توقيت حديث نائب رئيس الجمهورية المصري السابق محمد البرادعي مع صحيفة “دي بريس” النمسوية، يشيء إلى كثير من الدلالات السياسية، التي تشهدها الساحة المصرية في المرحلة المقبلة.
توقيت حديث نائب رئيس الجمهورية المصري السابق محمد البرادعي مع صحيفة “دي بريس” النمسوية، يشير إلى كثير من الدلالات السياسية، التي تشهدها الساحة المصرية في المرحلة المقبلة.
أبرز تلك الدلالات:
عدم قدرة النظام القائم حاليا تحقيق الاستقرار السياسي في مصر، بآلياته التي يدير بها صراعه مع رافضي الانقلاب، والتي تتمحور حول القتل والقمع الأمني، والذي لم يتوقف منذ ما يويد عن عام ونصف.. وذلك بتأكيده عدم قدرة أي نظام من تجاوز التيار الإسلامي، الذي بات واقعا في المنظومة السياسية في كثير من مناطق العلم، ولكن البراداعي أومأ إلى أن خيار البرلمان هو الطريق الأنسب للاسلاميين، بوصفه أحد المعترضين والرافضين لتواجد الإسلاميين في منصب رئيس البلاد، لذا شارك في أحداث 3 يوليو 2013..
وأكد ترحيبه بالتجربة التنوسية التي آثرت العمل البرلماني عن الدخول في معترك الرئاسيات.
العالم الغربي بات رافضا لخيارات السيسي الداخلية، وذلك بعد تصاعد أحداث العنف في مصر بصورة كبيرة خلالل الأيام الثلاثة الماضية..
لذا جاءت التصريحات من الشخصية المقربة للغرب، في محاولة لتحسين صورته أمام قطاع كبير من المصريين بات منتقدا أداء الخبير الدولي، الذي يرى بعض المراقبون احتمال أن يكون البرادعي أحد الخيارات الانتقالية لتجاوز الأزمة المصرية، ومن ثم جاءت تصريحاته، والتي أساءت بقدر كبير إلى مكانته السياسية المحلية والعالمية، باعترافه بأنه جرى استخدامه “ستاراً”، بعد الانقلاب على الرئيس محمد مرسي، منتقدا المؤسسة العسكرية المصرية، متهماً إياها بالتمسك بامتيازات 60 عاما و”التلاعب بالموقف”.
الأمر الذي يمكن للمراقب السياسي أن يراه في اطار مغازلة الإسلاميين، الذين قد يكون لهم دور معتبر في المعادلة السياسية التي تبدو بعض ملامحها في الأفق السياسي، بعد اجتماعات لقيادات بالمجلس الثوري المصري والبرلمان المصري المنعقد باسطنبول، مع بعض الدوائر السياسية الأمريكية، الأسبوع الجاري، والتي قال عنها المستشار وليد شرابي -أمين عام المجلس الثوري المصري–في تدوينة، عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”: “الزيارة من وفدين، فعن المجلس الثوري المصري د. مها عزام والمستشار وليد شرابي، وعن البرلمان المصرى، د.جمال حشمت، و د. عبد الموجود الدرديري، نافيا أي تفاوض حول شرعية الرئيس محمد مرسي”، ما قد يفهم أنه طلب منهم التحاور حول مخرج من الأزمة الراهنة!
السعي باتجاه توحيد القوى الثورية، لمواجهة تضييقات وقمع االنظام القائم، وسط محاوف من خروج الأمور عن السيطرة ، وانجرار فئات من المجتمع نحو العنف، بقوله “الشباب الذي قاد الثورة في ميدان التحرير محبط للغاية، ويريدون الحرية والعدالة الاجتماعية وتحقيق المساواة وإنهاء الفساد وأن هناك قوانين قمعية وحظر للتظاهر وحبس لأسباب زائفة”.
وأكد أن “العالم العربي كان ولايزال يبحث عن الكرامة، ففي القرن الواحد والعشرين لا يمكن التسامح مع الأنظمة القمعية.. العالم تغير والجيل الصغير يريد الحرية، لذا فقد كان الأمر مسألة وقت حتى تسقط الأنظمة في تونس ومصر واليمن” مضيفًا أن الاستقرار لن يتحقق دون حرية أو كرامة، وما عدا ذلك هو استقرار زائف سرعان ما سينهار مرة أخرى.
