كشف مصطفى الخلفي، وزير الاتصال المتحدث باسم الحكومة المغربية، وأحد القيادات الشابة في حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية، أن حكومة المغرب اتخذت عدة قرارات جريئة على كافة الأصعدة؛ مثلت تجربة رائدة لاسيما بعد ثورات «الربيع العربي» التي كان لها مذاق خاص في التجربة المغربية.
* يتبنى حزب العدالة والتنمية موقف التعاون مع المؤسسة الملكية، ما تأثير ذلك على الأمن والاستقرار الذي تنعم به المملكة المغربية، وهل يمكن أن نعتبر تجربة المغرب رائدة في العالم العربي؟
– بالفعل، من عوامل تميز النموذج المغربي في سياق إقليمي متسم بالاضطراب وبتنامي حالة عدم الاستقرار وانعدام الأمن هو عامل التعاون بين المؤسسات؛ للدفع قدماً بعجلة الإصلاح والتنمية بدل التنازع الذي يفضي إلى نتائج عكسية، والنماذج على ذلك كثيرة، فإذا كان الربيع الديمقراطي قد أبان عن عدد من الاختلالات والإشكالات في عدد من البلدان العربية، ومازالت تداعياته قائمة إلى اليوم بإيجابياتها وسلبياتها، فقد شهد هذا الربيع الديمقراطي على تميز وريادة النموذج المغربي، ومنطق التعاون هذا الذي كرسه حزب العدالة والتنمية في إطار رئاسته للحكومة الحالية، ليس وليد اليوم، بل هو نتاج تراكمات عمل مؤسسي، وكذا نتاج تقاليد مؤسسة على منهج الاستيعاب والتوافق والتدرج مرسخة لدى الفاعل السياسي المغربي، وأظن أنه لا داعي اليوم لتقديم الأدلة على أن المملكة تعد تجربة رائدة في العالم العربي، فقد صار ذلك من البديهيات والواقع يتحدث عن نفسه، ففي الوقت الذي ترزح بعض الدول العربية تحت وطأة الركود السياسي أو حتى التراجع عن المكتسبات، وفي حين انغمست دول أخرى في حالة من التوتر والسير نحو المجهول بسبب التنازع المسلح على السلطة وسفك الدماء البريئة، اختارت المملكة المغربية تحت قيادة الملك محمد السادس طريقاً ثالثاً وسطياً، وهو ما بات يعرف بالخيار الثالث للإصلاح في إطار الاستقرار.
فالمملكة تتقدم؛ ملكاً وحكومة وشعباً وقوى سياسية، نحو تعزيز المكتسبات وتبني الإصلاحات اللازمة وتكريس دولة الحق والقانون وتعزيز التنمية بما يحقق المطالب المشروعة للمواطنات والمواطنين، قد نسير بتدرج وفق منطق الاستيعاب والتوافق، لكننا نتقدم بثبات، وذلك هو الأساس.
إصلاحات اقتصادية
* قامت الحكومة بإصلاحات كبرى خاصة على المستوى الاقتصادي الكلي، لكن ذلك يعتبره البعض غير كافٍ، وينتظرون مزيداً من الإنجازات القريبة من جيوب المواطنين، كيف تعلقون على ذلك؟
– مثلما ذكرتم في سؤالكم، لقد قامت الحكومة بمجهود جبار واستثنائي لاستعادة التوازنات الاقتصادية الكلية، عبر تعزيز التنمية الاقتصادية وحماية سيادة القرار الاقتصادي الوطني؛ حيث تم التمكن من تقليص عجز الميزانية بما يقارب نقطتين من الناتج الداخلي الإجمالي، وذلك من 7.7% عام 2012م، دون احتساب عائدات الخصخصة، إلى 5.5% عام 2013م، ثم إلى 4.9% في عام 2014م، كما جرى خلال عام 2014م تقليص وتيرة تفاقم الدين العمومي إلى حوالي 0.4%.
كذلك تم التحكم في نفقات الصندوق المخصص لدعم المواد الأساسية حفاظاً على القدرة الشرائية للمواطنين، وضماناً لوصول الدعم لمستحقيه، حيث خُفضت مخصصات هذا الصندوق من حوالي 56 مليار درهم عام 2012 إلى 43 مليار درهم عام 2013م، ثم حوالي 33 مليار درهم عام 2014م، وصولاً إلى 23 مليار درهم هذا العام.
