المؤلف في سطور:
– عبدالعزيز بن مرزوق الطَريفي، ولد في 7 ذو الحجة 1396هـ.
– أحد علماء المملكة العربية السعودية، تخرج في كلية الشريعة من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بمدينة الرياض.
– تتلمذ على يد ثلة مباركة من شيوخ المملكة، منهم الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز يرحمه الله، والشيخ العلامة الفقيه شيخ الحنابلة عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل، والشيخ عبدالرحمن بن ناصر البراك، والشيخ عبدالكريم بن عبدالله الخضير، وغيرهم الكثير.
للمؤلف عدة مؤلفات كثيرة، منها:
– زوائد سنن أبي داود على الصحيحين، والكلام على علل بعض حديثه.
– الإعـلام بشرح نواقض الإسلام.
– العلماء والميثاق.
– الغناء في الميزان.
– المعتزلة في القديم والحديث.
– أسانيد التفسير.
– الأربعون النووية المسندة والتعليق على المعلول منها (مذكرة).
– اضطراب الزمان.
– الاختلاط.. تحرير وتقرير وتعقيب، وقد كان هذا الكتاب الأكثر مبيعاً في معرض الرياض الدولي للكتاب لعام 1431هـ / 2010م، فقد بيع منه أكثر من 7000 نسخة.
هذا الكتاب
قرر الشيخ الطريفي في هذا الكتاب صغير الحجم كبير المعنى والمبنى أن الكلام في مسألة الاختلاط يستوجب تجرد النظر؛ لأنه متى تجاذب الكاتب والقارئ أهداب الحكمة، وتنازعا أسبابها، كان لهما مقال ومجال، ودعا المؤلف القارئ أن يتأمل الأفكار التي سيطرحها في كتابه، ويتدرج في نظره بإنصاف، مبتغياً الحق وباحثاً عنه، ولم يجهد المؤلف قلمه وفكره في حشد النصوص والأدلة لتأييد وجهة نظر معينة في مسألة الاختلاط بقدر ما عرض لفكرته ووجهة نظره بتدرج ويسر، مخاطباً المنصف الذي لا يبالى أن يفوته ما يحبه لنفسه بحق، ومقرراً أن غير المنصف لن يفلح معه أي بيان ولو انقلبت العصا حية، وخرجت اليد البيضاء، فمتى قال الإنسان لحكم الله: كيف؟! ولم؟! وكله الله إلى نفسه.
أقسام الكتاب
لم ينسج المؤلف كتابه على نمط الكتب والتصانيف القديمة والتي تقسم إلى فصول وأبواب ومباحث ومسائل وتفريعات، بل صاغ كتابه في مجموعة نبذات متدرجة حتى لا يقطع على القارئ تواصله معه، ولا يشغله ويرهق ذهنه بصوارف التقسيمات والتفريعات، وجاءت عناوين الكتاب كما يلي:
تحرير، احتراز، المخاطبون، الصوارف عن الصواب، التجرد، مخالفة القول الفعل، حقيقة الاختلاط، الاختلاط والفطرة والشرائع، مصطلح الاختلاط، الإجماع، الأئمة الأربعة، الاختلاط في السُّنة، الاختلاط والعلماء عبر القرون، تناسخ الجهل، الجهل بالناسخ والمنسوخ، التدليل بنص منسوخ، عكس الشريعة، ما يذكره البعض، وهو قبل النسخ، وقائع قبل التشريع، الاختلاط بالقواعد، الاستدلال بأحاديث الإماء، جهاد النساء، الدخول في البيوت، وصفة بيوت الصحابة، الصلاة في المسجد، خصوصية النبي “صلى الله عليه وسلم”، الطواف عند الكعبة، التعليم، الأسواق، الاختلاط والخلوة، دعوى خصوصية أمهات المؤمنين، الاستدلال بقصص التاريخ والأدب، تطبيع الاختلاط، طبقات الناس مع العلم والعمل.
حقيقة الاختلاط
يرى المؤلف أن الذين يوردون الاختلاط، ويكتبون عنه لا يريدون تجويز خروج النساء للأسواق والطواف في حرم الله، وشهود الجماعات خلف الرجال، وإنما يريدون التعميم حينما يئسوا من نقض الأدلة المانعة من الاختلاط الدائم، فأخذوا بالعموميات دون حكمها وعللها، وأعرضوا عن تخصيصاتها.
