فادي شامية
رغم أن النظام السوري كان ولا يزال أكثر المستفيدين من “داعش”، ورغم أن مناهضي الأسد والقوى السياسية الداعمة لهم أكثر المتضررين من وجود هذا التنظيم المتطرف، فإن حسن نصر الله يقول بملء الثقة (25/ 7/ 2015م): لا شك في رعاية تركيا لـ”داعش”، وتمويلها لـ”داعش”، وتقديم التسهيلات الكافية لـ”داعش”، وفتح الحدود لـ”داعش”، ولكن الآن رئيس وزراء تركيا يقول: إن “داعش” يشكل تهديداً للأمن القومي التركي؛ صباح الخير وصحِّ النوم.
حسناً؛ في سبيل تنشيط ذاكرة النيام أو المتناومين نذكر الحقائق الآتية:
أولاً: في الإحصاءات: 64% من الهجمات التي قام بها “داعش” في سورية استهدفت الجماعات المعارضة لنظام الأسد، و13% فقط من هذه الهجمات استهدفت قوات النظام السوري خلال النصف الأول من العام الحالي، وذلك حسب التحليل الصادر من مركز:
IHS Jane’s Terrorism and Insurgency Center (JTIC).
ثانياً: في الوقائع الميدانية: لم يسجل أي تحالف أو تنسيق بين الجماعات المعارضة للنظام السوري و”داعش”، وإنما سجل التنظيم وقائع ميدانية غريبة، صبت لصالح نظام الأسد، لعل أبرزها في العام الماضي اجتياحه مخيم اليرموك وذبحه المعارضين فيه، ومباغتته – هذا العام- الجماعات المعارضة في حلب بهجوم كبير فور إعلانهم بدء معركة تحريرها، عقب انتصار جيش الفتح في إدلب؛ ما أجبرهم على الانسحاب ومقاتلة قوات “داعش” بدل قوات الأسد، ثم وصل الأمر قبل أربعة أشهر إلى حد مباغتته ثوار القلمون بالتزامن مع صدهم هجوم “حزب الله” عليهم، كما سجلت مجريات القتال في سورية أكثر من واقعة قام خلالها الطيران الحربي السوري بقصف مواقع الجماعات المعارضة في الوقت الذي كانت تشتبك فيه مع “داعش” (في يناير 2014م على سبيل المثال).
ثالثاً: في إعادة الإنتاج السياسي: كل من يتابع السياسة يدرك بسهولة أن نظام الأسد يستخدم “داعش” طوق نجاة ليعيد إنتاج نفسه، في سبتمبر 2014م قال وزير الخارجية السوري وليد المعلم بصراحة: نحن جاهزون للتعاون والتنسيق مع الدول الإقليمية والمجتمع الدولي من أجل مكافحة الإرهاب، ليعيد بشار الأسد العرض بشكل أوضح بعد نحو شهر: الإرهاب لا يمكن أن يتم تدميره من الجو، لا يمكن أن تُحقَّق نتائج على أرض الواقع دون قوات برية، يجب أن يكون الجيش السوري هو الشريك.
رابعاً: في قتال الجماعات والرموز المعارضة: يصعب حصر وإحصاء الجرائم التي قام بها “داعش” بحق رموز المعارضة السورية، وعلى وجه التحديد أولئك الذين يعتبرهم النظام السوري وأعوانه مدعومين من الخارج، وعلى سبيل المثال: أبو حسين الديك، مهندس الأنفاق في حركة صقور الشام، وأبو المقدام النبشي، صائد الدبابات في القلمون، الطبيب حسين سليمان (أبو ريان) أمير أحرار الشام في مدينة تل أبيض (تحت التعذيب)، وأبو خالد السوري وأبو سعد الحضرمي، ومحمد فارس، من قادة أحرار الشام، واللواء محمود شلاش، أحد قيادات العمل العسكري في الرقة، وقتلهم أعداداً كبيرة من حركة حزم، فضلاً عن قتاله جبهة النصرة وقتله قادتها في المساجد بتفجير النفس، في شهر رمضان الماضي.
