أحمد الشلقامي
لا يعلم أحد حتى الآن ما سر هذا الرجل “سليمان شاه” الذي سيرت له “تركيا أردوغان” جيشها من أجل نقل رفاته، فالرجل تاريخه العسكري غير معروف، ونضاله ودولته أيضاً غير معروفين، هو فقط جد العثمانيين.
“سليمان شاه ابن قتلمش” جد السلطان “عثمان الأول بن أرطغرل”، مؤسس الدولة العثمانية، كتب المؤرخون أنه كان كبير قبيلته ذات التعداد الذي لم يتجاوز بضعة آلاف، عاش قائداً ورئيساً لتلك القبيلة حتى جاء المغول وأغاروا عليه؛ ففر هارباً باتجاه سورية وغرق في الطريق ليموت، هكذا انتهت قصة الرجل.
بعد سنوات وأجيال قام السلطان “سليم الأول” بفتح سورية بعد معركة “مرج دابق” التي وقعت قرب مدينة حلب السورية في عام 1516م ليقيم قبراً للرجل الذي لم يكن لجثته وجود، فقد غرق في النهر، لكن القبر بني ليكون رمزاً يليق بجد العثمانيين، وأصبح مزاراً أريد له أن يكون في سورية.
قبر “سليمان” في معاهدات رسمية
وقَّعت تركيا اتفاقية عام 1921م بموجبها أصبح قبر “سليمان شاه” وثيقة رسمية، وواجهة تركيا في الخارج، وجزء منها منصوص عليه باتفاقية بينها وبين فرنسا التي كانت منتدبة على سورية آنذاك؛ حيث تم الاتفاق على أن يبقى ضريح “سليمان شاه” تحت السيادة التركية، ويرفع عليه علم تركي، وقد كان موقعه في شمال سورية على ضفاف نهر الفرات قرب ريف حلب، يبعد عن حدود تركيا 30 كيلومتراً، وبالفعل أصبح القبر أشبه بقطعة من السفارة التركية؛ حيث تقيم عليه حامية تركية مكونة من عدد من الجنود يقيمون على حراسة الضريح.
في عام 1968م عندما تقرر بناء سد الفرات أصبح الضريح مهدداً بالغرق لارتفاع منسوب المياه؛ فأصرت تركيا في مفاوضات بناء السد على نقل الضريح إلى مكان آخر، وفي تأكيد على قيمته وأهميته للأتراك وتبجيلهم له، وبالفعل نقل القبر بما حاز عليه من صلاحيات الحامية التركية التي تحرسه حيث نقل إلى تلّة مرتفعة شمال تل “قره قوزاق”، وتم بناء جسر “قرة قوزاق” ليصل بين الجزيرة السورية بباقي الأراضي السورية المعروفة.
“داعش” أم رسالة من تركيا؟
لا ينكر أحد مسار العدالة والتنمية، وحرص “أردوغان” على تأكيد الهوية التركية، وإحياء روح الإمبراطورية العثمانية، ومد الجسور، وإعادة الأدوار، وإحياء تاريخ قديم، والتمسك بالإرث؛ حتى أصبح حرس الاستقبال بنكهة عثمانية بجانب إعادة اللغة العثمانية وغيرها من صور العودة للجذور والتمسك بتلك الهوية التي دفنها “أتاتورك” لسنوات وأجيال في قبور وأغلق عليها.
أصبح ضريح “سليمان شاه” رمزاً لتركيا، وهو الأرض الوحيدة لتركيا خارج حدودها، ومنذ اقتراب تنظيم “داعش” من الضريح، وما أثير عن سعي لهدمه كانت رسائل قادة تركيا قوية، حتى إن رئيس أركان الجيش الجنرال “نجدت أوزيل” خاطب حامية الضريح في نهاية 2014م قائلاً: “لا تنسوا أنكم لستم وحدكم، كونوا على يقين أن قواتنا المسلحة ستكون إلى جانبكم بمجرد أن تطلبوا منها ذلك”.
بل إن وزير الدفاع “عصمت يلماظ” صرح بعد أن صوّت البرلمان التركي في أكتوبر العام الماضي لصالح تفويض الجيش بإجراء عمليات عسكرية ضد مسلحي “تنظيم الدولة” بسوريا والعراق، قائلاً: “إن تقدم تنظيم “داعش” باتجاه “سليمان شاه” يشكل خطراً على أمننا القومي، وواجبنا الأول هو الدفاع عنه، وتأكدوا أننا لن نتردد لحظة في القيام بكل ما يلزم لحمايته”.
هكذا هو وضع قبر “سليمان شاه” الذي حركت له تركيا الجيش لتعيده وحاميته 40 جندياً تركيا فجر 21 فبراير، في عملية شاركت فيها مائة عربة عسكرية منها 39 دبابة و572 جندياً، لتقول حكومة العدالة والتنمية وزعيمها “أردوغان”: تركيا لن تفرط حتى في رمزية مؤسسيها، وستعيد مجد الآباء، وستحيي في العقول رموز تلك الإمبراطورية، وستجعل من التركي محترماً حياً وميتاً.