وبدا في خطاب البرادعي المتبني لرؤى الغرب إزاء علاقة الدين بالدولة، رسالة هامة للتيار الاسلامي، الذي لم يحرر علاقة الدين بالدولة، والمستمرة منذ القرون الأولى، وذلك بقوله “الإسلاميون لديهم نظرتهم الخاصة، والسؤال الأهم هو حجم النفوذ الديني في الحكم، ففي 2012 كان هناك دستور ديني لحد بعيد رفضه 50% من المصريين على الأقل و كان من أسباب فشل مرسى لأنه ساهم في الاستقطاب”، مطالبا بشكل واضح – يراه البعض أنه شرط غربي لصياغة خارطة سياسية مستقبلية في مصر، أن تتفق على دور الدين في العملية السياسية.
يذكر أن تصريجات البرادعي جاءت ضمن سياق سياسي ضاغط على النظام القائم، من الحراك الثوري المتصاعد بقوة في ميادين مصر، منذ 25 يناير، وانتقادات الاتحاد الأوروبي لسياسات السيسي الأمنية والعنيفة التي أودت بحياة شباب سلمي، حيث أكدت الممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية للاتحاد، فريديريكا موغرينى، أن الحوار هو السبيل الوحيد للمضى قدما وإحراز التقدم المنشود في مصر.
بجانب وفاة أكبر داعم للسيسي ونظامه، الملك عبدالله ملك السعودية، وغموض الموقف السعودي من الوضع الحالي في مصر، وتخلي قطر عن المبادرة الخليجية، الأمر الذي يدلل عليه بعض المحللون بالتغطية المباشرة لقناة الجزيرة لفعاليات الموجة الثورية الحالية في مصر…
إضافة لزيارة وفد أمني أمريكي مكون من 6 عسكريين على رأسهم نائب قائد القيادة المركزية البحرية الأمريكية، اليوم، في إطار التشاور حول الوضع السياسي افي اليمن وانعكاساته على مصر، والني استبقتها الادارة الأمريكية بالتعبير عن غضبها أزاء العنف الدائر في مصر.
رافق تلك التطورات صرعات أجنحة أمنية ومخابراتية حول التعمل مع الشباب الثائر بالميادين، واعلان حركات ثورية مـ”6 ابريل تظاهرها بميدان المطرية، والذي يضم في غالبية متظاهريه المقربون من الاخوان المسلمين ورافضي الانقلاب على الرئيس مرسي، وبدا التضارب واضحا في الاداء السياسي والاعلامي المصري، تمثل في إعلان وقف حركة القطارات حتى آخر يناير، ومطالبة بعض وسائل الإعلام المقربة من الرئيس السيسي رئيس الوزراء ابراهيم محلب بإعطاء جميع موظفي الدولة إجازة حتى نهاية الشهر، مع احتمالات نزوح رافضي الانقلاب من الأقاليم والمحافظات إلى القاهرة واحتمال تنظيم اعتصام مفتوح، الأمر الذي رد عليه المتحدث العسكري بمطالبته وسائل الاعلام بالاستعداد وحشد مؤيدي السيسي لمواجهة حشود المعارضين السياسيين.
ومن ثم يمكن قراءة تصريحات البرادعي في اطار تململ الغرب من الأوضاع السياسية في مصر، والتي من المستحيل استمرارها في ظل اصرار ثوري على ستكمال المسار لنهايته، وتراجع أداء المنظمة المؤسسية في ظل انهيار أسعار الجنيه أمام الدولار، وتصاعد أزمات الطاقة، وتزايد نسب البطالة، وارتفاع أسعار السلع والخدمات، وأحاديث المسئوليين الحكوميين عن رفع الدعم عن مجمل الحياة المصرية، وما يحمل من تصاعد الغضب الشعبي…
لذا يرى المراقبون أن حديث البرادعي قد يكون طوق نجاة للسيسي ونظامه، بتوافق وطني قد يفرض من الغرب لدعم الاسنقرار في مصر، من خلال ترويكا تقبل بوجود كبير للاسلاميين في البرلمان مع تقليص لحجم التواجد العسكري في الحياة المدنية، وذلك ما قد تكشف عنه مجريات المسارات السياسية المتسارعة في مصر!