خامساً: في الاختراق الاستخباري: وفقاً لتقرير مجلة “دير شبيجل” الألمانية، والمرفق بوثائق عُثر عليها في منزل حجي بكري، الشخص الثاني في “داعش”, فإن حجي بكري كان عقيداً بعثياً في المخابرات الجوية التابعة لصدّام حسين في العراق, وقد جندته المخابرات السورية لصالح اختراق “داعش” وتسييرها بما يخدم النظام السوري، وفي الوثائق إياها تفاصيل وصور كثيرة حول ذلك، وسبق لصحيفة “الشرق الأوسط” أن نشرت وثائق تثبت كيف يرسل النظام السوري الرجال التابعين له لينضموا إلى “داعش”، بإشراف رئيس مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك، والعقيد حيدر حيدر، وكيف يزورون الهويات لضخ مقاتلين شيعة إلى سورية، ثم تأمين وثائق لهم تثبت – خلافاً للحقيقة – أنهم سُنة.
سادساً: في النفط والغاز: حسب صحيفة “التلجراف” البريطانية, فإن النظام السوري لا يشتري النفط من “داعش” عبر وسطاء فحسب (في مارس الماضي قرر الاتحاد الأوروبي وضع رجل الأعمال السوري جورج حسواني, مالك شركة “هيسكو” ضمن قائمة العقوبات الأوروبية لعمله كوسيط في صفقات النفط الجارية بين نظام الأسد وتنظيم “داعش”), بل يساعد في تشغيل وإدارة بعض مرافق النفط والغاز (حقول النفط والغاز تُدَار عبر الموظفين الذين بقيت رواتبهم سارية من وزارة النفط التابعة للنظام), وفي بعض الأحيان، يقوم النظام السوري بإمداد المدن الواقعة تحت سيطرة “داعش” بالكهرباء مقابل الحصول على الوقود، أو يقوم بإرسال الشاحنات المحملة بالقمح من الحسكة إلى طرطوس مروراً بمناطق سيطرة “داعش” مقابل حصول التنظيم على 25% من حمولتها.
في خلاصة الأمر؛ فإن “داعش” تنظيم متطرف لم يكن لينشأ لولا الاضطهاد والصراع الطائفي، “داعش” لا يتبع؛ لا النظام السوري ولا أعداءه، لكن أكثر المستفيدين من وجوده هو النظام السوري نفسه، هذه حقائق مسلمات لا بد من التأسيس عليها لدى مقاربة ملف “داعش” وما يتصل به، وما سوى ذلك متاجرة وتسويق سياسي.
بالعودة إلى كلام نصر الله؛ فإن اتهامه لتركيا برعاية “داعش” لا دليل يستند إليه، وإذا عدنا إلى الوقائع التي لا جدال فيها فإن تركيا تعرضت لخطف 49 من دبلوماسييها دفعة واحدة فور سيطرة “داعش” على الموصل، كما تعرض أكثر من معبر حدودي مع سورية لتفجيرات تبنتها “داعش”، وذلك قبل التفجير الأخير في سوروج، وفي كل الأحوال؛ فإنه من المعلوم أن تركيا تدعم الجماعات المسلحة التي تقاتل النظام السوري، وللمفارقة فإن هذه الجماعات على وجه التحديد هي ألد أعداء “داعش” منذ مدة طويلة.
وعليه؛ فقد قدم نصر الله لجمهوره معطى غير صحيح (دعم تركيا لـ”داعش”) فخلص إلى نتيجة غير صحيحة (انقلاب مواقف تركيا من “داعش”)، ولم ينتبه إلى أن التدخل العسكري في سورية هدفه “داعش” وناره على الأكراد، وأنه الصفقة مع الأمريكيين تقضي باستخدام الأمريكيين القواعد الجوية التركية في قتال “داعش”، مقابل تأمين الغطاء لفرض الأتراك منطقة محرمة على طيران الأسد؛ “ستصبح آمنة بشكل تلقائي مع الوقت” وفقاً لداود أوغلو؛ ما يعني مسماراً جديداً في نعش النظام المجرم، الذي يفخر نصر الله في دعمه.