انبثق تنظيم «داعش» من تنظيم «القاعدة في العراق» الذي أسسه أبو مصعب الزرقاوي عام 2004م
“داعش” تنظيم مسلَّح يتبع الأفكار السلفية الجهادية ويتواجد أفراده بشكل رئيس في العراق وسورية
إن الحديث عن «تنظيم الدولة الإسلامية» المعروف اختصاراً بـ «داعش» كمن يخوض في بحر لجي متلاطم الأمواج، وكمن يسير في حقل مليء بالألغام، فهذا التنظيم اليوم جعل منه المجتمع الدولي فزَّاعة لإخافة الأنظمة وإرهابها، وكابوساً ينغص على الناس حياتهم واستقرارهم، مصوراً هذا التنظيم وكأنه هبط علينا من كوكب آخر، يتزيَّا أفراده بأشكال غير أشكالنا، ويدين أفراده بمعتقد متطرف لا يمت إلى ديننا الإسلامي الحنيف بأي صلة، ويقوم أفراده بأفعال تخالف النواميس البشرية التي اعتدنا عليها منذ قرون.
نشأته: وحتى تكتمل الصورة لابد لنا ونحن نتحدث عن هذا التنظيم من ذكر نشأته ومكان تواجده.
لقد انبثق تنظيم «داعش» من تنظيم «القاعدة في العراق» الذي أسسه وبناه أبو مصعب الزرقاوي في عام 2004م، عندما كان مشاركاً في قوات المقاومة ضد القوات التي تقودها الولايات المتحدة والحكومات العراقية المتعاقبة في أعقاب غزو العراق عام 2003م.
لقد تسمى الدواعش باسم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» الذي تم اختصاره بجمع الأحرف الأولى من الكلمات لتصبح «داعش»، اسم آخر لها يتم تداوله في المناطق التي يسيطر عليها في سورية، حيث بات المواطنون يرمزون إلى التنظيم بكلمة «الدولة»، وهو تنظيم مسلح يتبنى الفكر السلفي الجهادي (التكفيري)، ويهدف المنضمون إليه إلى إعادة ما يسمونه «الخلافة الإسلامية وتطبيق الشريعة».
وأثار هذا التنظيم المتطرف جدلاً طويلاً منذ ظهوره في سورية، حول نشأته، وممارساته، وأهدافه وارتباطاته؛ الأمر الذي جعله محور حديث الصحف والإعلام، وما بين التحاليل والتقارير، ضاعت هوية هذا التنظيم المتطرف وضاعت أهدافه وارتباطاته بسبب تضارب المعلومات حوله، فئة تنظر إليه كأحد فروع «القاعدة» في سورية، وفئة أخرى تراه تنظيماً مستقلاً يسعى لإقامة دولة إسلامية، وفئة ثالثة تراه صنيعة النظام السوري للفتك بالمعارضة وفصائلها، وفئة رابعة تعتبر أن للتنظيم دوراً في تقسيم المنطقة وضرب الثورات العربية وتفكيك دول المنطقة وإعادة رسم خارطة شرق أوسط جديد، وبين هذا وتلك وذاك.. من هو «داعش»؟
“داعش” هو تنظيم مسلَّح يتبع الأفكار السلفية الجهادية، ويهدف أعضاؤه – حسب اعتقادهم – إلى إعادة «الخلافة الإسلامية وتطبيق الشريعة»، ويتواجد أفراده وينتشر نفوذه بشكل رئيس في العراق وسورية، وبايعه عدد من التنظيمات والحركات المتطرفة والتكفيرية في كل من جنوب اليمن وليبيا وسيناء (شرقي مصر) والصومال وشمال شرق نيجيريا وباكستان، وزعيم هذا التنظيم، كما أعلن، هو أبو بكر البغدادي الذي أُعطي لقب “أمير المؤمنين وخليفة المسلمين“
ودخل هذا التنظيم سورية في أواخر السنة الثانية من عمر الثورة السورية، وتمكن تدريجياً من أن يوجد لنفسه موطئ قدم في بعض المناطق السورية التي حررها الجيش الحر «الرقة، وإدلب، ودير الزور، وحلب»، وتمكن من إيجاد حاضنة شعبية له في تلك المناطق من خلال دعواه بأنه يهدف إلى إسقاط النظام السوري، وإقامة دولة إسلامية تحكم بشرع الله، وقد استهوت هذه الدعوة عواطف الناس وخاصة فئة الشباب الذين راحوا ينتسبون إلى هذا التنظيم ويخضعون طواعية إلى عملية «غسل دماغ» من غير أن يشعروا وكأنهم قد نُيِّموا مغناطيسياً، لنجد أن هذا التنظيم الذي بدأ بمجموعة صغيرة أجنبية وفدت إلى البلاد لا تعد أكثر من بضع مئات محصورة في منطقة ضيقة على الشريط الحدودي مع تركيا في محافظة إدلب، قد أصبح بالآلاف ومنتشراً في معظم الأراضي السورية.
