عادت أفغانستان لتشغل العالم والمجتمع الدولي بعد اقل من أسبوعين من إنهاء القوات الدولية تواجدها فيها بعد أن امضوا حوالي 13سنة عقب إسقاطهم حكومة الإمارة الإسلامية بقيادة طالبان
عادت أفغانستان لتشغل العالم والمجتمع الدولي بعد اقل من أسبوعين من إنهاء القوات الدولية تواجدها فيها بعد أن امضوا حوالي 13سنة عقب إسقاطهم حكومة الإمارة الإسلامية بقيادة طالبان.
وسيغادر جميع الجنود الأجانب أفغانستان مع نهاية عام2015 وسيبقى فيها بضعة آلاف من الجنود الأمريكيين وحلفاءهم لحماية الحكومة الأفغانية ومساعدة القوات الأفغانية حديثة النشأة.
تساؤلات
ويتساءل الخبراء في الشأن السياسي اليوم عن الدور الذي سيقوم به بضعة آلاف من الجنود لا يزيد عددهم عن 10 آلاف جندي بعد أن فشلت واشنطن في المهام نفسها طيلة 13عاما من القتال بوجود أكثر من 150 ألف جندي، فكلما اقترب موعد انسحاب التواجد الغربي والأمريكي في أفغانستان كلما ازدادت القلاقل و المخاوف على مستقبل أفغانستان.
وقالوا: هل ستعود أفغانستان إلى مربع الصفر وكذلك الحرب الأهلية التي عاشتها عقب انسحاب القوات السوفيتية من أفغانستان بعد 8 سنوات من احتلاها وغزوها.
أم هل ستتحول أفغانستان لتصبح دولة ناجحة وديمقراطية وحديثة مثلها مثل دول العالم. أم ستدخل في حروب القبائل و الجماعات المسلحة وينهار النظام العام فيها ويعود فيها رايات بارونات الحرب و قطاع الطرق وتتحول إلى دولة فاشلة.
ويرى هؤلاء أنه لا يمكن التكهن لأفغانستان بسيناريو بعينه، وسيكون الوضع فيها مفتوحا على جميع الاحتمالات ودون إعمال الحقائق على الأرض فإن أفغانستان ستدخل في المجهول وستنضم إلى طليعة الدول الفاشلة مثل الصومال وجنوب السودان وغيرهما.
الأمر الواقع
ويرى الكثير من المراقبين والخبراء إلى أن حكام أفغانستان يتعين عليهم التعامل مع الحقائق على الأرض واعتبار حركة طالبان حقيقة هامة في أفغانستان وتركيبة سياسية لا يمكن تجاهلها وإعطاءها مكانتها التي تستحقها. لكن على ما يبدو أن الأمور لم تتهيأ بعد لتقبل ذلك ولا يلوح في الأفق أي دلائل تشير إلى أن حكومة الرئيس الأفغاني أشرف غني قد تعلمت من التجارب السابقة و باتت مستعدة للتعاطي مع حقيقة اسمها طالبان.
ويرى هؤلاء أن التصريحات الأخيرة للقيادة الأفغانية الموالية للغرب تظهر أنها غير مستعدة للدخول في حوار مع المسلحين من طالبان حول السلطة ومستقبلها وغيرها من القضايا التي تمكن طالبان من الحكم. فبدلا من أن يقدم القادة الجدد في أفغانستان وهم أشرف غني وعبد الله عبد الله مقترحاتهم الجديدة لخصومهم من طالبان وإعلانهم عن خطوات لتقاسم الحكم أو التوصل إلى أي صيغة يمكن من خلاها منع عودة الحرب الأهلية في أفغانستان وانهيار الدولة راحوا يتشبثون بمقاعدهم ومناصبهم في الحكم وراحوا يتحدثون عن نفاذ صبرهم إزاء طالبان وطالبوا العلماء وأعيان القبائل بالخروج عن صمتهم والاختيار بين الدولة أو المسلحين وأنه لم يعد هناك أي تبرير لهذا الصمت.
