باتت أزمة تراجع أسعار النفط تلقي بظلالها بقوة على الشارع العربي عامة والكويت بصفة خاصة لاسيما بعد الانهيارات المتتالية للبورصات العربية متأثرة بانخفاض النفط وحديث الحكومات المتواصل عن خطط التقشف خلال المرحلة المقبلة ونهاية دولة الرفاه
باتت أزمة تراجع أسعار النفط تلقي بظلالها بقوة على الشارع العربي عامة والكويت بصفة خاصة لاسيما بعد الانهيارات المتتالية للبورصات العربية متأثرة بانخفاض النفط وحديث الحكومات المتواصل عن خطط التقشف خلال المرحلة المقبلة ونهاية دولة الرفاه.
وفي خضم هذه الأنباء القاتمة مع حلول العام الجديد وما يصاحبه من موازنات قائمة على عائدات النفط بنسبة تراوحت بين 90% و98% لدول الخليج، لا يستطيع أحد التنبؤ بما سيسفر عنه استمرار هذا التراجع في الأسعار.
الكويت
ففي الكويت، ورغم حالة الترقب والقلق الشديد في الأوساط الشعبية والحكومية يتوقع الخبراء والمراقبون أن تبقى المخاطر التي تواجه اقتصاد الكويت تحت السيطرة على المدى القريب، إذ أن الوضع المالي القوي للبلاد يتيح لها مواجهة تداعيات الانخفاض الأخير في أسعار النفط. أما على المدى المتوسط والطويل، فتزداد التحديات إذ أن معدل نمو الإنفاق الحكومي من شأنه أن ينعكس على المرونة المالية التي تتمتع بها البلاد. ولكن الحكومة تبحث الآن تدابير لزيادة الإيرادات غير النفطية والحد من نمو الإنفاق في السنوات المقبلة.
وفي هذا الصدد، قال بنك الكويت الوطني في تقرير صدر عنه أخيرا، وفق وسائل إعلام محلية، أن من المتوقع أن يشهد النمو الاقتصادي في الكويت تحسناً ليواكب نمو باقي دول مجلس التعاون الخليجي. فقد وصل معدل النمو في القطاع غير النفطي إلى متوسطه الإقليمي في عام 2013، ونتوقع أن يبقى عند هذه الوتيرة خلال عامي 2014 و2015.
وأشار التقرير إلى أن القطاع الاستهلاكي مازال محركاً قوياً للنمو الاقتصادي، على الرغم من استقراره مؤخراً. وبينما لا يُتوقع زيادة أجور الكويتيين بنسبة كبيرة في المدى القريب، إلا أن معدل نمو دخل الأسرة سيظل قوياً مدعوماً بالنمو القوي في التوظيف. كما سيستفيد القطاع من ارتفاع النمو المتوقع في معدل التوظيف والأجور في القطاع الخاص في الفترة المقبلة.
واستمرت الكويت في تحقيق فائض في الميزانية على مدار السنوات المالية الـ 15 الأخيرة، وقد بلغ الفائض 21٪ في المتوسط من الناتج المحلي الإجمالي. وقد حققت السنة المالية الأخيرة فائضاً بنسبة 26٪ من الناتج المحلي الإجمالي، على الرغم من معدل النمو القوي في الإنفاق والذي تجاوز 11٪ على مدار السنوات الـ14 الماضية.
ورغم أن تراجع أسعار النفط لم يؤد إلى عجزٍ في ميزانية الحكومة، فإن مجلس الوزراء يبحث الآن السبل للحد من معدل نمو الإنفاق خلال السنة المالية 2015/2016، حيث يقترح المجلس خفض معدل الإنفاق بنسبة 15٪ في عدة وزارات، مع التركيز على تخفيضات الدعم وتخفيضات توظيف الوافدين وتجميد الارتفاع العام في الأجور. وتُعزز الاحتياطات الضخمة الوضع المالي للكويت. وقد ساعد ذلك، بالإضافة إلى التوقعات المالية المطمئنة نسبياً للبلاد، في أن تحتفظ الكويت بتصنيف سيادي يقل بدرجتين فقط عن التصنيف الممتاز (AAA)، حيث تصنفها وكالة موديز بدرجة “Aa2″، بينما تصنفها وكالتي “ستاندرد آند بورز” و “فيتش” عند “AA”.