وفي هذا السياق، أذكر أنه زارني في الأردن قبل رحيلي عنها في عام 2013م قائد لواء أحرار سورية، وهو من بلدتي عندان اسمه علي بللو، ولم أكن أعرفه من قبل، وقد سهلت له عدداً من المقابلات الصحفية في عمَّان، وكان يقول عن «تنظيم الدولة»: إنه مجموعة لا يزيد عدد أفرادها عن 800 مقاتل، معظمهم أجانب، وهم محاصرون في شريط حدودي بالقرب من قرية «قطمة» في محافظة إدلب، وبإمكاني أنا منفرداً القضاء عليهم في يوم واحد، وقد اختطفه «داعش» عام 2013م ولا يُعرف مصيره حتى الآن.
ويتواجد «داعش» اليوم ويسيطر على مناطق في محافظات الرقة وحلب وريف اللاذقية ودمشق وريفها ودير الزور وحمص وحماة والحسكة وإدلب، ويتفاوت التواجد والسيطرة العسكرية من محافظة لأخرى، فالتنظيم لديه مثلاً نفوذ قوي في محافظة الرقة وفي بعض أجزاء محافظة حلب ولديه نفوذ أقل في حمص واللاذقية.
المعتقدات وأيديولوجية التنظيم
تنظيم «داعش» هو تنظيم سلفي، يتَّبع تفسيراً متشدِّداً للإسلام، يشجع على العنف باسم الدين، ويعتبر الذين يخالفونه في معتقداته وتفسيراته للإسلام كفاراً، وهو يوجه هذا الاتهام لكل الحركات الإسلامية التي تتعارض معه، كما يوجه نفس الاتهام إلى كل فصائل وقوى الجيش الحر والثورة السورية.
كيف يتعامل «داعش» مع سكان المناطق التي تقع تحت سيطرتها؟
يفرض «داعش» على أهالي المناطق التي يسيطر عليها اعتناق الإسلام حسب اعتقاده وتفسيراته للمذهب السُّني أو دفع الجزية، العديد من التقارير كشفت أن التنظيم استعمل تهديدات القتل، والتعذيب لفرض تحويل غير المسلمين للإسلام، وعن قتل بعض الشيوخ لرفضهم إعطاء البيعة لـ «الدولة الإسلامية» المُدَّعاة.
وأصدر «داعش» وثيقة تحوي مجموعة من القواعد التي تستهدف المدنيين في مناطق تواجده، ومن بين قواعدها أن المرأة يجب أن تبقى في المنزل ولا تخرج إلى الشارع ما لم يكن ضرورياً وبصحبة محرم، وقال بند آخر: إن عقوبة السرقة تكون قطع اليد، وبالإضافة إلى العرف الإسلامي الذي يحظر بيع وتعاطي الخمر والكحول فإن «داعش» حظر بيع واستخدام السجائر والشيشة، وحظر أيضاً الموسيقى والأغاني في السيارات والمحلات التجارية، وأمام الملأ، وكذلك صور الأشخاص في واجهات المحال التجارية.
كما عين «داعش» في الرقة عدداً من القضاة تشمل مهامهم إنشاء الشرطة الدينية، وفرض الحضور في الصلاة، واستخدام واسع لعقوبة الإعدام، وتدمير الكنائس المسيحية والمساجد غير السُّنية أو تحويلها إلى استخدامات أخرى.
