المالية العامة من المواد الدراسية الاقتصادية التي يتم تدريسها لتخصصات عديدة في المرحلة الجامعية، ومن بين هذه التخصصات دارسي القانون، حيث يتم التعرض بشكل كبير لتعريف الضريبة وكيفية فرضها أو إلغائها، وأهدافها، ودورها، وكيف يستفاد منها.
عبدالحافظ الصاوي
المالية العامة من المواد الدراسية الاقتصادية التي يتم تدريسها لتخصصات عديدة في المرحلة الجامعية، ومن بين هذه التخصصات دارسي القانون، حيث يتم التعرض بشكل كبير لتعريف الضريبة وكيفية فرضها أو إلغائها، وأهدافها، ودورها، وكيف يستفاد منها.
ولكن الغريب ما نقلته وسائل الإعلام لرئيس نادي قضاة مصر، المستشار أحمد الزند، بتصريح غريب لأحد الفضائيات بأنه سيتم فرض ضريبة للأمن على القادرين بواقع 20 جنيه كل شهر، بحيث الأسرة المكونة من 5 أفرد تدفع شهرياً 100 جنيه، ونص تصريحات الرجل كما أتى بالفيديو المنشور هي: “هنفرض ضريبة أمن على القادرين، 20 جنيه كل شهر عشان تحرس مالك وولادك وأنت وزوجتك يعني الخمسة يدفعوا 100 جنيه في الشهر الـ100 جنيه دول بتجيب بيهم إيه هي ديه فلوس”.
ومن المبادئ التي تدرس في المالية العامة أن الدولة في سبيل قيامها بأدوارها الرئيسة، ومن بينها تحقيق الدفاع الخارجي والأمن الداخلي، تستعيض بالقيام بذلك الدور بما يرد في خزانة الدولة من إيرادات عامة من بينها الضرائب.
حتى إن دراسي الاقتصاد يعلمون أن نشأة البرلمانات في الأصل أتت من أجل مراقبة الحكومة في صرف أموال الضرائب، وتجربة الدولة الحديثة بأوروبا، اعتمدت نظام الانتخابات في بداياته الأولى بحيث يكون قاصراً على دافعي الضرائب، ثم تم التوسع فيما بعد ليشمل باقي المواطنين.
فإذا كان القاضي أحمد الزند قد تناسى ما درسه في كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، فنحن نذكره بواقع الموازنة العامة للدولة في مصر، حيث تمثل الإيرادات الضريبية نسبة 66% من الإيرادات العامة، وأن عماد دافعي الضرائب هم من الفقراء.
سواء كانوا الموظفين الذين تخصم منهم ضريبة الرواتب من المنبع، أو الضرائب غير المباشرة، والتي من أهم مصادرها ضريبة المبيعات، حيث يدفع الفقراء ضريبة المبيعات على كافة استهلاكاتهم من السلع والخدمات ليتساوى في ذلك مع الأغنياء، وهذه من أكبر عيوب النظام الضريبي في مصر.
إن أثرياء مصر من أمثال الزند يمكنهم التهرب من الضرائب بسهولة، ولا أدل على ذلك من تواضع ضريبة المهن الحرة، التي تفرض على الأطباء والمهندسين والمحامين والمكاتب الاستشارية والفنانين ومن على شاكلتهم، فحسب بيانات الحساب الختامي للموازنة لسنوات عدة، لا تزيد هذه الضريبة عن 400 مليون جنيه مصري، في حين قدر مشروع موازنة العام المالي 2014/2015م الضريبة على المرتبات بنحو 22 مليار جنيه.
تدليل الشرطة
بعد ثورة 25 يناير تم زيادة مرتبات الشرطة بصورة تصل إلى 400%، وقد شهدت موازنة الشرطة خلال السنوات الماضية زيادات متتالية، بل الأدهى من ذلك، أن الشرطة لديها صناديق وحسابات خاصة لا تدخل في إطار الموازنة العامة للدولة.
وحسب بيانات موازنة عام 2014/2014م – المنشورة على موقع وزارة المالية المصرية – فإن مخصصات قطاع النظام العام وشؤون السلامة العامة، التي تتمثل في وزارة الداخلية، قد تم رفع مخصصاتها بنحو 7 مليارات جنيه، مقارنة بما كانت عليه في عام 2013/2014م، فبعد 32 مليار جنيه أصبحت 39 مليار جنيه.
وقد تمت هذه الزيادة التي تقدر نسبتها بنحو 22%، في الوقت الذي تم فيه تخفيض مخصصات الدعم بنحو 50 مليار جنيه، والذي تسبب في ارتفاع أسعار العديد من السلع والخدمات، بسبب تخفيض دعم الطاقة، فضلاً عن تخفيض دعم السلع الغذائية، ودعم الصعيد، ودعم الطفل وغير ذلك من مخصصات بند الدعم والحماية الاجتماعية.
