علي بطيح العمري
السالفة وما فيها بالمختصر المفيد أن معالي وزير التعليم – عزام الدخيل – منح إدارات التعليم إمكانية فتح فصول ضمن مدارس التعليم العام لتحفيظ القرآن، طبعاً الدراسة في هذه الفصول اختيارية وليست إجبارية.
ضجت وسائل التواصل الاجتماعي، وتنوعت الآراء بين المعارضين للقرار والمؤيدين.
المؤيدون يرون في القرار تعظيماً للقرآن ورفعاً من مكانته، وحفظاً للنشء في وقت تكاد تتخطفهم التيارات الفكرية، والانزلاقات السلوكية، كما أن الشباب يعانون الفراغ القاتل، فالنفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل.
المعارضون.. طبيعي أن يتحفظ الشخص على القرار لسبب ما، وطبيعي جداً أن ينتقد الإنسان آلية ما، وعادي المطالبة بالتجديد.. لكن “اللي مو عادي” من يعتبر أن تدريس القرآن رجعية، أو تخلفاً وتطرفاً، وأن هذه المدارس تخرج إرهابيين و”دواعش”؛ وهو كلام يكرر، ولا يستند إلى دراسة علمية تدعمه، ولا دليل حتى الآن يثبت تورط مدارس أو حلقات التحفيظ في الإرهاب.
من الجهل ألا نفرق بين الدين والتدين عند النقد، فالدين معروف بأصوله وفروعه، والتدين هو ممارسة الناس لهذا الدين، فالدين ثابت، وتدين الناس معرض للتشويه، والخلل، فنقد التدين ممكن بخلاف نقد الدين.
ثمة سؤال؛ هل ما زال منا من لا يعرف حقيقة “داعش” وفكره، وأن الإسلام يتبرأ من أفعاله؟ لأنه في معالجة القضايا الفكرية واضح الخلط بين التدين المأمور به، وبين التشدد المنهي عنه، وهناك نقطة تتلخص في السؤال التالي:
لم كل فكرة لا تناسبنا “ندعشنها”، وكل شخص مختلف معنا تتم “دعشنته”؟! هذا معناه إحدى اثنتين؛ إما أننا نجهل حقيقة الإرهاب ومنظماته، أو أنه مجرد صراع تيارات وتصفية حسابات فقط لا غير!
القرآن لا علاقة له بـ”داعش”، ولا بكل التيارات المنحرفة، فـ”داعش” وجدت بعد نزول القرآن بــ14 قرناً، وفي كل عصر وزمن تظهر فرق منحرفة وضالة، تندثر في النهاية وتتلاشى ويبقى القرآن، فالخوارج ظهروا في عهد الصحابة – خير القرون – فهل أحد قال عنها: إنها بسبب الصحابة، أو بسبب تعليمهم، وبسبب تصرفاتهم! فليس من المعقول أن نحمل تعليمنا ومناهجنا كل ظاهرة منحرفة.
لم ينزعجون من تدريس القرآن؛ والمسلمون عبر العصور والأزمنة تعاهدوا هذا الكتاب حفظاً وتعليماً؟ يقول ابن خلدون: تعليم الوالدين للقرآن من شعائر الدين، أخذ به أهل الملة ودرجوا عليه في جميع أمصرهم، ولتعلم القرآن فوائد أخرى كتقويم اللسان، ومعالجة ضعف القراءة، ومد المساجد بالأئمة المجودين.
بقي أن نقول للمؤيدين: لا تعتبروا كل من انتقد القرار عدو لله ورسوله، ولا ننسى أن هناك شعوباً كُبلت بالحديد والنار، وقد خرج منها من حفظ ودرس القرآن.. وللمعارضين نقول: من حق المسلمين تعلم وتعليم هذا الكتاب الذي لا صلاح للمسلمين إلا به في الدنيا والآخرة، فقد أنزل ليعمل به، فالقرآن ليس مجرد “كتاب إسلامي” مكانه الرفوف!