عبدالحافظ الصاوي
اقترب الشهر الأول من العام المالي 2015/ 2016م على الانتهاء، ولم تقدم حكومة الانقلاب بمصر الخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للدولة، فآخر خطة منشورة على موقع وزارة التخطيط، هي خطة العام المالي 2014/ 2015م، والتي انتهت في 30 يونيو الماضي.
الخطة العامة للدولة ليست شيئًا عبثيًا أو مجرد أمر إجرائي، بل هي التي تحدد وجهة المجتمع في مناحي مختلفة، وبخاصة المتعلق منها بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية، وقد جعلها دستور الانقلاب من اختصاصات الحكومة، حيث نص في مادته (167) في البند السادس من الاختصاصات التي تمارسها الحكومة “إعداد مشروع الخطة العامة للدولة”.
وفي نوع من العبث باختصاصات مجلس النواب، أسقط دستور عام 2014م الذي أصدره الانقلاب حق مجلس الشعب في إقرار الخطة العامة للدولة، فدستور عام 1971م في مادته (رقم 114) كان ينص على: “يقر مجلس الشعب الخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية ويحدد القانون طريقة إعداد الخطة وعرضها على مجلس الشعب”، أما دستور الانقلاب فلم يشر في المواد الخاصة بمجلس النواب إلى حقه في إقرار الخطة العامة للدولة، أو عرضها عليه من قبل الحكومة.
ويعكس هذا الأمر غياب المتخصصين في لجنة إعداد دستور عام 2014م، حيث إن الخطة العامة للدولة هي الأساس، بينما الموازنة العامة للدولة هي مجرد البرنامج المالي للخطة، وبالتالي فكون الدستور يسقط حق مجلس النواب في استعراض الخطة، وقصر اختصاصاته على مناقشة الموازنة هو نوع من التضليل، والذهاب بأعضاء النواب إلى متاهات الأرقام، والمشكلات المزمنة للموازنة.
وقد ساد العرف السياسي والاقتصادي خلال الفترة الماضية على أن تقوم الحكومة بإعداد خطط خمسية، وكذلك خطط سنوية في إطار الخطط الخمسية، ولا ينقص وزارة التخطيط شيئاً للقيام بهذا الدور، حيث إن هذا اختصاص أصيل لها، وهي تملك من الكوادر والمؤسسية ما يؤهلها للقيام بهذا الدور، ولكن الوزارة على ما يبدو تخشى المساءلة، سواء فيما تدرجه من أرقام ومستهدفات بالخطة، ويمكن محاسبتها عليه، سواء في إطار الرقابة البرلمانية، أو من قبل الدراسات التطبيقية والأكاديمية.
أو قد يكون ذلك من قبيل الهروب من تكليف آخر تقوم به وزارة التخطيط على مدار عقود، وهو إعداد تقرير متابعة الخطة، حيث يرصد هذا التقرير أوجه القصور في تحقيق مستهدفات الخطة في كافة المجالات التي تناولتها الخطة.
ومن خلال تقرير متابعة الخطة يمكن الوقوف على تقويم حقيقي لأداء الاقتصاد المصري، وتتبع العديد من المؤشرات الاقتصادية الكلية، من معدلات النمو والاستثمارات المنفذة، ومساهمة القطاعات الاقتصادية المختلفة في النشاط الاقتصادي.
وقد شهد العرف البرلماني على مدار عقود سابقة، أن يعرض كل من وزير التخطيط والمالية بيانًا في جلسة واحدة أمام البرلمان عن مشروعي الخطة والموازنة، ثم يحال المشروعان إلى لجنة الخطة والموازنة، واللجنة الاقتصادية لتتم مناقشة مستفيضة عن المشروعين، قبل اعتمادهما من البرلمان.
الخطة تكشف أكاذيب الحكومة
إن طبيعة الخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية أن تتضمن كافة أوجه النشاط الاقتصادي، وبخاصة ما يعلن من قبل الحكومة من مشروعات عامة، أو ما أسرف في الانقلاب خلال العامين الماضيين من الإعلان عن مشروعات قومية، ومشروعات للبنية الأساسية.
