عبدالحافظ الصاوي
وجه الانقلابي عبد الفتاح السيسي حديثاً للشعب المصري يوم الإثنين 12 مايو الحالي، يتضمن الإشارة إلى مجموعة من الأمور الاقتصادية، مع الإلمام بموضوعات قليلة أخرى، منها حديثه عن الإرهاب والأمن الإقليمي.
إلا أن حديث السيسي عن الأوضاع الاقتصادية، يكتسب أهمية خاصة؛ بسبب أن المصري يمر بأوضاع اقتصادية صعبة تتمثل في موجات ارتفاع الأسعار المتتالية، وتراجع مستوى الخدمات العامة، من الكهرباء والماء ووسائل الانتقال، وبخاصة تلك التي يستخدمها الفقراء في الانتقال بين المحافظات، والتي تعتبر القطارات أهمها.
وبعد انقلاب 3 يوليو 2013م، وعد المصريون بحزمة من الإصلاحات الاقتصادية، تصوروا أنها ستخرجهم من أزمتهم الاقتصادية، كان أبرزها تطبيق الحدين الأدنى والأقصى للأجور.
إلا أن تطبيق الحد الأدنى أتى في شكل علاوة، كما شهد تشوهات في تطبيقه، كما أن الحد الأعلى أهدرته الاستثناءات، فضلاً عن تصريحات وزير المالية بإمكانية الطعن عليه دستورياً، وكانت الممارسات الاقتصادية من قبل الحكومة ماحية لأي آثار إيجابية لتطبيق الحد الأدنى للأجور للعاملين بالحكومة، بعد الموجات التضخمية التي التهمت الزيادات التي تحققت مع تطبيق علاوات الحد الأدنى، وتمنى العاملون لو أنهم ظلوا على مرتباتهم المتدنية، على أن تعود معدلات التضخم إلى الوراء كما كانت من قبل.
حديث السيسي الأخير، تناول الإشارة إلى تحقيق بعض الإنجازات الاقتصادية، سواء مع حلول أغسطس القادم، أو مع نهاية العام الحالي، وفيما يلي نتناول بالتحليل هذه الموضوعات لنرصد مدى تحقيقيها والـتأثير الذي يمكن أن تحدثه في مستوى معيشة المصريين.
أعباء قناة السويس
المفترض أن يتم افتتاح توسعة قناة السويس في 6 أغسطس القادم، لتسمح بمرور سفن أكثر مما هو مسموح به الآن من حيث العدد والحجم، والمفترض أن تزيد إيرادات قناة السويس، ولم يبين حديث السيسي كيفية مساهمة هذه الخطوة في سداد الأعباء المالية التي تكبدتها هيئة قناة السويس لتنفيذ هذه التوسعة، حيث تمت زيادة الديون بنحو 60 مليار جنيه مصري تم اقتراضها عبر الاكتتاب العام، إضافة إلى الفوائد السنوية لهذا المبلغ والتي تصل إلى 7.2 مليار جنيه مصري بواقع فائدة سنوية نسبتها 12%.
كان المنتظر أن يتم تقديم نتائج لدراسة الواقع، وقدرة القناة على سداد الالتزامات المالية، بما يخفف من وطأة الدين العام الذي يتزايد يوماً بعد يوم، فضلاً عما ستمثله هذه الخطوة من زيادة منتظرة في عوائد القناة، كما لم يشر خطاب السيسي إلى تفنيد الاتهامات الموجهة للمشروع وما سيترتب عليه من مضار بيئية وفنية.
النفط ونتائج مبهمة
مشروعات النفط التي ذكرها السيسي لا تعطي انطباعاً بوجود حل لما تتعرض له مصر من نقص في الإمدادات النفطية، وبخاصة في ظل استمرار زيادة معدلات استهلاك مصر بنحو 3% سنوياً، وكذلك حدوث خلل في ميزان مصر النفطي، حيث تحولت مصر من دولة مصدرة للنفط إلى دولة مستوردة بالنفط بنهاية عام 2008م، ويصل العجز في الميزان النفطي لنحو مليار دولار بنهاية عام 2014م، على الرغم من تخفيض دعم الطاقة، وحصول مصر على شحنات مجانية وأخرى مدعومة على مدار العام المالي 2013/2014م.
لم يتناول حديث السيسي عن معدلات إنجاز في مجال النفط، فالحديث عن حجم الاستثمارات، وأنها ستصل إلى نحو 30 مليار دولار، لا يعني الوفاء باحتياجات مصر النفطية، ولا مدى انتظام إمداد مصر باحتياجاتها من الطاقة، ولا تأثير ذلك على تكلفة الإنتاج أو مستوى معيشة المصريين، هل في عام 2020م سيتم تحرير أسعار الطاقة في مصر بالكامل في ظل هذه الاستثمارات؟ وما الثمار التي ستعود على المصريين نتيجة ارتفاع معدلات الاستثمار في قطاع النفطي المصري من خلال التوقيع على 56 اتفاقية وقعت عليها الحكومة المصرية؟
القرى الأكثر فقراً
تمت الإشارة إلى القرى الأشد فقراً، وأنه سيتم تخصيص مبالغ من صندوق “تحيا مصر” لتطوير بيوت الفقراء بهذه القرى بمناسبة شهر رمضان، وأنه سيتم توزيع بقر على هذه القرى، ومع تسليمنا بما يمثله شهر رمضان الكريم من موسم للعطاء والكرم، إلا أن الاهتمام بشأن الفقراء هو واجب دولة، ولا يقتصر على شهر بعينه.