وكان الرئيس الأفغاني أشرف غني قد دعا علماء الدين و زعماء القبائل في أفغانستان إلى الخروج عن صمتهم إزاء هجمات طالبان والتنديد بها والوقوف إلى جانب الحكومة والإفتاء بمحاربة طالبان والتصدي لهم.
أفق سياسي مسدود
وتزيد هذه التصريحات، وفقا للخبراء والمراقبين، في التأكيد بأن طالبان شعرت أن القيادة الأفغانية لا تتطلع لإتباع نهج مختلف عما اتبعه القوات الأمريكية التي حكمت أفغانستان طيلة السنوات الـ 13 الماضية وليست مستعدة لذلك أيضا.
وفي ظل هذا الأفق السياسي المسدود من جانب حكام أفغانستان، ترى حركة طالبان أنه لم يعد أمامها سوى طريق واحد لتسلكه وهو مواصلة طريق الكفاح واستمرار عملياتها القتالية في مختلف مناطق أفغانستان. وبناء على هذه التصريحات والتطورات فيمكن القول بأن أفغانستان لن تعود إلى بر الأمان أو تشهد استقرارا يذكر خلال الفترة القادمة.
خطة طالبان القادمة
وكانت حركة طالبان قد شرعت في الأشهر الماضية بتصعيد عملياتها في أنحاء مختلفة من أفغانستان و أعلنت عن خطة عسكرية لتصعيد هجماتها في أفغانستان تمثلت في استهداف الجيش الأفغاني والمصالح الغربية.
وقد شرعت طالبان في استهداف قوات الجيش الأفغاني الذي تحولت مهمة الإشراف الأمني إليه بعد أن أكملت القوات الأجنبية مهمتها في الدفاع عن النظام الأفغاني الموالي لها وحمايته.
ولوحظ أن قوافل الجيش الأفغاني وحافلات ضباط الجيش الأفغاني خاصة في العاصمة كابول و المناطق المجاورة لها قد تعرضت جميعها لهجمات شنها مقاتلون من طالبان و إلى هجمات انتحارية تعرض لها الجنود الأفغان و الضباط الأفغان.
وباتت الهجمات في العاصمة كابول شبه يومية وهو الأمر الذي أثار حفيظة القادة الأفغان وجعلهم يطلقون تصريحات عنيفة ضد قادة طالبان و اتهامهم بأنهم يريدون أن يعودوا بأفغانستان إلى زمن الحرب الأهلية و التقاتل الداخلي و لا يريدون أن يسمحوا بإقامة حكم ديمقراطي وعصري في أفغانستان.
وتتحدث التقارير إلى أنه في شهر نوفمبر وبداية ديسمبر2014 قتل ما لا يقل عن 150 جندي ورجل أمن أفغاني على يد طالبان في العاصمة كابول وضواحيها. وكانت جماعة شبكة حقاني قد قررت قيادة حملة منظمة من الهجمات شملت كل من العاصمة كابول وعاصمة شرق أفغانستان جلال أباد وباتت هذه المناطق ضمن سيطرتها وأنشطتها المسلحة. وراحت شبكة حقاني تظهر أنها لن ترضخ للتهديدات الأمريكية وإجراءات القوات الأجنبية ضدها وهو ما جعلها ترفع من حجم هجماتها في عاصمة البلاد.