ولقد قام «داعش» بتنفيذ عمليات إعدام على كل من الرجال والنساء الذين كانوا متهمين بأعمال مختلفة، وأدينوا بارتكاب جرائم ضد الإسلام مثل الشذوذ الجنسي، والزنا، ومشاهدة المواد الإباحية، واستخدام وحيازة الممنوعات، والاغتصاب، ونبذ الإسلام والقتل، وقبل أن يتم تنفيذ العقوبات بحق المتهمين تتم قراءة التهم الموجهة إليهم وبحضور مجموعة من المشاهدين، وأما عقوبة الإعدام فتتخذ أشكالاً مختلفة، بما في ذلك الرجم حتى الموت، والصلب، وقطع الرؤوس، وحرق الناس أحياء، ورمي الناس من البنايات الشاهقة، أو خنقهم بواسطة الماء.
ويقوم «داعش» بتجنيد الأطفال وإرسالهم إلى معسكرات التدريب العسكرية والدينية؛ حيث يتدربون على قطع الرأس على الدمى، ويلقنون وجهات النظر الدينية وفقاً لأفكار «داعش»، ويتم استخدام الأطفال كدروع بشرية في الخطوط الأمامية، ويستخدمون لعمليات نقل الدم منهم لمقاتلي «داعش»، كما أن أطفالاً تقل أعمارهم عن 15 عاماً يوجَّهون إلى مخيم الشريعة لمعرفة المزيد عن الدين، في حين أن كبار السن ممن هم فوق 16 عاماً يوجَّهون إلى معسكر للتدريب العسكري.
معاملة «داعش» للإعلاميين
خلال أقل من عام على مرور إعلان ما يسمى بدولة الخلافة، أعدم «داعش» 2618 شخصاً، من بينهم قرابة 1500 من المدنيين، و139 شخصاً ينتمون لـ «داعش»، وأُعدموا بتهمة عملهم لدى وكالات أنباء ومحطات تلفزيونية أجنبية، وبتهمة الغلو والتجسس لصالح دول أجنبية عند محاولتهم العودة إلى بلدانهم، ومن بينهم سوريون وعراقيون وأجانب، ويستخدم «داعش» قطع الرؤوس لترهيب السكان المحليين، حيث أصدر سلسلة من أشرطة الفيديو الدعائية، وبث التنظيم عمليات إعدام علنية وجماعية، واحتوت بعضها على سجناء أجبروا على حفر قبورهم بأيديهم قبل إعدامهم، وكذلك أعدم عشرات المقاتلين السوريين المنتمين للجيش الحر، من بينهم نحو 100 مقاتل من حركة أحرار الشام حاولوا مغادرة الرقة، ومئات الجنود التابعيين للجيش السوري، كما فجروا في عمليات انتحارية العديد من مقرات قيادات الجيش الحر.
تدمير المساجد والآثار التاريخية
دمر «داعش» الكثير من المساجد التي تضم بعض الأضرحة التي تنسب لبعض الأنبياء أو الصالحين، كما دمر العديد من المعالم الأثرية لتاريخ سورية الذي يمتد لأكثر من عشرة آلاف عام في كل من الرقة وتدمر.
تقاطع المصالح بين الأسد و»داعش»wلقد كان وجود «داعش» يتركز على اغتصاب المناطق والأراضي التي حررها الثوار والجيش الحر، فيما كان يتحاشى الاقتراب من المناطق التي يسيطر عليها النظام وشبيحته ويتجنب الاصطدام معه، وكثيراً ما كان يستغل فرص الاشتباك بين جيش النظام والجيش الحر ويطعن الثوار من الخلف؛ الأمر الذي كان يجبر الثوار على الانكفاء وترك الأراضي والمناطق التي حرروها ليحتلها «داعش»، كما عمل النظام على تسليم مناطق واسعة من سورية عندما كان يجد نفسه غير قادر على حمايتها والثبات فيها ويتوقع وقوعها بيد الثوار، وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد سلم النظام السوري في 5 مارس 2013م مدينة الرقة لـ «داعش»، كما انسحب جيش النظام من بلدة خان العسل في ريف حلب في 27 يوليو 2013م وسلمها لـ «داعش»، وعمل بعد ذلك على الانسحاب من العديد من آبار النفط في الجزيرة والصحراء السورية ليسيطر عليها «داعش»، في مقابل مرور النفط إلى مناطق نفوذ النظام.
وافتعلت معركة عين العرب (كوباني) عندما سيطر على المدينة خلال ساعات قليلة، وأجبر الآلاف من سكانها إلى النزوح إلى الأراضي التركية لخلق مشكلة بين الأتراك والأكراد، وقام تحالف دولي ضده وتمكن من إخراجه من عين العرب بعد ستة أشهر.