لكن تقريرا صدر مؤخراً عن معهد التمويل الدولي أفاد بأن ميزان الحساب الجاري للكويت في العام المقبل الأكثر تعرضاً لتداعيات تراجع النفط بنسبة 25% بين الدول جميعها المصدرة للنفط. وأضاف التقرير أن تأثير هذا الانخفاض على ميزان الحساب الجاري للكويت في 2015 سيبلغ أكثر من 12% كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، بينما سيؤثر في ميزان الحساب الجاري للمملكة العربية السعودية بنسبة 11%.
كما لفت معهد التمويل الدولي في تقريره إلى أن الكثير من منتجي النفط في العالم سيواجهون ضغوطا كبيرة تتعلق بميزانياتهم. بينما يصل سعر نقطة التعادل المالية في معظم الدول النفطية إلى أكثر من 80 دولارا للبرميل الواحد، باستثناء قطر والكويت والإمارات. وبالتالي يتوقع التقرير في حال تراجع متوسط أسعار النفط دون 80 دولارا للبرميل في العام المقبل، أن يزيد انخفاض إيرادات النفط بشكل كبير من الضغوط المالية على هذه البلدان.
وتوقع التقرير أن يستمر الفائض في الحساب الجاري لكل من الكويت والإمارات والسعودية وقطر في غضون العامين المقبلين، ولو بحصة أقل بكثير، ويتوقع أن تحافظ هذه الدول على ربط عملتها بالدولار.
السعودية
وبعد طمأنة وزير المالية السعودي الدكتور إبراهيم العساف بأن المملكة ستتمكن من مواصلة تنفيذ مشاريع تنموية ضخمة والإنفاق على برامج التنمية وانتهاج سياسة مالية تسير عكس الدورات الاقتصادية في عام 2015 ارتد مؤشر السوق السعودي “تداول” في جلسة, أمس, للارتفاع بعد تراجعه لثماني جلسات متتالية, مغلقاً على مكاسب جيدة بنسبة 4.2 في المئة عند 7639 نقطة, مسجلاً أكبر مكاسب يومية من حيث النقاط في نحو 4 سنوات, وسط تداولات بلغت قيمتها نحو 8.6 مليار ريال, كما ارتفعت مؤشرات بورصات ابوظبي وقطر ومسقط بنسبة 5.1 في المئة و1.1 في المئة و1.3 في المئة على التوالي, فيما بقيت أسواق الكويت ودبي والبحرين في المنطقة الحمراء.
ويأتي هذا بعد خسائر الأسهم السعودية التي بلغت حتى يوم الثلاثاء الماضي 224 بليون ريال منذ مطلع الأسبوع الحالي، فيما بلغت خسارة المؤشر 13% من قيمته، واتسع نطاق تأثير انخفاض أسعار النفط ليهوي بغالبية البورصات الخليجية، وأدى إلى انهيار الروبل الروسي. وتسبب هذا الانخفاض الحاد في السوق في تكبيد المقترضين للتداول في سوق الأسهم (وتصل نسبتهم إلى 15%) خسائر وصلت إلى 70% من رؤوس أموالهم في ما أطلقوا عليه اسم “الثلاثاء الأسود”.
ورغم هذه الخسائر الحادة وتذبذب الأسواق وتوقعات استمرارها تواصل السعودية تمسكها بموقف عدم خفض سقف الإنتاج لدول أوبك.