ومن الثابت والمشهور أن وزارة الداخلية المصرية قد منعت الجهاز المركزي للمحاسبات – أعلى سلطة رقابية بمصر- من مراجعة حساباتها، وذلك بعد الانقلاب العسكري، وهو ما يعد مخالفة لجميع اللوائح والقوانين، ورغم جهر رئيس الجهاز المركزي بهذا الأمر وشكواه لرئيس الجمهورية الانقلابي، لم تفلح كل هذه الوسائل في فتح حسابات وزارة الداخلية لمراجعة حساباتها.
ولقد كان الزند قدوة غير صالحة لوزارة الداخلية في امتناعها عن فتح حساباتها لمراجعة الجهاز المركزي للحسابات، حيث امتنع عن مراجعة الجهاز لحسابات نادي القادة! وهذا سلوك يتنافى مع قواعد النزاهة والشفافية التي يجب أن يكون القضاة هم عنوناً لها.
وهناك العديد من الرسوم التي يتم تحصيلها لصالح وزارة الداخلية من مخالفات المرور والكهرباء ورسوم التراخيص، والأمن الصناعي وغير ذلك الكثير، وهذه الرسوم تدرج في حسابات الصناديق الخاصة لوزارة الداخلية التي لا يعرف عنها أحد شيئاً.
أو بعد ذلك يريد القاضي الزند أن يفرض ضريبة للأمن؟ وهل لوزارة الداخلية مصادر أخرى لتمويل موازنتها سوى الضرائب؟ لم يبق إلا العودة لضريبة الرؤوس، التي كانت تحصل على كل شخص يعيش على أرض الدولة.
إن المطالبة بفرض ضريبة جديدة على الشعب المصري في هذه الظروف التي يعاني فيها شظف العيش يعد نوعاً من عدم الإحساس بما يعانيه الناس من غلاء، واستغناء عن ضروريات حياتية بسبب ضعف الدخول، وارتفاع الأسعار بمعدلات فاقت ما يمكن تصوره.
غياب العلم بقواعد الموازنة
ومما يؤسف له أن تصريحات الزند تتنافي مع القواعد العامة المعروفة والمسلّم بها لعمل الموازنة العامة للدولة، ومن بينها “العمومية”؛ بمعنى أنه لا يجوز تخصيص إيراد معين لنفقة بعينها، فالأصل أن يتم جمع الإيرادات أو المتوقع تحصيلها، ثم توضع تحت يد صانع السياسة المالية، ومديري الموازنة ليوزعوا هذه الإيرادات على النفقات الواجبة.
والعبرة في المالية العامة، ليس زيادة الإنفاق أو نقصه، ولكن العبرة بالعائد على الإنفاق، ومما يؤسف له أنه على الرغم من الزيادات المتتالية في مخصصات وزارة الداخلية، سواء فيما يتعلق بالرواتب، أو التجهيزات ووسائل الدفاع الخاصة بالشرطة، يلاحظ غياب الأمن الاجتماعي، بسبب حالة الإلهاء في القمع السياسي، تجاه معارضي النظام الانقلابي بمصر.
وإعمالًا لقاعدة العائد على النفقة، من الواجبة محاسبة القائمين على الأمن في مصر، على انتشار المخدرات ورواجها بين الشباب، وكذلك شيوع ظاهرة البلطجة، وسرقة السيارات وغيرها من الجرائم التي انتشرت في المجتمع المصري مؤخراً بشكل كبير.
إن استقرار المجتمع المصري لن يتحقق في ظل التغاضي عن أخطاء وتجاوزات أحد المؤسسات، لكونها تبطش بيد القوة، أو لأنها وضعت في ذهنها أن مهمتها حماية النظام والجالس على كرسي الحكم، بل سيتحقق الأمن عندما يكون لدينا دولة سيادة القانون، الذي لا يفرق بين المواطنين على أساس من الجنس أو اللون أو العرق أو الدين أو الوضع الاجتماعي أو الانتماء السياسي.
غياب السلطة التشريعية
نظراً لغياب السلطة التشريعية في مصر، وافتقادنا لبرلمان حقيقي، الذي من أهم وظائفه الرقابة على أعمال الحكومة، وأنه يحمي المواطن من فرض أي ضرائب إلا إذا كان لها مردود على المجتمع، فمن الطبيعي أن تقترح ضرائب الأمن التي تحدث عنها الزند.
وأخيراً فالأمن مسؤولية دولة ودور مجتمع، وليس عملاً يهدف للربح، ولذلك فالأمن من الوظائف الاجتماعية، وليس من الوظائف الاقتصادية، وإذا ما تم الرهان على الجانب المادي وأهملت وظيفة الأمن باعتبارها من أهم متطلبات الدولة، فسينحدر المجتمع لهاوية الغابة.