في ورقة صادرة عن المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السّياسات تحت عنوان “المشهد اليمني بعد سقوط صنعاء” للباحث اليمني محمد جميح، تناول فيها أبعاد الصراع القائم والمؤامرة التي تحاك باليمن.
في ورقة صادرة عن المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السّياسات بالدوحة تحت عنوان “المشهد اليمني بعد سقوط صنعاء” للباحث اليمني محمد جميح، تناول فيها أبعاد الصراع القائم والمؤامرة التي تحاك باليمن.
وبدأت الدراسة من الرجوع لنقطة فارقة في المشهد وهي انطلاق الثورة في 11/2/2011م، واعتبرها الكاتب أنها مثّلت خطاً فاصلاً بين منظومتين “القوى المنضوية تحت مظلّة السلطة الحاكمة آنذاك بزعامة الرئيس السابق علي عبدالله صالح”، في حين مثّلت المنظومة الثانية مجموعة القوى التي كانت خارج إطار السلطة”، في صراع سياسي واضح بلغ أقصى مداه كما يشير الكاتب.
وقد اتّخذ الانقسام السياسي آنذاك طابعاً جغرافياً قابلاً لقراءته في سياقات رمزية؛ فعلى مستوى العاصمة، تموضع ثقل قوى المعارضة حول جامعة صنعاء وفي شارع الستين “ساحة التغيير”، في حين تحشّد معسكر السلطة آنذاك في ميدان السبعين بالقرب من دار الرئاسة رمز المؤسسة الحاكمة.
واعتبر الكاتب أن المرحلة الانتقالية التي بدأت بمصالحة ورعاية خليجية ما كانت سوى هدوء تبعه انتقال للصراع بصورة أضخم مثل محاوره خصومة قبلية مع آل الأحمر، وخصومة سياسية مع الإصلاح، وخصومة جغرافية مع ما يعرف بالسهل والجبل، وهذا الصراع الأخير وفقاً للكاتب غُزي بشكل قوي ليستمر، ومن ذلك رفض توحد موقف الحوثيين والرئيس السابق من اختيار د. أحمد عوض بن مبارك لرئاسة الحكومة، إذ جرى رفضه على أساس أنه ينتمي إلى الجنوب كما جاء في بيان المؤتمر الشعبي العامّ.
موقف المؤسسة العسكرية
لما لها من تأثير ودور على الساحة السياسية في اليمن، فقد استعرض الكاتب هذا الدور ضمن المشهد والأحداث جعل تتبع قصة تكوين الجيش وتأسيسه مهمة للتعرف على أسباب مآلات الجيش الآن في الصراع، فعرض لتاريخ الجيش اليمني وقصة تشكيله ما بعد عام 1990م، حيث كان اليمن منقسم، واندمج جيش الجنوب والشمال، ولكن لم تنجح المحاولة ليتفجر الوضع في عام 1994م ثم ينهزم الجنوب ليندمج مرة أخرى بعد استبعاد قياداته وتتنوع أذرع قوته مع الوقت لتصل لأن تكون فرقة الحرس الجمهوري التي كان يرأسها نجل الرئيس السابق العميد أحمد علي عبد الله صالح، والفرقة الأولى مدرع وقائدها اللواء علي محسن الأحمر الذي قاد الحرب سابقاً من جانب الدولة على المتمردين الحوثيين، بجانب الوضع المتوتر بسبب الخصومة الشديدة التي كانت بين وزير الدفاع محمد ناصر أحمد واللواء الأحمر والتي أثّرت سلبياً في أداء الجيش في مواجهة الحوثيين في عمران وصنعاء، هذا بجانب الفساد الذي ضرب بجذوره في تلك المؤسسة، بحسب الكاتب.
جميع ما سبق هيأ لاختراق الحوثيين للجيش؛ وهو الأمر الذي أكد الكاتب أنه ليس وليد هذا المشهد الأخير، لكنه قديم، مستدعياً رئيس جهاز الأمن القومي علي الأحمدي بقوله: “تهاوي بعض وحدات الجيش والأمن أمام الحوثيين نتج عن خيانات واختراق في هذه الوحدات”.
