هناك وسائل مختلفة من خلالها نستطيع أن نُشعِر الصغار بأهمية ذواتهم؛ بحيث نصل بهذا الإدراك لديهم لدرجة نمنحهم من خلالها أن يحافظوا على هذه النفس التي أودعها الله فيهم ويرتقوا فيها للأعلى
يسرد الكاتب «أنطوني دي ميلو» في كتابه «Awareness» قصة ذات مغزى جميل؛ حيث يقول: «وجد رجل بيضة لنسر، فأخذها ووضعها في خن الدجاج، وبعد مدة من الزمن فقست البيضة وخرج النسر الصغير ليجد نفسه بين الكتاكيت الصغيرة؛ فعاش معهم، وكبر، وتطبع بطبعهم، وكان يتصرف كأي دجاجة نشأ معها تنبش الأرض، ولم يفكر يوماً أن يفرد جناحيه ليطير ولو عدة سنتيمترات في الهواء.
مرت السنون وكبر النسر وتقدم به العمر، وفي ذات يوم رأى طيراً يحلق فوقه في السماء الصافية بجناحين كبيرين يسابق بهما الريح، ويلمع خلالهما ريش أصفر جميل؛ فصاح بأعلى صوته: ما هذا الطير؟ فأجابه الديك الذي يجلس بجانبه: إنه النسر الكبير الذي ينتمي للسماء، أما نحن الدجاج فننتمي لهذه الأرض، عاش النسر بقية عمره عيشة الدجاج التي كان دائماً يعتقد أنه منها».
إن الشعور بأهمية الذات والإحساس بإمكاناتها من الأهمية بمكان؛ بحيث جعل الله نسيان هذه النفس وهذا الشعور من العقوبة التي تقع على الغافلين عن عبادته، قال تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ “19”} (الحشر)، عندما ندرك أهمية ذاتنا وإمكاناتها المختلفة سنشعر بعظمها، وسنحافظ على هذه الذات القيمة من أن تدنس بأي شيء يقلل من قيمتها؛ فيكون هذا الوعي بالذات حصناً لهذه النفس؛ يحميها ويدفعها لمعالي الأمور.
هناك وسائل مختلفة من خلالها نستطيع أن نُشعِر الصغار بأهمية ذواتهم؛ بحيث نصل بهذا الإدراك لديهم لدرجة نمنحهم من خلالها أن يحافظوا على هذه النفس التي أودعها الله فيهم ويرتقوا فيها للأعلى.
ومن هذه الخطوات:
1- القرار السليم: هو أولى الخطوات للطريق الصواب؛ فمن الأهمية تدريب الأبناء على اتخاذ القرارات، واختبار قراراتهم من حيث الخطأ والصواب، امنحهم الفرصة للاختيار، واتخاذ بعض القرارات التي تخصكم كأسرة، ليس بالضرورة أن تكون تلك القرارات سليمة، ولكن مع الوقت سيتعلم الأبناء ما الصواب من الخطأ، وإن كنت تخشى أن يكون القرار بعيداً جداً عن الصواب؛ امنحهم بعض الاختيارات، كن قدوة لهم، شاركهم قراراتك، وامنحهم الفرصة، وهم يشاهدونك وأنت تصنع القرار.
2- لا تنزع منهم احترامهم لذاتهم بكلمة جارحة، أو تعليق ساخر، لا تهدم إنسانيتهم بتصرف غير مدروس؛ بحجة تدريبهم على قسوة الحياة، بل افعل العكس، تودد لهم بأسماء وصفات فيها علو ورقي، عاملهم على أنهم أشخاص مؤهلون لتحمل المسؤولية، بث فيهم الاعتزاز بالنفس، ولكن ليس لدرجة الغرور أو الترفع على الآخرين.
3- علِّمهم احترام الآخر؛ لأنه السبيل لاحترام النفس، الشعور بالوعي الذاتي يدفع الإنسان للشعور باحتياجات الآخرين؛ فيحترمهم ولا يتعدى حدود حرياتهم، ولا يسلبها منهم.
4- امنحهم الوقت الكافي للعب؛ فهذا الوقت الذي يعيشون فيه عالمهم الخاص؛ ويختارون لعبهم وأصدقاءهم الذين أحياناً ما يكونون أصدقاء خياليين، بل ويذهبون لعوالم مختلفة يعيشون فيها لدقائق تمنحهم الرضا لمتطلباتهم الشخصية.
5- ضع يدهم على عظمة وإبداع خلقهم، كرر أقوالاً مثل: «سبحان الله! من هداك لهذه الفكرة المبدعة؟!»، أو «حفظ الله هذه الأصابع التي كتبت هذه الكلمات»، أو «دعني أرى هذه العيون التي خلقها الله بهذا الجمال».
تحدث معهم عن إعجاز خلقهم، اتخذ من دروس العلوم مدخلاً للتحدث عن عظمة وإبداع خلق الله في الإنسان، وإن علينا أن نحافظ على هذه النعم ونصونها من أي شيء يؤذيها.
6- تجنب النقد لكل تصرف يقومون به، وخاصة أمام الآخرين، لا تتكلم عن أخطائهم أو أفكارهم البسيطة وتهزأ منها لدى الآخرين، قوِّمهم تحت جناحيك بمفردكم – أنت وهم – فقط، بكلمات بسيطة وجمل قصيرة، ناقشهم ولا تهزأ منهم؛ لأن هذا من شأنه أن يجعلهم يترددون في المرات القادمة التي عليهم أن يتخذوا فيها قراراً.
7- إذا أخطأ الصغار فركز توجيهاتك على القرار الخطأ وليس على الطفل نفسه، فمثلاً لا تقل: «أنت طفل سيئ، قمت بهذا العمل»، بل قل: «هذا القرار أو العمل الذي قمت به سيئ ويحتاج إلى التعديل».
8- قبل أن تعاقب الطفل على كسره قانوناً معيناً في البيت أو المدرسة؛ فهِّمه أين يكمن موضع الخطأ الذي وقع فيه، وأن هذه القوانين سواء في البيت أو المدرسة إنما وضعت لحمايته، ومصلحته، وعليه أن يفهمها ويطبقها، وأن الخطأ ليس نهاية العالم، ولكنه وسيلة لنتعلم فلا نكرر أخطاءنا.. وكما أن هناك عقاباً، فيوجد أيضاً مدح وثواب عندما يقوم بفعلٍ يستحق التشجيع.