وهذا الموقف يعزوه مانويل فرونديل، وهو خبير مختص في الطاقة من المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية في مدينة إيسن، إلى تغيير السعوديين لاستراتيجيتهم النفطية الاقتصادية. ويقول فرونديل في حوار مع إذاعة “دويتشلاند فونك” الألمانية: “قامت السعودية في سبتمبر الماضي برفع الإنتاج للحفاظ على المستوى المنخفض للأسعار وتعزيز مكانتها في السوق.” وأضاف “أعتقد أن السعودية تتبع هنا استراتيجة متوسطة المدى للحيلولة دون دخول منافسين جدد إلى السوق على غرار النفط الصخري الأمريكي الذي تعد تكاليف استخراجه عالية جدا”.
ويشير تقرير معهد التمويل الدولي إلى أن من المتوقع أن يصل متوسط سعر برميل النفط في النصف الأول من العام المقبل إلى 75 دولارا للبرميل، ليرتفع بعد ذلك إلى 85 دولارا للبرميل في نهاية 2015.
ويعتمد التقرير في تقييمه الرئيسي هذا على استراتيجية “لا للتخفيض الحاد” في إنتاج أوبك التي صاغتها السعودية، وطغت على الاجتماع الأخير لأوبك.
روسيا
أما روسيا، ورغم أنها ليست دولة عضو في منظمة أوبك فلم تكن بمنأى عن هذه الأحداث، فقد عانت من انخفاض أسعار النفط، لاسيما بعد تزايد العقوبات التي فرضتها أمريكا وأوروبا على موسكو لتدخلها في الشأن الأوكراني، مما تسبب في انهيار واسع النطاق للعملة الروسية “روبل” ليكلف اقتصادها خسائر سنوية تتراوح بين 130 و140 مليار دولار، مما أثار احتمالية تعثر البلاد في الوفاء بالتزاماتها المالية.
وقد أعلنت رئيسة البنك المركزي الروسي إلفيرا نابيؤلينا أول أمس، رفع الفائدة على الودائع بالبنوك بهدف الحد من التداعيات السلبية لتراجع سعر صرف الروبل، مشيرة إلى أن هذا القرار سيؤدي إلى زيادة جاذبية الودائع بالروبل بالنسبة إلى السكان. لكنها لفتت في الوقت ذاته إلى أن سعر صرف الروبل العائم ورفع نسبة الفائدة الأساسية سيجعل نشاط المضاربين في سوق العملات محفوفا بأخطار كبيرة.
وأوضحت أن تراجع قيمة الروبل يعود قبل كل شيء إلى تأثير عوامل خارجية، في إشارة منها إلى تراجع أسعار النفط العالمية إلى مستويات قياسية، والعقوبات الغربية التي فرضت ضد روسيا المتعلقة بالأزمة الأوكرانية. وسجلت العملة الروسية الروبل تراجعا حادا خلال تعاملات الثلاثاء 16 ديسمبر الجاري حيث بلغ مستوى 66.99 روبلا أمام الدولار، و 83 روبلا أمام اليورو.
يذكر أن المركزي الروسي قرر رفع سعر الفائدة الأساسي السنوي من 10.5% إلى 17% في خطوة جذرية لكبح مخاطر التضخم وهبوط سعر الروبل.
ومع ذلك، تشير الإحصائيات إلى أنه بنهاية أكتوبر الماضي بلغ الاحتياطي النقدي الروسي 428.6 مليار دولار ليفقد بذلك الاحتياطي قرابة مائة مليار مقارنة بما كان عليه نهاية 2012 حيث كان يبلغ 537 مليار دولار، متأثرا بتهاوي أسعار النفط، ويتوقع أن يستمر نزيف الاحتياطي الروسي، لاسيما وأن سياسة موسكو الاقتصادية تهدف لإحداث حالة من الرواج الاقتصادي للخروج من حالة الركود.