الصراع الحوثي الإصلاحي
من تحالف لإسقاط النظام على حد وصف الكاتب بين الحوثي والإصلاح إلى صراع استغله الحوثي ليقول: إنه ضد “التكفيريين والإخوان والسلفيين”، وليس ضد الدولة، إلا أن واقع الحال وفقاً للكاتب أن الحوثيون انتهجوا سياسة ذكية في مراحل حروبهم المتعددة؛ فعندما كانوا يحاصرون دماج، كانوا يؤكدون أنهم لا يستهدفون إلا “التكفيريين الأجانب” الذين يدرسون في مركز أهل الحديث في دماج، ولم يكونوا يتعرضون للإخوان المسلمين، وبعد أن تحقّق لهم ما أرادوا من
إخراج أهالي دماج من قراهم، وبدأ مسلّحو الحوثي يتّجهون إلى بعض مديريات عمران، بدأ الحوثيون يصعّدون لهجتهم إزاء مشيخة قبيلة حاشد التي ينتمي إليها رجل الأعمال والقيادي في الإصلاح، حميد الأحمر، واشتدّت المواجهات التي انتهت في مطلع فبراير 2014م بسيطرة مسلّحي الحوثي على منطقة الخمري، وتفجير منزل الشيخ الراحل عبدالله الأحمر الذي كان يرأس الهيئة العليا للتجمّع اليمني للإصلاح، وما تلا ذلك من أحداثٍ قادت إلى المواجهات المسلّحة مع اللواء 211 الذي كان يرابط في عمران بقيادة حميد القشيبي المحسوب على اللواء الأحمر المحسوب بدوره على الإصلاح، ثم بعد أن تفرغوا واستباحوا تفرغوا للتوجه للعاصمة في مواجهة صريحة للدولة ومؤسساتها.
واعتبر الكاتب أن خطوة الإصلاح المتمثلة في عدم المواجهة كانت تكتيكاً ذكياً؛ قلل من حجم الخسائر، وساعدت على تجاوزه لخطط خارجية وداخليه للقضاء عليه.
الحوثيون في طريق “حزب الله”
استدعى الكاتب الدور الإيراني والمشهد المأمول من تحرك الحوثيين، وجاء ذلك في شقين؛ سعى الحوثيون لإيجاد موطئ قدم عبر إقليم يسيطرون عليه، ويكون لهم منفذاً بحرياً يمنحهم حرية التحرك والاستغلال، مستنداً لما أشارت إليه تقارير إعلامية عدة عن استخدام الحوثيين ميناء ميدي والصليف للتهريب، وعلى وجه الخصوص تهريب الأسلحة التي كانت تأتي عبر سفن ثمّ تفرغ في مخازن مؤقّتة في جزر غير مأهولة في البحر الأحمر – بعضها يتبع دولة إريتريا – قبل أن تهرب في قوارب صيد صغيرة عبر سواحل البحر الأحمر.
دور الرئيس السابق وخلاف باسندوه وهادي
الكاتب اعتبر أن هذه الشخصيات الثلاثة بمواقعها كان لها تأثير على مستواها الشخصي، وعلى مستوى الصراع بينها، أو الخلاف، فـ”صالح” اعتبره الكاتب نجح في استغلال علاقاته غير المباشرة مع الحوثيين التي بناها عبر سنوات سابقة، منوهاً إلى القول: إن هناك يداً لـ”صالح” في تسهيل دخول الحوثيين العاصمة عبر رجال “صالح”، بل تناول الكاتب التقارير الصحفية التي قالت: إنّ أحد الشيوخ القبليين البارزين من عمران، وهو قيادي في المؤتمر الشعبي العام، قد شارك في اقتحام الحوثيين صنعاء، وقبل ذلك كان لحلفاء “صالح” دور بارز في حسم المعارك في عمران، وهزيمة اللواء 211 المرابط هناك، وقتل قائده حميد القشيبي الذي كان خصماً لـ”صالح”، واشتبك مع قوات الحرس الجمهوري إبّان أحداث الثورة الشبابية.
أما استقالة باسندوة والتي عرض الكاتب جزءاً منها في ورقته، فقد أحدثت إرباكاً في مؤسسة الرئاسة؛ حيث كشفت استقالة رئيس حكومة التوافق أن التوافق كان مزعوماً.
الاحتمالات والمآلات
وضع الكاتب في ختام ورقته مآلات ثلاثة للمشهد، وكانت كالتالي:
1- استمرار عملية سياسية هشّة، يكون للحوثيين اليد الطولى في صوغ ملامحها بدعم إيراني، لكنها لن تدوم على الأرجح.
2- الخيار الصومالي، حيث تتداخل خيارات التقسيم الفعلي على الأرض، مع شكل من أشكال الحرب الأهلية التي لا يتوقّع لها أن تكون شاملة.
3- الاحتمال الثالث، وهو ممارسة نوعٍ من الضغط الدولي – سياسياً واقتصادياً – على جميع المكونات السياسية والمجتمعية، لكي تلتزم مجدّداً عملية التحول السياسي السلمي في البلاد.