د. إميل الشاوي
إن حجم التغييرات والتحديات والاستقطابات التي تواجه المنطقة لا تخفى على متتبع من حيث جسامتها وضخامتها وخطرها وعظيم أثرها على المدى القريب والبعيد.
وإن المواجهات والحروب الدائرة في المنطقة تلقي بظلالها على المستويات السياسية والاجتماعية والنفسية، في الوقت ذاته تبرز الحاجة المهمة والملحة للارتقاء بالتوجيه والخطاب الجماهيري لترتقي وتوازي حجم تلك التحديات والأخطار من أجل ضبط البوصلة واستخدام البعد الاجتماعي الجماهيري كبعد آخر يضاف للأبعاد السياسية والعسكرية والاقتصادية والإعلامية، إن ما هو مطلوب ليس مجرد تغطية إعلامية أو ردود أفعال وعرض للوقائع العامة.
الخطاب الإعلامي والجماهيري الحالي لا يتعد التسويق والدعاية المجردة البعيدة عن البناء والتوجيه والتعبئة التي تولد الجمهور المتفاعل المشارك والمساهم في ترشيد التغييرات، والوقوف في وجه المخططات التي تحاول أطراف إقليمية ودولية إحداثها في تركيبة دول المنطقة.
علماء النفس والاجتماع يؤكدون أنه “ليست الوقائع بحد ذاتها هي التي تؤثر على المخيلة الشعبية، وإنما الطريقة التي تعرض بها هذه الوقائع، وينبغي على هذه الأحداث عن طريق التكثيف أن تولد صورة مؤثرة وأخاذة تملأ الروح كالهوس”.
لذا تكمن الحاجة الضرورية إلى صناعة الجمهور الإيجابي، إيجاد المجتمع الإيجابي لا المجتمع أو الجمهور المتفرج، الحاجة تكمن في نقل الجمهور من حالة التلقي السلبي التام إلى حالة التفاعل البناء عبر المشاركة في صناعة الحدث والتأثير فيه بصيغ مختلفة.
من الناحية العلمية، فإن وجود المشروع المجتمعي الكبير يعزز المفاهيم الإيجابية، ويقلل بشكل كبير من الآفات والأمراض الاجتماعية التي تنخر النسيج الاجتماعي؛ حيث إن أهل الخبرة والدراية يقولون: “إذا فرغ الكوب من الماء ملأه الهواء”!
وكذلك تماماً هي عقولنا وتفكيرنا؛ فإذا تم إفراغها من الأفكار الإيجابية فستملؤها الأفكار السلبية؛ لأن النفس والتفكير والعقل كالرحى أو الطاحونة التي لابد لها من أن تدور فتطحن ما موجود بداخلها، وكذلك النفس البشرية أنها تعمل وتدور وتفكر وتستنتج في كل الأحول وفي كل الظروف والوقائع؛ ومن ثم تنتج بحسب ما يدخلها من مدخلات وأفكار؛ وبالتالي فإن ذلك يورث سلوكاً ومشاعر وتصورات وقناعات طبقاً لما يدور من أفكار في الذوات والعقول.
إن صناعة الجمهور المشارك الإيجابي التعبوي لا تتم بين ليلة وضحاها، إنما تتم عبر طرق وأساليب علمية وخطوات مدروسة توحد الجهود الجماهيرية نحو مشروع وهدف إستراتيجي وحلم كبير وطموح عالٍ يعيش معه الصغير والكبير، القائد والعامل، الرجل والمرأة على حد سواء، يسري بين أطياف المجتمع كما تسري الدماء في الشرايين.
إن هذه الصناعة تحتاج إلى برامج ومشاريع تنموية إستراتيجية في مجالات رئيسة عدة، أبرزها التعليم والإعلام المجتمعي والصحة النفسية الإيجابية والاقتصاد الشامل، وأن تكون هذه المجالات تصب في مسلك واحد وهو خدمة الهدف الإستراتيجي والحلم الكبير الذي تسعى الدول لتحقيقه.
صحيح أنه لا يمكن توحيد الجماهير بمجموعها على هدف وحلم واحد؛ لأن الاختلاف سُنة كونية ماضية، لكن تحقيق ميزان الكتلة الحرجة – وهي الكتلة اللازم وجودها لتحقيق الهدف المطلوب – هي ما ينشده أصحاب التغيير والتأثير، وكلما ازداد العدد ضمن الكتلة الحرجة ازدادت الاحتمالية في تحقيق النتائج المرغوب فيها، حيث يؤكد علماء الإحصاء أنه حينما تتجمع أعداد غفيرة ستزداد احتمالات الحصول الفعلي للأحداث زيادة بالغة.
وأخيراً لا بد من اعتماد مبدأ الأمن المتكامل، ويشمل الأمن الاجتماعي والأمن النفسي والأمن الفكري والأمن السلوكي للأفراد والمجتمعات الصغيرة (الوحدات السكانية المتجانسة)، والعمل على بناء جيل واعد من الشباب المتفاني تتمثل فيه منظومة القيم والمبادئ والثوابت، ذي مهارات وفنون تتصف بالإيجابية والمرونة وروح الإبداع والتحدي، يحمل الاعتداد والثقة بالنفس وصورة ذاتية عالية الجودة عن الشباب المسلم يمثل الركيزة الأساسية في نجاح المشروع.