محمد ثابت
بعد الحال المهين الذي وصلت إليه بلدنا العزيزة مصر، وبعد الفوضى غير المحددة المعالم، التي تلف شوارعها، ومبانيها، ومصالحها، وانعدام الأمن الجنائي فيها إلى حد خطير منذر بعوقب أشد خطورة خلال الأيام المقبلة، وبعد التراجع المخزي في مكانتها الدولية، وتقدمها في معدلات واحدة هو: الفساد،وبعدما استباح الأخير الوطن فصار يرتع فيه ليل نهار، وصار العلماء والطبقات العليا من المجتمع ..من أكباء وعلماء ومعلمين ومهندسين .. نهباً لانتهاكات البيوت، بالاضافة إلى المخلصين من مختلف المملل والأعمار، ف رامي جان المسيحي الحر متهم بتجارة المخدرات، فيما البابا تواضروس يمالىء العسكر على حساب دم أتباعه المراق عند ماسبيرو، وأيضاً الذين ينتحرون بنسبة ليس لها مثيل في مصر، وراجعوا عددهم خلال الشهر القليلة الماضية.
أما خبرات مصر النادرة فحدث ولا حرج، استباحة العورات للشرفاء مباح في عرف الإنقلاب والإنقلابيين، قرب الفجر وبعده، وبعدما صار العلماء مادة ثرية للاتهام بالإرهاب وتجارة السلاح، والدكتور الفاضل عبد الله خطاب ليس الأول، ومن المنتظر خلال الفوضى العارمة في مصر ألا يكون الأخير، لا قدر الله، وجلّ ذنب الرجل إنه تعلم تعليماً نادراً في تخصصه الاقتصادي، ونال الدكتوراة من بريطانيا، وعرضوا عليه هناك، وفقاً لما يقوله أخوه الصديق محمد خطاب أكثر من عشرة اضعاف ما سيأخذه من عمله بمصر، وبعد أن صارأستاذاً بجامعة مساعداً القاهرة، وخبيراً بصندوق النقد الدولي، وكان مهيأ ليكون وزيراً المالية في عهد الرئيس محمد مرسي، وفقط لإنه تقدم بمشروع لاستعادة بعض من المليارات المهدرة على الدولة، أخذ بعض رجال الأعمال من المتهربين من الضرائب الأمر على محمل (الغل) وكاد للعالم الفاضل، وتسبب في سجنه بل أخيه بسجن العقرب المعروف..
والدكتور عبد الله شحاتة خطاب أفضل حالاً رغم المحنة الشديدة التي يمر بها،خفف الله عنه ووهبه السلامة واسرته الكريمة التي تم تحطيم محتويا تشقته على مرتين، حتى بعد القبض عليه، إذ جاء الأشاوس، أصدقاء إسرائيل بعد ساعات خصيصاً لذلك، هذا بعد ان روعوا له طفلاً صغيراً، أنعم الله عليه بأن جعله من ذوي الاحتياجات الخاصة، وجلّ ذنبه إنه لما خاف تمسك بأبيه، فك الله أسره، فكان جزاؤه أن آُخذ معه في سيارة الشرطة بل أمه .. وتم تركهم على الدائري في الصقيع الشديد بعد الفجر، والدكتور عبد الله أفضل حالاً في الدنيا، حفظه الله وفك أسره من الدكتور طارق خطاب رحمه الله، العالم الجليل، الطبيب التقي، المعروفة قصته للعامة قبل الخاصة..
و شباب مصر المخلصين معرضين للفقد، ويظل اهليهم ساهرين ليل نهار لا يعلمون شيئاً عنهم، والشاب الخيِّر عبد الرحمن كمال الذي كان جل اتهامه مساهمته في إزاحة الهموم عن الفقراء والمُعوزين، ومساعدتهم عبر جمعية رساله وجهوده الأخرى المميزة، فكانت النتيجة ان يتم احتجازه وانتهاك بيته من زوار الفجر، وهو على مدار اكثر من تسعين يوماً لا يبدو اثر له، ولم يفلح لا النائب العام ولا غيره في معرفة مكانه حتى قيل مات، وأهله لا يجدون جثته ليدفنوها، فيما الأمل قوي لديهم إنه ما يزال على قيد الحياة..