الاختلاط والفطرة
يقول الشيخ الطريفي: إن الأصل الذي خلق الله البشرية عليه، وأوجد آدم وحواء مفطورين عليه؛ أن الرجل يتكسب ويعمل، والمرأة في قرارها ترعى شأنها وشأن زوجها وبيتها وذريتها، والله حينما جعل آدم وحواء في الجنة لم يكن فيها نصب ولا شقاء، وابتلى الله آدم وحواء بإبليس، وحذر آدم، فقال: {فَقُلْنَا يَا آَدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى “117”} (طه)، قال: «يُخْرِجَنَّكُمَا»؛ أي: تخرجان جميعاً، ولكن «تشقى» أنت وحدك؛ لأنك أنت الذي تتكسب وتعمل وتكدح، وتنفق على زوجتك، وقد كنت مكفياً قبل ذلك في الجنة، وهذا مع أن آدم وحواء وحدهما في الأرض لا توجد بشرية معهما، فلا خوف من الاختلاط، ولكن فطرة الله التي ركب عليها الرجل والمرأة في تقاسم أعمال الحياة.
الشرائع السابقة
ويقول الشيخ الطريفي أن الاختلاط تعرف خطره الفطرة البشرية الصحيحة غير المبدلة، والشرائع السماوية قبل رسالة الإسلام، فامرأة عمران أم مريم بنت عمران كانت عجوزاً عاقراً لا تلد، فجعلت تغبط النساء على أولادهن، فقالت: اللهم إن عليَّ نذراً إن رزقتني ولداً أن أتصدق به، فيكون من سدنة المسجد وخدامه، عابداً، متفرغاً لذلك؛ ﴿إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ “35”} (آل عمران)، لكنها رزقت بنتاً؛ { فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ } (آل عمران:36)، اعتذرت عن يمينها لربها: { قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ }، والأنثى لا تصلح لذلك؛ فالتفرغ للمساجد والتعبد فيها من خصائص الرجال، والأنثى لا تختلط بهم؛ فأبطل الله نذرها لهذا السبب.
روى ابن أبي حاتم في تفسيره، وابن جرير أيضاً، عن ابن جريج، أخبرني القاسم بن أبي بزة؛ أن عكرمة قال: فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ }؛ قالت: ليس في الكنيسة إلا الرجل؛ فلا ينبغي لامرأة أن تكون مع الرجال؛ أمها تقوله، فذلك الذي منعها من أن تجعلها في الكنيسة، وينفذ نذرها بنذرها لخدمة الكنيسة.
قال الجصاص في «أحكام القرآن»(1): وإنما كره ذلك للمرأة في المسجد؛ لأنها تصير لابثة مع الرجال في المسجد، وذلك مكروه لها، سواء كانت معتكفة أو غير معتكفة، وهكذا كانت شريعة بني إسرائيل في النساء، حتى في مواضع الصلاة يتمايزن مكاناً عن الرجال، فلما تمادين، منعن من حضور الصلاة مع الرجال، روي عبدالرزاق في «مصنفه»(2)، بسند صحيح، عن عائشة، قالت: «كان نساء بني إسرائيل يتخذن أرجلاً من خشب يتشرفن للرجال في المساجد؛ فحرم الله عليهن المساجد».
الإجماع
وقال الحافظ أبو بكر محمد بن عبدالله العامري وهو من علماء القرن السادس في كتابه «أحكام النظر»(3): «اتفق علماء الأمة أن من اعتقد هذه المحظورات، وإباحة امتزاج الرجال بالنساء الأجانب؛ فقد كفر، واستحق القتل بردته، وإن اعتقد تحريمه وفعله وأقر عليه ورضي به، فقد فسق؛ لا يُسمع له قول، ولا تُقبل له شهادة» انتهى.
الأئمة الأربعة
ويسوق المؤلف جملة من أقوال الأئمة الأربعة بشأن الاختلاط فيقول: والأئمة الأربعة نصوصهم كثيرة في التحذير منه والأمر بتوقيه:
قال الإمام مالك بن أنس “رضي الله عنه” : «أرى للإمام أن يتقدم إلى الصناع في قعود النساء إليهم، وأرى ألا تترك المرأة الشابة تجلس إلى الصناع، فأما المرأة المتجادلة، والخادم الدون، التي لا تتهم على القعود، ولا يتهم من تقعد عنده؛ فإني لا أرى بذلك بأسا»(4) انتهى.
ومالك يرخص في المرأة القاعدة الكبيرة، ويشدد فيمن دونها، وربما وقف بعضهم على بعض النصوص عنه في مؤاكلة المرأة؛ كما في «الموطأ»، فيحملون قوله ذلك على كل امرأة؛ وهذا خطأ فاحش؛ فمالك في «الموطأ» نفسه (5) يكره سلام الرجال على المرأة الشابة؛ فكيف بمؤاكلتها؟! لأنه يفرق بين المرأة القاعد وغيرها.
وقال الخلال في «جامعه»: سُئل أحمد عن رجل يَجِدُ امرأة مع رجل، قال: «صِحْ به».