فالخطة تشير إلى حقيقة أو كذب هذه المشروعات، وتبين مراحل تنفيذها، ومصادر تمويلها، وبالتالي تكون هناك حالة من المكاشفة الحقيقية، وبيان صدق أو كذب الأداء الإعلامي الذي أسرف فيه الانقلاب منذ توليه السلطة في مصر.
ثمة أمر مهم يتم معرفته من خلال الخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهو مساهمة كل من القطاع العام والقطاع الخاص في النشاط الاقتصادي، ومعدلات النمو، وكذلك مساهمة الاستثمارات المحلية والاستثمارات الأجنبية في تنفيذ مشروعات الخطة.
فالملاحظ أن هناك حالة من الغموض حول الأرقام المعلنة عن معدلات النمو الاقتصادي، حيث تبالغ الحكومة في هذه المعدلات، بينما واقع الاستثمارات المنفذة بل والمستهدفة يكذب هذه المعدلات، فعلى سبيل المثال، عندما تعلن الحكومة أن معدل النمو المستهدف هو 5%، فإن هذا المعدل لا يمكن تحقيقه في ظل استثمارات محلية لا تتجاوز نسبتها 15% من الناتج المحلي الإجمالي.
فضلًا عن ضآلة الاستثمارات الأجنبية، والتي لا تتجاوز 5 – 7 مليارات دولار، في أحسن الأحوال، وغالبيتها يتجه إلى قطاع الصناعات الاستخراجية في مجال النفط والغاز الطبيعي.
لقد عولت حكومة الانقلاب منذ عامين على تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وبخاصة من دول الخليج الداعمة للانقلاب، وهو ما انكشف زيفه، ومن ناحية أخرى روج الإعلام إمكانية استمرار الدعم والمساعدات الخليجية لمصر في ظل الانقلاب بمبالغ مفتوحة، وهو ما ثبت عدم صحته، فموازنة العام المالي 2015/ 2016م رصدت المنح بحدود 2.2 مليار دولار، بعد أن كانت بحدود 100 مليار جنيه في موازنة 2013/ 2014م.
والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية لمصر، من المفترض أن توضح هذه المسارات، وإلى أي حد يمكن الاعتماد عليها في مشروع التنمية.
ضياع حق المجتمع
دأبت الدراسات الاقتصادية والاجتماعية منذ عقدين من الزمن على الإشارة إلى ضرورة مشاركة المجتمع في التخطيط، وهو ما تمت الإشارة إليه قبل ثورة 25 يناير ببرامج اللامركزية في إعداد الخطة العامة والموازنة، وإن كان تطبيقه يتم بشكل صوري في ظل حكومات الدكتاتور مبارك.
التخطيط ليس أرقاماً صماء، أو عبارات غامضة، ولكنه يعكس رغبات المجتمع، وفي ظل إعمال اللامركزية، يكون التخطيط معبراً بصدق عن احتياجات المجتمع الفعلية، وذلك بعد أن تتاح لمؤسسات المجتمع حقيقة الأوضاع التمويلية، ويتم ترتيب الأولويات، وزيادة معدلات المشاركات الذاتية من قبل المجتمعات الصغرى في الريف والمناطق النائية من أجل الحصول على الخدمات الأساسية، والحفاظ على ما أتيح لهم من خدمات وصيانتها.
إن ما تم من قبل حكومة الانقلاب هذا العام فيما يتعلق بالخطة العامة والموازنة، هو نوع من الاستهتار المؤسسي، وعدم اكتراث بحقوق المجتمع، يستوجب مساءلة تاريخية، فمقدرات الشعوب ليست مجالاً للتهاون أو الاستهتار.
وبخاصة في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية شديدة الخطورة، تعاني منها البلاد من مديونيات كبيرة، واستمرار أداء الحكومة بهذا الاستهتار يعني توريث الأجيال القادمة تركة من الديون لا قبل لها بها، ومن جهة أخرى ترك ممارسات غير مسؤولة قد تؤصل لتغول السلطة التنفيذية على حقوق المجتمع، وباقي مؤسسات الدولة، وبخاصة المؤسسة التشريعية.