الأمر الآخر هو تواضع المبلغ المخصص لهذا الأمر وهو 500 مليون جنيه (66.4 مليون دولار)، أي أن نصيب كل قرية سيكون بحدود 416 ألف جنيه مصري (55.2 ألف دولار)، كما أن نصيب كل قرية من رؤوس الماشية البالغ عددها 10 آلاف سيكون بحدود 9 رؤوس.
الأداء الإيجابي هو أن يقدم برنامجاً ممتداً لانتشال هذه القرى من واقع الفقر، وتمتعها بحياة كريمة، على صعيد المجالات المختلفة، وليس فقط تقديم بعض المساعدات بين الحين والآخر، فهذا الأداء من حيث التوقيت يتفق ومنطق الإحسان الذي يليق بالأفراد، بينما الذي يليق بالدولة هو منطق الواجب، من خلال معالجة المرض وليس العرض، فما الذي أدى إلى سقوط هذه القرى في مستنقع الفقر؟ الإجابة عن هذا السؤال هي التي تحدد البرنامج الذي تتبناه الحكومة لتلاشي هذه الأسباب، وتبني آليات تحقق حياة كريمة للفقراء بهذه القرى.
الإسكان المستحيل
تمت الإشارة في حديث السيسي إلى إنجاز 240 ألف وحدة سكنية بنهاية العام، وأن التكلفة الإجمالية لهذا المشروع بلغت 30 مليار جنيه مصري، أي أن نصيب الوحدة السكنية الواحدة 125 ألف جنيه مصري، دون تحقيق أية هوامش للربح.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يستطيع الفقراء دفع هذه التكلفة للحصول على وحدة سكنية، بلا شك أن دفع المبلغ مرة واحدة مستحيل، وبالتالي لابد من التقسيط، ومن خلال بنك الإسكان والتعمير فقط لا غير عبر تمويل الإسكان المدعم بسعر فائدة لا يزيد على 5%، وعلى مدار نحو 30 عاماً تقريباً، ولكن تبقى مشكلة قدرة الفقراء على دفع هذه المبالغ من دخولهم المحدودة.
فالدولة لديها تجربة مع سكان حي “الدويقة” (شرق القاهرة) الذي تم تسكينهم بعد تهدم صخرة المقطم عليهم، نظير إيجار شهري 50 جنيهاً، ولكن عجزت هذه الأسر عن دفع هذه المبالغ البسيطة، ويخشى من أن تستغل الطبقة الوسطى أو بعض ميسوري الحال من الدخول في دوامة المضاربة على هذه الوحدات كما حدث في المدن الجديدة من قبل، لتكون هذه المساكن من نصيب الطبقة المتوسطة وليس من نصيب الفقراء.
تكلفة الاستصلاح
أشار حديث السيسي إلى مشروع استصلاح المليون فدان، وبين أن السبب في التأخير هو أن المشروع يستهدف خلق مجتمعات عمرانية جديدة، ولو كان الأمر مجرد استصلاح مليون فدان فقط لتم الانتهاء منه منذ فترة، وأن ما تم في إطار حفر الآبار اللازمة لهذا المشروع ألف بئر من إجمالي 4 آلاف بئر.
إن خلق المجتمعات العمرانية الجديدة يتطلب تكلفة اقتصادية ومالية عالية لا تناسب الوضع المالي لمصر حالياً، ومن ناحية أخرى فإن جهود مصر على مدار ما يزيد على ثلاثة عقود تركزت في استصلاح مليوني فدان كان غالبيتها من قبل القطاع الخاص؛ مما يجعل من مشروع المليون فدان تحدياً ستثبت الأيام نجاح أو فشل الحكومة في تحقيقه.
عمالة قناة السويس
الحديث عن العمالة المصرية في مشروع قناة السويس والعاصمة الجديدة، يبين سلبية شديدة، من خلال الإشارة إلى أن العاملين بمشروع قناة السويس سيمثل أهالي سيناء منهم 90%، ويضعنا هذا أمام نتيجتين؛ أولاهما محدودية الفرص التي سيشملها المشروع؛ نظراً لصغر عدد السكان في سيناء، وكذلك انخفاض نسبة التعليم بينهم، أما النتيجة الثانية أن فرص العمل التي سيوفرها المشروع لن تتطلب مستوى عالياً من المهارة أو المهنية.
تقزيم مشكلات الصحة
لا شك أن انتشار فيروس “سي: بين أبناء مصر يشكل هماً قومياً، ولكن اختزال المشكلة في استيراد الدواء، والمساومة على السعر من الشركات الأجنبية، منهج يحتاج إلى إعادة نظر، فهناك العديد من المشكلات التي تتعلق بصحة المواطن في مصر، من أبرزها انتشار الأمراض المزمنة بمعدلات تتجاوز مراحل الخطر، وضعف الطب الوقائي والإنفاق عليه، وعشوائية الطب العلاجي، وتدني أجور العاملين فيه.
أين المساءلة؟
الحديث عن إنجاز مشروعات، دون الإعلان عن المهمة التي أنشئت من أجلها، أو التكلفة التي أنفقت عليها، وربط الإنفاق بالعائد المتحقق منها اقتصادياً واجتماعياً، هو نوع من الدعاية السياسية، التي لم تعد تجذب المواطن المصري، ولم تعد أن تكون مجالاً للترويج الإعلامي، وثمة توقع بأن حديث السيسي عن تلك المشروعات الآن بمثابة تسويق للإجراءات الاقتصادية والاجتماعية القاسية التي ستتضمنها الموازنة العامة للعام المالي 2015/2015م والتي سيعلن عنها في نهاية يونيو المقبل.