منذ أن بدأت «عاصفة الحزم» في 26/3/2015م وتداعيات الحرب تزداد عمقاً وتعقيداً، وبالرغم من أن «عاصفة الحزم» كان من أهم أهدافها دفع الحوثيين وحليفهم علي عبدالله صالح إلى طاولة المفاوضات، فإن تفاصيل الرؤية السياسية لهذه العملية لم تتضح بعد، ولم تبدأ أي خطوة نحو حل سياسي مرتقب.
ومن المهم أن يصاحب الفعل العسكري تشكيل رؤية سياسية متكاملة إلى ما ستؤول إليه الأمور في نهاية «عاصفة الحزم» والتي أعلن عن إيقافها لتبدأ عملية «إعادة الأمل»، وإن أهم ما يجب أن تحظى به هذه العملية هو الأمل الحقيقي في استقرار اليمن، والاتجاه نحو تأكيد وحدته وتنميته وعدم تركه وحيداً بعد هذا الاحتراب وانتشاله من آثار تلك العاصفة، ليعيد ترتيب بيته الداخلي، ويداوي جراحه، ويطفئ نار الفتنة فيه.
ولأن الواقع يؤكد أن الأطراف المحلية الأقوى ستعود لتمارس لعبتها من جديد في الاستحواذ على السلطة والثروة والتفرد والإقصاء ما لم يتحقق سلام اجتماعي وعقد جديد بين مكونات الشعب اليمني، يكون محمياً بقوة نافذة، وهذا لن يكون إلا برؤية خليجية متكاملة تجاه اليمن، ليستكمل اليمن عودته إلى حالته الطبيعية؛ إذ إن الدول الخليجية اتضح لها تماماً وبدون مواربة أنها في حاجة إستراتيجية للجغرافية السياسية لليمن «جيوبولتيك اليمن»، ووفق نظريات «ماكندر»، فإنه كلما زادت «الجيوبولتيك» الخاص بمنظومة سياسية؛ فإنه تلقائياً ستزداد قوته الإستراتيجية.
فمنظومة مجلس التعاون الخليجي تعاني خللاً سكانياً، وفقداناً لإمكانيات السيطرة على بحر العرب والبحر الأحمر، وتدخلات إقليمية من قوى إقليمية ودولية في محيطها الإستراتيجي؛ وهذا ما يستدعي أن تفكر به الدول الخليجية وخصوصاً المشاركة في «عاصفة الحزم».. إن نهاية «عاصفة الحزم» يجب أن تؤدي إلى انتقال اليمن لينضم كمكون أساسي في مجلس التعاون الخليجي، ويتطلب من دول الخليج المساهمة في ترتيب البيت اليمني؛ ليكون في الاتجاه الصحيح الذي يؤهله ليكون عضواً في مجلس التعاون الخليجي.
فاليمن بتاريخه العميق ومكوناته البشرية كان خزاناً بشرياً للأمة العربية، وساهم في الحضارة الإسلامية وفتوحاتها منذ القدم، وهو بجذوره وأصوله ممتد ومنتشر في الدول العربية من خليجها إلى محيطها، فنسقه الاجتماعي وهويته العربية والإسلامية كفيلة بتكيفه مع الطبيعة الديمجرافية للشعوب الخليجية، ويشكل الخزان البشري لليمن ما يقارب 24772000 نسمة، وفق آخر إحصاء تم إجراؤه، هذا الخزان البشري يعادل تقريباً الكم الديمجرافي لدول الخليج، وهو كم بشري اجتماعي ذو نسق واحد تشكل فيه الأغلبية من الشوافع السُّنة مع الأقلية من الزيدية هوية واحدة منسجمة ومتسقة تتناسب والهوية الثقافية والاجتماعية لشعوب دول الخليج.
ونظراً للاختلال السكاني في دول الخليج من حيث حجم العمالة الوافدة ودورها الواضح في التأثير على البنية الاجتماعية والاقتصادية لدول الخليج، فإنه سيتسنى لدول المنطقة الاستفادة من الاعتماد على الكفاءات من العمالة والتخصصات، وخصوصاً في تعزيز الجيش الخليجي بالقوة البشرية اليمنية.
وثانياً: فإن اليمن يتمتع بموقع إستراتيجي مهم؛ فهو اللاعب الأساسي في ثالث أهم معبر مائي في العالم؛ وهو مضيق باب المندب الذي تمر فيه ما يقارب 10% من التجارة العالمية، إذا أضفنا أن الجزر المنتشرة في البحر الأحمر وبحر العرب تصلح كقواعد بحرية مهمة.
أضف إلى أن الطبيعة الجبلية لليمن تؤهله ليكون درعاً طبيعية مهمة لأي مشروع إستراتيجي حيوي في المنطقة، وفي المقابل فإن اليمن يمكن أن يكون حديقة خلفية زراعية لدول الخليج وللإنتاج الزراعي والحيواني إذا ما خطط تخطيطاً واعياً وسليماً، عدا أن اليمن يقع على بيئتين بحريتين مهمتين؛ بما يضيف آفاقاً من الاستثمار في الثروة السمكية، خصوصاً مع توافر العمالة اليمنية المدربة؛ بما يصنع نهضة صناعية وزراعية وسمكية مستقبلاً.
