آفة خطيرة تسربت في مراحل التعليم المختلفة حتى وصلت إلى قمتها وهو التعليم الجامعي، إنها الدروس الخصوصية، فبعد انتهاء المرحلة الثانوية يتمنى أولياء الأمور أخذ أنفاسهم من وبائها الذي لاحقهم طيلة 3 سنوات، لكنهم يُصدمون بشبح أكبر وأفظع لهذا الوباء في الجامعة، لتتحول العملية التعليمية إلى «بيزنس» استثماري واسع يجني من يدخل فيه من أصحاب الضمائر الفارغة مكاسب كبيرة، وتحول المعلم من رسول للعلم إلى رجل أعمال.
«المجتمع» ناقشت القضية مع خبراء تربويين، أكدوا أن ظاهرة انتشار الدروس الخصوصية بين طلاب الجامعات كارثة كبيرة، مشيرين إلى أن من أهم أسباب الظاهرة الفروق الفردية الموجودة بين الطلاب من حيث مستوى استيعابهم للمناهج والمقررات الدراسية، بالإضافة إلى انتقالها معهم من المراحل التعليمية المختلفة إلى الجامعة، حتى أصبحت الكافيهات أشبه بقاعات دراسية!
في البداية، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت د. يوسف غلوم: إن دخول الدروس الخصوصية الحرم الجامعي إشكالية كبيرة يجب أن تواجَه بحزم، مشيراً إلى أن المشكلة ليست في جامعة الكويت، ولكن في مخرجات التربية، فالجيل الذي اعتمد على الدروس الخصوصية في مسيرته التعليمية في المراحل المختلفة سواء أكانت المرحلة الابتدائية أو المتوسطة أو الثانوية؛ وبالتالي انتقلت معهم إلى الجامعة، فأصبح الطالب لا يستطيع أن يستوعب ما عليه من دروس إلا من خلال الدروس الخصوصية، فليس معنى أن يأخذ الطالب درساً في مادة من المواد أن أستاذ الجامعة لا يقوم بشرح المقرر، ولكن تعود الطالب على الاستيعاب من خلال الدروس الخصوصية.
وأضاف غلوم أن بعض الطلاب وللأسف الشديد أصبحوا لا يعتمدون على أنفسهم في كثير من الأمور، فمثلا إذا طلب أستاذ الجامعة منهم أبحاثاً فإنهم سرعان ما يتوجهون إلى المكتبات الخارجية، مشيراً إلى أن بعض المقاهي العامة مليئة بالطلاب الذين يحصلون على الدروس الخصوصية، مشيراً إلى أن أستاذ الجامعة عليه مسؤولية في كيفية إجبار الطالب على أن يقوم ببحثه بنفسه؛ لأن الأساتذة يعرفون جيداً إذا ما كان الطالب قام بهذا البحث بنفسه أو أن هناك من قام بكتابته بدلاً منه.
وأكد غلوم أن محاربة الدروس الخصوصية تكون من بداية مراحل التعليم المختلفة، فإذا نشأ الطالب على الاعتماد على النفس فلن ترى تلك الدروس في المرحلة الجامعية، بالإضافة إلى أننا بحاجة إلى أن تكون مناهجنا الدراسية أكثر تطوراً، فللأسف الشديد المناهج التي ينبغي أن تُطور كل فترة لا يتم النظر إليها.
وقال الكاتب الصحفي والتربوي د. يعقوب الشراح: إن العلاقة بين الدروس الخصوصية وانخفاض مستوى التحصيل لدى الطالب تشكل حلقة اتصال دائمة ووشيجة؛ بسبب رغبة الطالب في تجنب كل ما يؤدي إلى تعثره في دروسه أو تخلفه عن مواكبة العملية التعليمية أسوة بزملائه المتفوقين، فهذا التدني في التحصيل ليس بالضرورة نتاج الكسل أو الإهمال، وإنما قد يعود إلى التكوين العقلي والنفسي والاجتماعي للطالب الذي يحتاج إلى معالجات تربوية واجتماعية تعينه على تخطي ما يصادفه من عقبات في التعليم.
وتابع الشراح: الطالب – مع الأسف الشديد – لا يجد هذه المساعدة في مؤسساتنا التربوية؛ لأن المناهج المطبقة لا تأخذ بالفروق الفردية، وليس أمام هذه المناهج المزدحمة بالمعلومات أن تتوقف أو يلتفت المعلم لمن هم بحاجة إلى المزيد من الإرشاد والتوجيه، أو تخصيص الوقت اللازم للطلاب المتعثرين في تحصيلهم العلمي؛ مما يؤدي إلى اللجوء إلى الدروس الخصوصية.
وأضاف الشراح: الدروس الخصوصية في أوضاعنا تعكس الاختلال في نظام التعليم؛ لأنها أصبحت ظاهرة روتينية وشائعة ووسيلة للتكسب والاستغلال في وقت يدرك النظام التعليمي أن الدروس الخصوصية في ازدياد ولا يمكن الحد من انتشارها ومواجهة مفاسدها.
