د. محمد خيري آل مرشد
نعتقد أن القيادة في أصلها موهبة تنبع من الذات الإنسانية، وتولد مع الإنسان صفات القيادة (التي لسنا بصدد رصفها تعداداً)، وإذا ما وجد هذا الإنسان في الوسط المناسب تظهر هذه الصفات القيادية وتتفجر طاقاته الكامنة التي تميزه عن غيره، ولا شك أن المعرفة والخبرة تصقل هذه الموهبة، وأيضاً الظروف العملية التي يتعرض لها..
قد يصلح الكثيرون للإدارة، لكن من المؤكد أنه فقط من القلة القليلة يمكن أن يكون قائداً فاعلاً يغير وضع الناس إلى حال من الأحوال.. فالقائد عادة ما يبحث عن حلول تثبت المبادئ والقيم التي يريدها ويراها مستقبلاً لسلوك مجتمع، من خلال انتسابه لمؤسسة حاضنة ما، ولم أعرف أن فرداً وصل بمفرده لذلك، إلا عن طريق بيئة حاضنة، سواء انتمى إليها أو أسسها بنفسه، ليدفع الآخرين على تبني أفكاره وتوجهاته بالتشاور والمشاركة والإقناع، فيكون هو الملهم لهم، ليقوم هؤلاء راضين مخلصين بترجمتها على الأرض كواقع، حيث إن قدرات القائد وقوته على التغيير تستمد من قدرات الجماعة، فالرجال هم من يصنعون التاريخ..
ولا نتكلم عن العلماء والمفكرين الذين يؤثرون في تغيير سلوكيات الأفراد والمجتمعات بطريقة أخرى، وبالمناسبة قد يولد كثير من القادة ويموتون دون أن يتوصلوا إلى هذا الشرف لعدم وجود الظرف المناسب، فهم كمثل حبة لم تزرع في تربتها..
إن من شروط ظهور القائد بالإضافة طبعاً لما يتمتع به من صفات شخصية تؤهله، أن يعطي نفسه كلها في العمل من أجل الوصول إلى الهدف المبتغى، أي يترك كل شيء جانباً ويمارس كل ما يمكن أن يقربه من هدفه القيادي.. فما يميز القائد إيمانه العميق بنبل وأهمية طموحاته الكبيرة وتطلعاته الجامحة لتحقيقها، بحماس كبير وطاقة لا تنفذ، يتمتع بثقة عالية لمواجهة الحقائق المرة التي يتهرب منها الكثيرون، فهذه الثقة لا تشبهها ثقة العاديين، فاليأس قد يأّس الطريق إلى قلوب هؤلاء، فالقائد يبني طموحاته وأهدافه على قيم ومبادئ يؤمن بها بقوة قد تصل لحد الكمال عند بعضهم، فيخلص لها تماماً، ويحاول ما أمكن تحقيقها بإرادة لا تهدأ، يوظف لها كل ما يستطيع، حيث يعتنق التغيير منهجاً مستشرفاً المستقبل برؤية واضحة تماماً..
أما المدير يستمد قوته من السلطة الموكلة إليه ولوائح تنفيذها والخدمات معينة مرسومة مسبقاً لهم.. فمهمته الأولى تنسيق الجهود البشرية والفنية من تخطيط وتنظيم وتوجيه وترشيد الطاقات وتحفيزها، لاستثمارها في عوائد مادية عادة أو أهداف إنسانية أخرى؛ وذلك بإنجاز الأعمال وتحسين الأداء للوصول إلى هامش ربحي، وإدارة الظرف الاقتصادي والموارد التي تصب في صالح هذه المؤسسات الإنتاجية أو الخدمية لتكون مؤسسات منجزة في المقام الأول، وعادة ما تركز على حل المشاكل الوظيفية والتنظيمية والفنية، التي تعترض طريق جهودها وأهدافها، معتمدة على الموارد المادية في ذلك.. وهذا فن قد يتدرب عليه الكثيرون ويتعلمه قسم كبير من الناس ليصبحوا إداريين ناجحين في مؤسساتهم..
ففي السنوات الأخيرة، بدأ التوجه إلى العمل الإداري المشترك كفريق عمل واحد.. ومن الأخطاء المخفقة للأعمال، محاولة المدير إخضاع مرؤوسيه لأوامره، وخاصة البعض منهم يحاول جاهداً التنفيذ الحرفي للنظم واللوائح ولا ينحاز عنها، فيبقى منغلقاً لا يستطيع الاستفادة من خبرة الآخرين وآرائهم، كما أنه يضغط على شركائه بالعمل بطريقة منفرة طاردة لهم، عندما يغلق باب الحوار والنقاش والمشاركة، وهكذا يظهر مصطلح تسريب القدرات، فينتقل هؤلاء باحثين عن مكان يظهرون فيه قدراتهم ويجدون فيه احتراماً لآرائهم ..
وقد يكون عاملاً مشتركاً بين المدير الناجح والقائد الناجح أن يشارك من حوله، فيكونون له شركاء في القرار وفي العمل، فيستفيد من علومهم وخبراتهم فيطمئنوا له بإشعارهم أنهم شركاء في القرار وفي النتائج، فيكون الإنتاج أفضل للمدير والنجاح أجمل للقائد.. وهنا قد تظهر شخصية القائد المدير، إلا أنه لابد من وجود كفاءة مناسبة للقيادة والإدارة معاً وقدرات على اتخاذ القرار المناسب.. كما أن المغريات عند مقدم الخدمات أي الإدارة هي العامل الأول الذي يلعب الدور الرئيس في تقديمه خدمات أفضل، وبذلك إنتاج أكثر وعائد مالي أكبر، وهنا يختلف عنه عند حوافز مشاركي القرار القيادي، فعادة ما تكون حوافزهم عاطفية بالدرجة الأولى، وتتعلق بما يتمنونه من نتائج تعكس لهم أسلوب حياة آخر، فالأهداف هنا مشتركة ولكن القائد يقوم بتحريكها وإثارتها وتحفيزها في نفوسهم، فيؤثر فيهم ليكونوا جاهزين للتضحية بأنفسهم لأجل ذلك..
فإذا ما أردت أن تتميز عن غيرك أكثر، فما عليك إلا بذل جهود أكبر، فإن أكبر خطأ أن تخاف من الوقوع في خطأ.. فعدم نجاحك مرة لا يعني نهاية الطريق، بل بمحاولة جديدة تستكشف طرق أخرى تؤدي إلى نتيجة أفضل.. فلتكن القدوة في إعطاء المثال الأجمل لمن حولك…