مطلوب وبقوة من الثوار بل من كل مصري محب لله ثم دينه أن يراجع نفسه، وأن يسألها سؤالاً واحداً:
ـ هل هو راضٍ عن آلاف الحالات مما ذكرنا طرف بسيط من بعضه؟
إذا كنت كذلك .. فانتظر من العقاب مثلما سينال المجرمون إن لم يكن في الدنيا ففي الآخرة، وربك لا يظلم أحداً، ورسولك، صلى الله عليه وسلم يقول فيما معناه، ما من موضع يخذل مسلماً، مثلك يعني، أخاً له، مثل الحالات التي ذكرتها لك منذ قليل، إلا أذاقه الله تعالى مثلها، أي وضعك في مثل هذه المواقف أو غيرها مما يختاره الله لك بعناية تناسب درجة رضاك عن هذه المهازل، ثم لا يجد من ينصره، عندها لن تجد احداً إلى جوارك .. وهو وعد إلهي، وصدق الله تعالى، وكذب الإنقلابيون، فوكيل نيابة منذ أيام قليلة يقتل بريئاً بالرصاص في مشاجرة، وضابط يخنق امرأة في خلاف على المرور بسيارتيهما منذ ساعات، وضابط شرطة يفتح النار على مواطنين في الشارع منذ أسابيع، وامناء شرطة يسرقون محلاً للذهب بطريقة مبتكرة، والحبل على الجرار كما يقول الشوام، ولسه كما نقول نحن المصريين. وجميع هؤلاء المظلومين، فيما حكيتُ لك، ليسوا بإخوان، وللحقيقة فإن الصراع بين باطل واضح .. ومقاومين له سأوضح لك كنههم في السؤال الأخير التالي: ..
ـ هل تقف إلى الجانب الذي يغلب الحق عليه؟
إذ إننا في البداية والنهاية بشر وهناك أمراض اجتماعية من آسف شديد على مدار أكثر من ستين عاماً من حكم العسكر أصابت الجميع، وفي ظل حكم مبارك بمفرده لمصر لنصف هذه الفترة تقريباً، تدهورت خلالها مفاهيم مصيرية في حياة بقية شعوب العالم، وأصبحت الكرامة والحرية والعدالة حلماً بعيد المنال، وصارت كرامة كل مواطن، طالما لم يكن شريكاً في منظومة الفساد والاستهانة بكل غالٍ ونفيس في الوطن، واصبحت حياة كل حر شريف معرضة للاحتجازوالسجن والطرد من الوظيفة بل القتل على المشاع في الشوارع والامثلة أكثر من أن تعد، وفي النهاية ثار الشعب في 25 من يناير 2011م لكنها ثورة منقوصة ابتلعها العسكر، واذاقوا شعبنا، بمعاونة الداخلية أضعاف أضعاف ما ناله في عهد مبارك، وفي اقل من عام ونصف العام فقط..
وأمام موقف تاريخي خطير، وبلدنا العزيز على المحك، تكاد المصائب تبتلعه، وخيّرة أبنائه إما تمّ قتلهم أو إصابتهم أو اعتقالهم أو طردهم خارج بيوتهم وأحيائهم السكنية أو خارج مصر كلها، وبقي قسم كبير من المصريين يقفون، بالكاد، على الحياد، إن لم يكونوا في الصف الآخر يعاونون المستبدين القتلة الظلمة، مقدمين الحياة الدنيا على ما لدى الله تعالى، محبين للحياة تحت ظل القهر، على شرف الرفعة والكرامة ونبل المرؤة، مرددين إنهم عبيد للمأمور لا أكثر، ومهوسين بلقمة العيش والنوم تحت ظل اي ظروف ..
إن هؤلاء لما لا ينحازون إلى جانب من يغلب عليهم الصواب، سمهم إذن الأحرار، أو الإخوان، أو الشرفاء، فالأهم المسمى، والعمل، وليس الاسماء، وما يتعلق بالاخيرة إلا الراغبين في تبرير التكاسل والتخاذل، إذ ستقف بين يدي الله فسيسألك عما قدمت لوطنك وأمتك في هذه الظروف العصيبة..
إن الذين لا ينحازون إلى جانب الذين يغلب الصواب عليهم ـ كما اتفقنا، يهدرون دينهم ودنياهم، حياتهم ومستقبل أبنائهم، احترامهم لذاتهم وعرض نسائهم .. من أجل قليل من قليل من ضئيل الحياة الدنيا، إنهم يحيون ميتيتن حتى يوضعوا في القبور ليحاسبهم الله تعالى على ما ظلموا أنفسهم به قبل أن يظلموا بلدهم أشقائهم الثائرين ..
إلى جميع هؤلاء:
اتقوا الله تعالى في أنفسكم وأعراضكم ومآل حياتكم .. وانصروا الفئة التي غلب الحق عليها قبل أن تضيعوا قبلهم ..