استهداف المصالح الغربية
ولم تبق الأهداف العسكرية الأفغانية هدفا واحدا لشبكة حقاني بل قررت شبكة حقاني المنضوية تحت حركة طالبان تصعيدها ضد المصالح الغربية حيث راحت تستهدف المقرات الغربية وفجرت المدرسة الفرنسية في العاصمة كابول واستهدفت منظمات غربية غير حكومية في العاصمة نفسها واستهدفت مقرات غربية في إطار التصعيد و الضغط على الحكومة الأفغانية والقوات الدولية وجعلها تغادر أفغانستان دون شروط. واعتبرت شبكة حقاني أيضا الأهداف الغربية أهدافا رئيسية في أفغانستان وراحت تهاجمهم في كل مكان حيث تمكنت من تفجير السفارة الهندية في كابول واستهدفت السفارة الأمريكية ومقر الأمم المتحدة وتفجيره وشنت هجمات على مقرات ونوادي ومطاعم يتردد عليها الجنود والموظفين الغربيين وكان أعنف هذه الهجمات تفجير المطعم اللبناني في العاصمة كابول حيث قتل 60 شخصا أغلبهم من الرعايا الأجانب والغربيين. وأغضبت هذه الهجمات أمريكا والأمم المتحدة والدول الغربية فقرروا ضمها إلى قائمة الحركات الإرهابية وغير المشروعة ورصدت للقبض على قادتها و زعماءها 25 مليون دولار.
مخاوف أمريكية
وتخشى أمريكا اليوم، وفقا للمراقبين، من أن استمرار هذه المجموعة الطالبانية في شن هجماتها على الرعايا الغربيين واستهدافها المسئولين الكبار قد يجعلهم يتمكنوا من السيطرة على الحكم وإنهاء حكومة منتخبة في أفغانستان وسيؤدي هذا الأمر إلى نشوب حرب داخلية في أفغانستان. وترى واشنطن أن استمرار هجمات طالبان في مناطق مختلفة من أفغانستان قد يربك عملية إعادة الاستقرار إلى أفغانستان وتحقيق الأمن فيها.
وكانت طالبان قد تشددت في ملف الحوار مع القوات الدولية والحكومية وطالبت بإنهاء التواجد الأجنبي في أفغانستان كشرط أولي وإنهاء الحكم الحالي أو تشكيل حكومة انتقالية تشرف بشكل مؤقت على زمام الأمور ثم يجري البحث عن مستقبل أفغانستان.
مستقبل قاتم
ويبقى السؤال المطروح اليوم هو المستقبل الذي ستواجهه أفغانستان إزاء تصلب الأطراف جميعها وتمسكها بمواقفها. فالقوات الأمريكية لم تغير من سلوكها و لا تريد أن تظهر أنها هزمت وأنها لن تستسلم للأمر الواقع و لن تظهر أنها باتت ضعيفة وهزيلة. بل قررت أن تبقي حوالي 10 آلاف من جنودها في أفغانستان أغلبهم من سلاح الطيران (سواء في صورة طائرات بدون طيار أو طائرات مقاتلة) علاوة على إبقاء قواتها الخاصة وأكدت أنها ستقدم الدعم كلما احتاجت إليه الحكومة الأفغانية سواء بالمساعدة العسكرية أو الدفاع عنها للسنوات القادمة و لن تتركها تستسلم و تسقط أمام هجمات طالبان مهما كلف الأمر.
وفي وجه هذا التحدي الأمريكي، رفعت الجماعات الرافضة للتواجد الأمريكي، وأبرزها حزب إسلامي بقيادة حكمتيار والجماعات الشمالية التي ترفض بقاء القوات الأمريكية في المنطقة، من حجم عملياتها العسكرية. وفي ظل هذه التطورات فإنه يتوقع أن تشهد أفغانستان مع مطلع عام2015 تصعيدا عسكريا كبيرا وستشهد العمليات القتالية تطورا غير مسبوق وسيسعى مقاتلو طالبان إلى التأكيد أنه لا يمكن إقصاؤهم من أي عملية سياسية وأنهم سيواصلون التحدي إلى أن تسقط الحكومة الموالية للغرب ويعلن عن حكم انتقالي قبل أن تتسلم طالبان وحلفاءها السلطة بشكل أو بآخر.
ويبدو من خلال التصعيد على الأرض أن هناك رغبة طالبانية في تأكيد الأمر الواقع والتأكيد على أن المهم هي الحقائق على الأرض.