم في عراق الطوائف والأعراق، نقول (ومع الأسف): إن هذه الخصلة وبمثل هذا الواقع الذي نعيش يا سليم، هي خصلة ليست إيجابية!
4- جميل أن يعود السياسيون عن غيِّهم، يا سليم، ويبتعدوا عن أكل حقوق الآخرين زوراً وبهتاناً، ولكن من شروط صحة هذه العودة لصلاح العراق، أن تكون العودة لهذا الخير جماعية لكل الكتل والأحزاب، وضمن ضابط حاكم حازم يمنع الذين تسوّل لهم أنفسهم بالعودة إلى طريق الفساد والإفساد، ليعاد رسم أصول لعبة العملية السياسية، أما أن تلعب يا سليم وبمفردك بقواعد لا تعترف بها أصول اللعبة ولا لاعبوها (وإن كانت سليمة)، فذلك أمر غير سليم، يا سليم، وإن بدا ذلك الأمر لك سليماً.
5- لقد ارتقيت يا سليم مرتقاً صعباً، بمسؤوليتك الجديدة، فحال الإفساد والظلم الذي نال من أهل السُّنّة خاصة يفوق بعظمته عِظَمَ جُثة عمرو بن هشام المخزومي! من هنا فإنك تحتاج إلى جهد جهيد لتقطع رأس ذلك الظلم وتُفرح المظلومين والمهجرين والمعتقلين وذويهم، نعم تُفرحهم، مثلما أفرح سيدنا عبدالله بن مسعود (رضي الله عنه) رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عندما جاءه برأس أبي جهل (عمرو بن هشام)؛ فضحك به رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وبين الحالتين صلة، خاصة إذا ما علمنا (كما حدثتنا السّيَر) أن رأس عمرو بن هشام كان كبيراً وثقيلاً! وقد يكون بثقل وكبر فساد المفسدين اليوم!
6- لا بأس يا سليم أن تحمل تلك النفس التواقة لإقامة العدل والمساواة بين العراقيين، وإنه لعمري أمر عظيم، بل ونادر خاصة في غابة البرلمان أو براري رئاسة الوزراء! ولكنك يا سليم لم تأتِ على واقع مستقر آمن، ونفوس صادقة عامرة بنية التغيير والإصلاح، وإن ادعت ذلك في الإعلام أو في اللقاءات الثنائية، لتتعامل بحسن ظن قد يضيع الحقوق ويُقر الواقع المُنحرف الحالي!
7- قد يصور لك البعض اليوم يا سليم، أنك بين مطرقة المظلومية السُّنّية التي أوصلتك لهذا المكان وأجلستك على هذا الكرسي، وبين سندان كونك تمثل كل العراقيين فلا تفرق بين واحد وآخر، ولا تطالب بحق مجموعة دون أخرى على وجه الخصوص! وهذا وهم كبير يحاول البعض أن يوقعك في دوامته، ويبعدك عن الدور الحقيقي الذي لا يقوم به أحد غيرك، في تعديل دفة الميزان المُعوج، ثم تسعى لتثبيت معالم العدل والمساواة بين أهلك من الشمال إلى الجنوب.
8- إن حلم وصولك يا سليم إلى مقام العدالة والمساواة بين كل العراقيين، هو هدف سامٍ، يمر لا محالة برد المظلومية عن أبناء جلدتك من أهل السُّنة وإعادة حقوقهم المسلوبة إليهم، وحتى يكون كل العراقيين متساوين في الحقوق والواجبات كأسنان المشط لا تفرق بينهم، لا بد أن تعيد أولاً لأهل السُّنة مكانتهم الطبيعية باعتبارهم مواطنين من الدرجة الأولى في بلدهم العراق، وليس من الدرجة الثالثة أو الخامسة أو حتى العاشرة! كما هي عليه حالهم اليوم، وأن توصل صوتهم المخنوق (وهذا واجبك) إلى كل أروقة الدولة، وقد نالهم من الظلم ما نالهم، وأنت به أعلم.
9- واعلم يا سليم، أن صوتك الخافت، ومبالغتك في تهدئة الأمور، وحسن ظنك بمن ينخرون بالبلد من حولك، وحرصك على أن تظهر بلباس رئيس البرلمان الذي يجب ألا يتحدث عن مظلومية أهله خشية أن يجرح مشاعر الظالمين، وسعيك لاختيار حديث عديم اللون والطعم والرائحة، لا تؤذي به أحداً، ولا يستهدف آخر، سيجعلك تُضيّعُ المشيتين، فلن ترضى عنك جماهيرك (وهي اليوم لا نستطيع أن نقول: إنها راضية عنك!)، وفي ذات الوقت لن يقبل غرماؤك السياسيون بمجرد ضعفك وخفتان صوتك، بل سيسعون للحصول منك على تنازلات جديدة بحجة التقريب، وسلب الحقوق بحجة غلق الملفات، وفي أحسن الظروف، ربما سيقبلون بسكوتك على ما تم سرقته من حقوق أهلك بالأمس!
10- وفي الختام، احرص يا سليم على بطانة ناصحة، لا تتحدث بالمكاسب الحزبية الضيقة، بقدر ما تتحدث عن الأمانة التي في عنقك والتي سيحاسبك الله تعالى عليها (منفرداً) يوم لا ينفع الصحب ولا الكتل، وبالتوفيق وليس بغيره تنصلح أمور الدنيا والآخرة، والله يهديك سبيل الرشاد.