وحاول «داعش» استعادة مدينة أعزاز الحدودية مع تركيا شمال الريف الحلبي بعد خسارته لها للسيطرة على معبر السلامة ولكن الجيش الحر والثوار تمكنوا من دحره.
مصادر التمويل
أعلنت منظمة Financial Action Task Force خمسة مصادر مالية لتنظيم الدولة الإسلامية استناداً للبحوث التي أجرتها عام 2015م:
– المصادر المالية التي حصل علیها من خلال احتلال الأراضي؛ كالسيطرة على البنوك والاحتياطيات من النفط والغاز، وفرض الضرائب على المدنيين والابتزاز والسرقة.
– الاختطاف للحصول على فدية مالية.
– مساعدات من خلال المنظمات غير الربحية.
– الدعم الأجنبي والمعدات التي توفر لمقاتلي «داعش».
– الحصول على رأس المال من خلال شبكات الاتصال الحديثة.
وفي هذا الشأن كتبت صحيفة «التايمز» البريطانية أیضاً، تقول: إن تجارة البشر واحدة من أهم مصادر التمويل لدى تنظيم الدولة الإسلامية.
تجنيد المقاتلين
بناء على شهادات ميدانية، فإن «داعش» يتبع الأساليب والطرق التالية في تجنيد مقاتليه:
– هناك شبكة وسطاء واسعة على الإنترنت وعلى الأرض تنتشر في الدول المحيطة بسورية كلها، مهمتهم فقط التواصل مع المجند ونقله من بلده إلى الداخل السوري.
– الفئة المستهدفة هي الشباب الصغير المتحمس والصادق والمخلص والمشحون طائفياً، ويفضل أن يمتلك مؤهلات تقنية، ولكنه جاهل تماماً بالإسلام إلا المظاهر الشكلية والتفكير السطحي الطفولي.
– بعد دخوله سورية يتم تسليمه للجنة أمنية مسؤولة عن التدريب وبعد التحقق من شخصيته، ويملك «داعش» طرق معقدة في ذلك، حيث تجريده من أي وثائق سفر أو تعريف بشخصيته أو أي طرق للتواصل مع الخارج، ويتم وضعه في فيلا فخمة بطعام مناسب ووضع مريح، ويخضع لدورات مكثفة ثقافية، تعتمد المناهج على الشحن النفسي أو ما يسمى غسيل الدماغ، حيث يتم وضعه في قوقعة منفصلة عن الواقع، وإفهامه أنه هو الحق، وأن «داعش» هو فقط الفرقة الناجية، وأن الآخرين كفار ومرتدون وتخلوا عن الإسلام وإقامة الخلافة.
– ويتم غسل دماغه بتكرار كلمات محددة بعشرات الآلاف من المرات؛ من أمثال: كفار مشركون مرتدون.. حتى يبدأ يعتقد تماماً أن أمه وأباه كفار مشركون مفرطون في الدين.
– بعدها ينتقل المجند للتدريب العسكري، وسمته الأساسية أنه شاق جداً ومرهق نفسياً وجسدياً، ويؤدي بالمتدرب إلى أن يصبح مستسلماً تماماً للأوامر التي يصدرها القادة وينفذ بدون تفكير.
– أخيراً يصل المتدرب لمرحلة الاختبار الوهمي، وهو إرساله في سيارة مفخخة وهمية أو إلباسه حزاماً ناسفاً وهمياً وهو طبعاً لا يعرف، ويؤمر بتنفيذ عملية محددة وهمية، لو تردد للحظة واحدة في تنفيذها هنا يتم اعتقاله والتحقيق معه حتى يتأكدوا من خلفيته مرة أخرى، ونتيجة التحري إما يقتل لو كان يوجد شك في ولائه، وإما تتم إعادته مرة أخرى لإعادة البرنامج من أوله.
وفي النهاية سيصبح هذا المتدرب إنساناً بلا هوية، مشحوناً طائفياً ونفسياً، وجاهزاً لتنفيذ أي شيء، ولقتل أي إنسان يخالف فكره ومرجعيته.
وبعد أن يتم إدماج المجند في العمل يتم تصنيفه نفسياً وجسدياً حسب مؤهلاته، وفي أي اختصاص يمكن أن يعمل أفضل، وماذا يحتاج من أمور لتحفيزه على العمل.