تركيا
ويرى المراقبون وخبراء الاقتصاد أن تركيا هي أحد الرابحين من تراجع أسعار النفط، حيث تعتبر أسعار النفط والغاز أمرا بالغ الأهمية بالنسبة إلى الاقتصاد التركي، فالبلاد تعتمد في استهلاكها للطاقة بشكل شبه كلي على واردات النفط والغاز من الخارج (أكثر من 90% من الخارج إذا ما استبعدنا الفحم الحجري)، كما أنّها تترك تأثيرا كبيرا على عدد من المؤشرات المرتبطة بالأداء الاقتصادي للبلاد من بينها التضخم والنمو والحساب الجاري.
وخلال الربع الأول من العام تقريبا، لم يكن هناك أي مؤشرات على انخفاض حاد في أسعار النفط، وقد كان ذلك يعني مواجهة المزيد من التحديات بالنسبة للاقتصاد التركي. ففي عام 2010 و2011 كان الاقتصاد التركي في قائمة الدول الأكثر نموا في العالم، وبموازاة ذلك نما حجم استهلاك الطاقة في البلاد بنسبة حوالي 6% في عام 2012 و2013، وانعكس ذلك على حجم فاتورة الطاقة المستوردة؛ إذ ارتفعت من 39 مليار دولار في عام 2008 إلى 60 مليار دولار في عام 2012.
ومع انخفاض معدل النمو الاقتصادي في عام 2013 فإن فاتورة الطاقة ظلت مرتفعة وبلغت 56 مليار دولار، ويعود ذلك إلى سببين رئيسيين بالدرجة الأولى وهما: ارتفاع أسعار النفط وانخفاض قيمة العملة التركية مقابل الدولار. ووفقا لمعهد الإحصاء التركي، فقد دفعت تركيا خلال السنوات الخمس الماضية حوالي 239 مليار دولار ثمنا لوارداتها من الطاقة. ومع تواصل انخفاض أسعار النفط خلال الأشهر القليلة الماضية إلى أدنى مستوى لها منذ خمس سنوات تقريبا، فإن الأخبار تبدو جيّدة بالنسبة للجانب التركي؛ إذ من المتوقع أن تنخفض فاتورة الطاقة دون شك عن الحجم الذي وصلت إليه العام الماضي، وأن تهبط فاتورة استيراد النفط وحدها من حوالي 15 مليار دولار إلى حوالي 11 مليار دولار، وفقا لمراقبين.
وقد واجهت تركيا خلال السنوات القليلة الماضية مشكلة في ارتفاع العجز في الحساب الجاري بنسبة كبيرة بسبب فاتورة الطاقة، ولا شك أنّ انخفاض أسعار النفط سيؤدي إلى خفض في هذا العجز، حيث تشير بعض التوقعات الحكومية إلى تراجعه بمقدار حوالي 4.5 مليار دولار لكل 10 دولارات. فوفقا لتقديرات علي باباجان، نائب رئيس الوزراء للشئون الاقتصادية فإن كل تراجع لأسعار النفط الخام بقيمة 10 دولارات سيكون لها انعكاس على انخفاض حجم التضخم في البلاد بنسبة 0.5% وكذلك ارتفاع في حجم النمو بنسبة 0.3%.
وكان الحال كذلك مع الغاز الطبيعي، فقد حصلت تركيا على تخفيض في أسعار الغاز الروسي المصدّر للبلاد بنسبة 6% مع الزيارة التي قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى أنقرة خلال الأيام الماضية، صحيح أن هذا الخفض دون التوقع الذي كان الأتراك يريدونه من بوتين؛ حيث يشير البعض إلى أنّهم كانوا يطمحون إلى تخفيض بنسبة 25%، إلا أن الجانب الروسي وعد برفعه النسبة إلى 12% في مرحلة لاحقة، وهو أمر يظل جيّدا بالنسبة للجانب التركي خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أنه يستورد النفط الإيراني بأسعار تفوق حتى أسعار السوق العالمية.