لذا، فإن الحدود الحقيقية لدول الخليج ستمتد إلى البحر الأحمر جنوباً وبحر العرب بدخول اليمن في منظومة مجلس التعاون الخليجي، وبما يعطي لدول الخليج الحق في التفاهم مع اليمن في حرية الملاحة في النطاق الإقليمي المحيط بها، ويؤسس الشرعية الدولية في الموقع الإقليمي لها، بما يضعف ويقلل من التدخلات الإقليمية والدولية، باعتبار أن اليمن قد أصبح جزءاً لا يتجزأ من منظومة دول الخليج واتفاقياتها، لذا فإن قوة الردع الإقليمي وامتداد مساحة الأمن الإقليمي لدول الخليج ستزداد أهمية، ويرتفع رصيدها بما يحقق مزيداً من الاتساع الإستراتيجي للأمن الخليجي، بحيث لا يتم محاصرة دول الخليج بحراً من هاتين الجهتين الحيويتين، وكذلك يعتبر منفذاً طبيعياً لاستمرار حركة التجارة الخليجية والعالمية، والحفاظ على سيطرة دول الخليج على مسارات نقل الطاقة أيضاً، وهي الصادرات الحقيقية للاقتصاد الخليجي.
وعليه، فإن الرؤية السياسية التي يتصور أنها قد بُدِئ بالبناء عليها هي في استكمال إجراءات دخول اليمن كعضو كامل العضوية بمجلس التعاون الخليجي.
حيث لم يوافق في البداية بانضمام اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي؛ بحجة أنه لا يزال تحت السيطرة الشيوعية، وبُعيد عام 1989م التحق اليمن بما يسمى مجلس التعاون العربي الذي أيد الغزو العراقي للكويت في الثاني من أغسطس 1990م، ومع تفكك هذا المجلس ألح اليمن على الانضمام لمجلس التعاون الخليجي، ولكن لم يوافق على طلبه في عام 1996م، وفي القمة الخليجية المنعقدة في 30 ديسمبر 2001م وافق المجلس على انضمام اليمن لبعض مؤسسات مجلس التعاون؛ كمجلس وزراء الصحة والعمل، وفي مكتب التربية والتعليم، ومنظمة الخليج للاستثمارات الصناعية لدول مجلس التعاون الخليجي، والنشاطات الرياضية، وفي قمة أبو ظبي المنعقدة في ديسمبر 2005م اتُخذ قرار إستراتيجي بإعداد اليمن للاندماج في مجلس التعاون بحلول عام 2015م، وتضمن القرار دعم المشروعات التنموية والبنى التحتية في الجمهورية اليمنية، وبناءً على مقررات تلك القمة تم عقد لقاء وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي واليمن في مارس 2006م بمقر الأمانة العامة للمجلس، واتفقوا على تنفيذ برنامج عملي يسير بشكل منظم ومبرمج لتنسيق الجهود على مستوى الحكومات والقطاع الخاص في كل من اليمن ودول المجلس، بدءاً من تشكيل فريق فني من الطرفين بمن فيهم مسؤولو الصناديق بدول مجلس التعاون الخليجي؛ بهدف دراسة الاحتياجات التمويلية للاقتصاد اليمني، وإقرار مشروعات الخطة الخمسية الثالثة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية عام 2006 – 2010م، والإعداد لعقد مؤتمر دولي للمانحين برعاية الأمانة العامة لمجلس التعاون الدول الخليج العربية في منتصف نوفمبر 2006م؛ مما يعني إمكانية دخول اليمن كلياً ولو في المستقبل البعيد وفق خطوات ثابتة ومدروسة بدقة، طبقاً للظروف والمتغيرات الإقليمية والدولية.
وعليه، فإن الرؤية السياسية لـ»عاصفة الحزم» وإعادة الأمل يجب أن تتكامل بما يلي:
1- الحل السياسي، بالتقدم بمبادرة جديدة تتكئ على الحوار الذي أنجز بعد اتفاق «المبادرة الخليجية» التي انقلب عليها الحوثيون، وعلي عبدالله صالح.
2- إعادة ترتيب البيت اليمني الداخلي بفترة انتقالية يشرف عليها مجلس التعاون الخليجي.
3- برنامج إغاثي تنموي يغطي كافة مناطق اليمن.
4- مشروع إعادة إعمار اليمن لمدة عشر سنوات وفق رؤية تكاملية في إعادة بناء البنية التحتية والإستراتيجية السكانية والتنموية.
5- إنشاء صندوق استثماري لدول الخليج مع اليمن.
6- إنشاء هيئة إشراف على صندوق إعادة إعمار اليمن تقوم بالإشراف المباشر على مشروع إعادة الإعمار بالتنسيق مع الحكومة اليمنية الوطنية.
7- إنشاء شبكة نقل برية وجوية داخل اليمن تربطها بدول الخليج.