والشافعي يقول في النساء الجماعات وهن في الطرقات وأمام الناس، وليس الواحدة مع الواحد: «إن خرجوا متميزين – يعنى في الطرقات لقضاء الحوائج، وشهود الصلوات – لم أمنعهن، وكلهم كره خروج النساء الشابات إلى الاستسقاء، ورخصوا في خروج العجائز»(6).
وقال الشافعي أيضاً كما في «مختصر المزني»: «ولا يثبت – يعني الإمام – ساعة يسلم إلا أن يكون معه نساء، فيثبت لينصرفن قبل الرجال»، قال الماوردي الشافعي في «الحاوي الكبير»(7): «إن كان معه رجال ونساء في الصلاة، وثب؛ لئلا يخالط الرجال بالنساء»، وقد منع أبو حنيفة المرأة الشابة من شهود الصلوات الخمس، وذلك في زمن القرون المفضلة زمن الصلاح والتقى(8).
الاختلاط في السُّنة
وساق المؤلف الكثير من الأدلة في السُّنة والتي تبلغ حد التواتر في المعنى لبيان خطر الاختلاط والتحذير منه ومن ذلك: ما رواه البخاري(9)، عن ابن جريج؛ قال: قلت لعطاء بن أبي رباح: كيف يخالطن الرجال؟ قال: «لم يكن يخالطن؛ كانت عائشة رضي الله عنها تطوف حَجرة من الرجال، لا تخالطهم».
ومن ذلك: ما روى أبو داود في «سننه»(10)، عن أبي أسيد الأنصاري؛ أنه سمع رسول الله “صلى الله عليه وسلم” يقول، وهو خارج المسجد، فاختلط الرجال مع النساء في الطريق، فقال رسول الله “صلى الله عليه وسلم” للنساء: «استأخرن، فإنه ليس لَكُنّ أن تحقُقنَ الطريق»؛ أي: ليس لكن أن تسرن وسطها، «عليكن بحافات الطريق»، فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به.
ومن ذلك: ما أخرجه البخاري(11)، ومسلم(12)، عن عقبة بن عامر؛ أنه “صلى الله عليه وسلم” قال: «إياكم والدخول على النساء»، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفريت الحمو؟ قال: «الحَموَ الموتُ».
وساق المؤلف من الأدلة والمرويات عبر القرون ما يحرم الاختلاط بين النساء والرجال، ورد بالأدلة كذلك على من يورد نصوص الاختلاط قبل تمام الشريعة، وفي الناس بقايا جاهلية تستوجب الانتظار، ومن ذلك الاستدلال بما جاء عن عائشة في «الصحيحين» في خروج سودة لحاجتها ليلاً، فقال بعضهم معلقاً وفيه الإذن لنساء النبي بالخروج لحاجتهن، وغيرهن في ذلك من باب أولى. انتهى.
فيقول الشيخ الطريفي: الخروج للحاجات لا ينكره أحد، ثم إن هذا جاء في رواية البخاري صريحاً أنه كان قبل الحجاب، ففي البخاري(13): كان عمر يقول للنبي “صلى الله عليه وسلم”: احجب نساءك، فلم يكن رسول الله “صلى الله عليه وسلم” يفعل، فخرجت سودة بنت زمعة، زوج النبي “صلى الله عليه وسلم”، ليلة من الليالي عشاء، وكانت امرأة طويلة، فناداها عمر: ألا قد عرفناك يا سودة؛ حضاً على أن ينزل الحجاب؛ فأنزل الله آية الحجاب.
وختم المؤلف كتابه بعنوان طريف في بيان طبقات الناس في تلقي العلم، فهناك الطبقة العالية، وهنا الطبقة السافلة، وهناك الطبقة المتوسطة، مذكراً من يتفوه بمخالفة الحق بتقوى الله، ويوم العرض عليه، ومحذراً إياه بأعظم ما يفسد على العبد كما في الخبر عنه “صلى الله عليه وسلم”: «ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه»(14).
الهوامش
(1) أحكام القرآن (1/304).
(2) مصنف عبدالرزاق (3/149).
(3) أحكام النظر، ص287.
(4) البيان والتحصيل (9/335).
(5) قال يحيي: سئل مالك هل يسلم على المرأة؟ فقال: أما المتجادلة فلا أكره ذلك، وأما الشابة فلا أحب ذلك، الموطأ(2/259).
(6) مختصر المزني، ص33.
(7) المرجع السابق، ص15.
(8) الحاوي الكبير(2/343).
(9) صحيح البخاري (1539).
(10) سنن أبي دواد (5272).
(11) صحيح البخاري (5232).
(12) صحيح مسلم (2172).
(13) صحيح البخاري (6240).
(14) أخرجه أحمد (3/456، 460) والترمذي (2376)، وصححه ابن حبان (3228).