كما حققت إجراءات إعفاء العقوبة والغرامة بحق أصحاب الأموال المهربة للخارج لاسترجاع نحو 27.8 مليار درهم، أي ما يفوق خمس مرات التوقعات الأصلية، سيخصص 2.3 مليار درهم منها لصندوق «التماسك الاجتماعي» الذي جرى تأسيسه عام 2012م بميزانية بلغت 2.5 مليار درهم، و 3.5 مليار درهم في عام 2013م، و4 مليارات درهم عام 2014م، لتمويل العمليات الاجتماعية المتعلقة بنظام المساعدة الطبية «راميد»، وبرنامج «تيسير» للمساعدات المالية المباشرة لدعم دراسة أبناء الأسر الفقيرة.
كما تم تخصيص دعم مالي المباشر للأرامل وتفعيل صندوق التكافل العائلي للمطلقات المعوزات وأبنائهن، وذلك بتخصيص مبلغ 160 مليون درهم، بالإضافة إلى توسيع نظام المساعدة الطبية «راميد» ليبلغ في أقل من سنتين 7.5 مليون مستفيد (2.69 مليون أسرة)؛ أي ما يقارب 82% من الفئة المستهدفة.
كذلك تم تخفيض أسعار حوالي 1700 صنف دواء، ومن ضمنها الأدوية التي تهم الأمراض المزمنة والأدوية الأكثر استهلاكاً.
وأيضاً تأسس صندوق التعويض عن فقدان الشغل اعتباراً من العام 2015م بغطاء مالي قدره 500 مليون درهم.
* ألا تخشون من تأثير بعض الإجراءات على شعبيتكم الانتخابية؟ وكيف تدبرون عملية التواصل مع عموم الشعب المغربي؟
– بالفعل، لقد اتخذت الحكومة بعض الإجراءات الصعبة والمؤلمة، لكنها ضرورية، وما حصل هو أن التواصل السريع والصريح مع الشعب مكَّنه ليس فقط من تفهم هذه الإجراءات بل ودعمها، خاصة وأن الإجراءات الصعبة المرتبطة بدعم الطاقة واكبتها إجراءات إيجابية للدعم الاجتماعي والتي سبقت الإشارة إليها، لقد كان من الصعب إقرار مبدأ التنافس لولوج الوظيفة العمومية وإنهاء التوظيف المباشر؛ بهدف تكريس مبدأي المساواة وتكافؤ الفرص، وكذلك إقرار مبدأ الأجر مقابل العمل؛ بهدف ضمان استمرارية المرفق العمومي مما حد من الإضرابات، أو إقرار منع الجمع بين العمل في القطاعين العام والخاص بطريقة غير مشروعة، أو إصلاح أنظمة التقاعد المزمع الانخراط فيه.. هذه بعض النماذج من الإجراءات التي كانت صعبة إبان اعتمادها، لكن المواطنين تفهموها واستوعبوا أهميتها وطابعها العاجل لتفادي تفاقم الوضع الاقتصادي.
مؤشرات تحسن الاقتصاد
* ما المؤشرات التي تعتبرونها دالة في العمل الحكومي على أن قطار الإصلاح ماضٍ؟
– أولاً: هناك مؤشر تحسن مؤشرات الوضعية الاقتصادية والتي أشرت إليها سابقاً، بحيث سجل صندوق النقد الدولي قبل شهرين أن المملكة المغربية ستسجل ثاني أفضل معدل نمو في المنطقة العربية ككل، وثانياً: التمكن من اعتماد ثلاثة أرباع القوانين التنظيمية اللازمة لإقرار الدستور، وثالثاً: التقارير والتصنيفات الدولية، حيث إنها تكرس مصداقية الإصلاحات التي اعتمدتها الحكومة، وعلى سبيل المثال، حافظت وكالات التصنيف الائتماني «فيتش»، و«ستاندارد آند بورز» على درجة التصنيف السيادي للمغرب، ورفعت آفاقها الاستثمارية من «سلبية» إلى «مستقرة».
كما خرجت المملكة من القائمة الرمادية للدول التي لا تحترم المعايير الدولية لمكافحة غسل الأموال وتبييضها من قبل مجموعة العمل المالي الدولي «كافي»، وصنفت المنظمة الدولية لاستطلاعات الرأي «جالوب» المغرب كالبلد الوحيد في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط الحاصل على مؤشر إيجابي (+20) للثقة الاقتصادية.