وأوضح الشراح بأنه لابد من التأكيد على أن مشكلات الدروس الخصوصية يمكن أن تعالجها المؤسسة التربوية من خلال الاعتناء بالطلاب الضعفاء، ومراجعة المناهج وتطوير طرق التعلم، والتركيز على الفروق الفردية في التعلم، وتخصيص معلمين يعالجون مشكلات التعثر الدراسي في كل مدرسة بما يتفق مع نظريات التعلم والعلوم النفسية والاجتماعية، مع المزيد من التعاون مع الأسرة.
وبين الشراح أن عدوى الدروس الخصوصية انتقلت من المراحل الدراسية المختلفة إلى مرحلة الجامعة، فأصيب الطلاب بعدوى الدروس الخصوصية، وربما تكون أكثر تعقيداً من المدارس؛ لأن الطالب الجامعي يريد أن ينهي دراسته فيتجه إلى الدروس الخصوصية، وقد تكون تلك الدروس من غير المتخصصين، مؤكداً أن الجميع يتحمل مسؤولية انتشار الدروس الخصوصية في الجامعة؛ الطالب الذي لا يقوم بواجباته التعليمية، والأستاذ الذي قد لا يسأل الطالب عن فهمه للدرس، والجامعة أيضاً.
وأشار الشراح إلى أنه لا بأس لبعض طلبة الجامعة بأن يستعينوا بالدروس الخصوصية لأسباب معينة، فهناك بعض الطلاب لا يستطيعون مجاراة المدرس أو زملائهم في القاعة، ولكن بشرط أن يكون المدرس الذي يقوم بإعطاء تلك الدروس من خارج الجامعة حتى لا يتم استغلال العملية التعليمية، مشيراً إلى أنه من المحتمل أن يكون سبب الدروس الخصوصية في فترة الجامعة تعوُّد الطالب عليها في المراحل التعليمية المختلفة.
إن مسؤولية معالجة هذا الواقع بلا شك تقع على عاتق وزارة التربية التي لم تقدم حتى الآن حلاً جذرياً للمشكلة سوى قرارات قديمة تمنع الدروس الخصوصية.
ومن جانبه، قال الخبير التربوي د. عبدالحميد الصراف: إن دخول الدروس الخصوصية الحقل الجامعي ظاهرة سلبية نتمنى أن تنتهي سريعاً، فالجامعة ليست مدرسة، بل إن هذه الظاهرة تؤثر على الطالب في تحصيله العلمي، ولم نتعود عليها، بل إن هذا الأمر دخيل على الجامعة، ونتمنى أن يعرف الطالب أن الدروس الخصوصية ليست في صالحه، فالجامعة عبارة عن تعليم مفتوح به نواحٍ نظرية وأخرى عملية، فلن تستطيع تلك الدروس الخصوصية أن تساهم في تفوق الطالب، كما أن من يقومون بتلك الدروس غير مؤهلين لهذا الأمر؛ لأن الجامعة تحتاج إلى مستوى تحصيل عالٍ حتى يعرف الأستاذ كيفية نقل المعلومة إلى الطالب، ولا يمكن للطالب أن يحصل على أعلى المستويات من خلال تلك الدروس.
وحمل د. الصراف التربية والمناهج الدراسية مسؤولية دخول تلك الدروس إلى الحرم الجامعي؛ لأن الطالب في المراحل التعليمية المختلفة تعود على تلك الدروس فانتقلت العدوى معه إلى الجامعة؛ وبالتالي أصبحت هناك إشكالية كبيرة، فالطالب يريد أن يجتاز المراحل الدراسية بأي وسيلة سواء أكان الأمر عبر الدروس الخصوصية أو غيرها من الوسائل، مشيراً إلى أن بعض «الكافيهات» أصبحت مليئة بالطلبة والمدرسين، فتجدها أشبه بالمدارس والجامعات.
وأشار د. الصراف إلى أن أسباب دخول الدروس الخصوصية الحرم الجامعي كثيرة، فقد تكون قد انتقلت مع الطلبة من مراحل التعليم المختلفة سواء أكانت المرحلة الابتدائية أو الإعدادية أو المتوسطة إلى مرحلة الجامعة، ففي السابق لم نكن نسمع عن الدروس الخصوصية في التعليم العام ناهيك عن وجودها في الجامعة، فاعتماد الطلبة على الدروس الخصوصية في مرحلة الثانوية العامة أدى إلى اعتمادهم عليها في المرحلة الجامعية، حتى إن معظم الأبحاث التي تطلب من طلبة الجامعة يذهبون إلى المكتبات للحصول عليها، بالإضافة إلى أن البعض لا يتورع عن كتابة ملصقات على سيارات الطلبة بأن المكتبة هذه أو تلك تقوم بعمل أبحاث الطلبة بمقابل مادي، وهذا بالطبع يؤثر على حصول الطالب على المعلومة، ويحول بين الطالب وتوسعه في المناهج الدراسية.