كل هذه المؤشرات، وغيرها تعكس على أرض الواقع إصلاحات مهمة يتم اعتمادها وإنجازها، دون الارتهان لكلفتها السياسية أو الانتخابية، وهذا مؤشر مهم لا يمكن تجاهله، نظراً للمصداقية التي تتمتع بها هذه المنظمات الدولية.
حضور إقليمي ودولي
* يلاحظ من خلال عدد من التقارير والمواقف أن المملكة المغربية باتت تحتل موقعاً وحضوراً قوياً على المستوى الإقليمي والدولي، ما أسبابه؟ وكيف تنظرون إلى نتائجه؟
– بالفعل، لقد اعتمدت بلادنا، تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس، سياسة خارجية فعالة، تستند إلى تعزيز الحضور الدولي في المحافل الإستراتيجية، وتفادي سياسة الكرسي الفارغ، في مقابل المشاركة والاستناد إلى خطاب قوي يرتكز على المصداقية والشرعية الدولية، مع التركيز كذلك على تنويع الشراكات مع الدول الفاعلة والصديقة، وفتح فضاءات جديدة للتعاون، بالإضافة إلى نهج سياسة هجومية للتصدي لمناورات خصوم المغرب، وخصوصاً أعداء الوحدة الترابية للمملكة.
وقد زاد من تعزيز المملكة لحضورها في المنظومة الدولية تميزها وريادتها كنموذج في الإصلاح والأمن والاستقرار على المستوى الإقليمي، حيث يستند العمل الدبلوماسي إلى الترويج للنموذج المغربي، والتعريف بالإصلاحات الكبرى المعتمدة في جميع الميادين، وكذا إبراز خصائص الهوية المغربية القائمة على الاعتدال والانفتاح والتضامن مع الشعوب، مع إعطاء الأولوية كذلك للدبلوماسية الاقتصادية لاستقطاب الاستثمارات.
معوقات
* بعد الحديث عن الإيجابيات، ما الأمور التي تعتبرونها من معوقات تطور البلاد ونموها؟
– أعتقد أن أبرز معيق لمسار تطور المغرب هي إشكالية الفساد وضمنها مشكلة الرشوة، فبالرغم من كل الإجراءات التي اعتمدتها الحكومة في هذا الإطار من خلال تعزيز آليات التخليق وإرساء مبادئ الحوكمة والشفافية والنزاهة والنهوض بدور القضاء في محاربة الفساد والنهوض بآليات الشفافية والمراقبة المالية، مازالت هناك بعض التحديات مطروحة في هذا الإطار، وهذا الموضوع هو أحد أبرز أولويات العمل الحكومي.
المعارضة
* دستور عام 2011م ضمن للمعارضة حقوقاً كثيرة، وحث على ممارسة أدوار كبيرة، لكن الملاحظ مع كل ذلك أن رؤساء أحزاب المعارضة تركوا كل ذلك جانباً، وسلكوا طرقاً أخرى، ما قراءتكم لذلك؟
– صحيح أن دستور المملكة لعام 2011م عزز من مكانة المعارضة سعياً إلى تكريس الممارسة الديمقراطية عبر دعمها للاضطلاع بدورها الرئيس المتمثل على الرقابة على إدارة الشأن العام، وهو مستجد مهم من بين المستجدات التي جاء بها الدستور، وما يقع من انزلاق في السجال السياسي يعكس في العمق عدم قدرة البعض على مناقشة الإصلاحات والإجراءات الحكومية، وتعويض ذلك بسجالات سياسية ينفر منها المواطن.
حرية الصحافة
* كيف تنظرون إلى التقارير الدولية فيما يخص حرية الصحافة وحقوق الإنسان في المغرب؟
– على العموم، الملاحظة الأساسية هي أن عدداً كبيراً من التقارير الدولية الصادرة بخصوص حقوق الإنسان وضمنها حرية الصحافة لا تعكس الواقع بالمغرب، حيث مازالت مرتهنة لصور نمطية من الماضي، رغم أن بعضها بدأ يتحدث عن تحسن محدود، وبعضها ما يزال سجيناً لقراءة ظالمة وغير منصفة؛ مثل تصنيف منظمة «فريدوم هاوس» في الوقت الذي تتمتع فيه دول أخرى بتصنيف أفضل من طرفها، في حين أن هذه الدول تشهد بحسب تقارير منظمات دولية أخرى انتهاكات جسيمة في حق الصحفيين ووسائل الإعلام.