لعب النفط الصخري دوراً مؤثراً في أسواق النفط العالمية خلال السنوات القليلة الأخيرة، حيث توسعت عدة دول في إنتاجه ليبلغ حجم هذا الإنتاج في الوقت الحالي ما بين 4 إلى 5 مليون برميل يومياً.
ورغم أن طفرة النفط الصخري لها عدة سنوات إلا أن المعلومات بشأنه مازالت متضاربة بين الخبراء والمحللين وأصحاب الاختصاص لكن المؤكد أن هذه الطفرة لها تداعيات وساهمت في انهيار أسعار النفط بشكل أو بآخر.
وإن كانت دول قليلة يأتي على رأسها الولايات المتحدة الامريكية وكندا هي من تتعامل مع النفط غير التقليدي سواء الصخري أو الرملي إلا أن هذا النوع من النفوط ونجاحاته فتح شهية العديد من الدول لاكتشاف هذا الذهب الأسود الجديد مثل الصين والأرجنتين وروسيا والمملكة العربية السعودية.
وأكد عدد من الخبراء والاختصاصيين في لقاءات متفرقة مع وكالة الأنباء الكويتية (كونا) اليوم تأثير ودور النفط الصخري في هبوط أسعار النفط، مشيرين إلى وجود عوامل أخرى ساهمت بشكل كبير في تراجع أسعار النفط حالياً والتي خسر البرميل معها نحو 70 في المئة من قيمته منذ يونيو 2014.
وأجمع هؤلاء الخبراء على أن الأسعار الحالية للنفط لن تستمر طويلاً عند مستوياتها الحالية، وأنها سترتفع خلال الفترة المقبلة، بيد أن تقديراتهم لتكلفة إنتاج برميل النفط الصخري تباينت معدلاتها ما بين 40 و 70 دولاراً للبرميل.
وقال الخبير النفطي ومدير إدارة الأبحاث السابق في منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) الدكتور حسن قبازرد: إن أسعار النفط الحالية ليس لها تأثير كبير على إنتاج النفط الصخري، وإن كان هناك بعض الشركات أغلقت وتوقفت في بداية أزمة الأسعار لكن أعقب ذلك ترتيب الشركات المتبقية لعملها بما يتناسب مع الأسعار المنخفضة.
وأشار قبازرد إلى اندماج عدة شركات مع بعضها، إذ قامت بتخفيض مصروفاتها وتسريح عدد كبير من موظفيها، معتبراً أن التطور التكنولوجي الحاصل في إنتاج النفط الصخري ساعد هذه الشركات في الاستمرار والمنافسة، حيث زادت كفاءة الحفر وعمليات الإنتاج بعد انخفاض أسعار الحفارات نتيجة تراجع أسعار النفط.
وأوضح أن عدد الحفارات في الولايات المتحدة ارتفع خلال الأسابيع الأربعة الماضية، إذ توقع مستثمرون في النفط الصخري عودة الأسعار للارتفاع مرة أخرى وأن الانخفاض الحالي هو لفترة مؤقتة.
وأفاد بأن عدد الشركات العاملة في النفط الصخري بلغ 58 شركة حالياً وزاد إنتاجها خلال العام الماضي بنسبة 19 في المئة، كما خفض ميزانياتها بنحو 22 مليار دولار، موضحاً أن انتاج هذه الشركات من النفط الصخري زاد خلال الربع الثاني من العام الحالي بنحو 4 في المئة فقط.
وقال قبازرد: إن الإنتاج في ولاية (نورث دكوتا) الأمريكية زاد بنحو 100 ألف برميل من 1.1 مليون برميل يومياً إلى نحو 2.1 مليون برميل خلال شهر يوليو الماضي.
وذكر أن تكلفة إنتاج برميل النفط الصخري كانت تتراوح ما بين 50 إلى 80 دولار للبرميل، ولكنها انخفضت إلى ما بين 20 الى 40 دولار للبرميل وذلك جراء التطور التقني والفني في الإنتاج وخفض المصروفات إلى جانب طبيعة الحقل نفسه.
وحول كمية إنتاج النفط الصخري في العالم، أفاد بأنها بلغت حالياً نحو 4 ملايين برميل يومياً، مشيراً إلى أثر ذلك على أسعار النفط، حيث زاد من المعروض والفائض وبالتالي انخفضت الأسعار وفقاً لمعادلة العرض والطلب.
وتوقع أن يصل حجم إنتاج النفط الصخري في 2018 إلى نحو 6 ملايين برميل يومياً ومن ثم يعقبها فترة ثبات في الإنتاج، ويليها بعد ذلك فترة انخفاض، موضحًا أن تلك التوقعات تتوقف على مدى نجاح دول أخرى غير الولايات المتحدة في إنتاج النفط الصخري بكميات كبيرة.
وذكر أن أسعار النفط يتحكم بها عدة عوامل مختلفة، مشيراً إلى خسارة بعض الشركات والدول حالياً من انتاج النفط مثل كندا التي تخسر نحو 10 دولارات في البرميل الواحد، حيث إن تكلفة برميل النفط الرملي الذي تنتجه كندا تبلغ نحو 40 دولاراً في حين تبيعه بنحو 30 دولاراً.
وفي هذا الصدد أشار بخضور إلى دور الاقتصاد الصيني كأحد أهم عوامل التحكم في أسعار النفط، معتبراً أن للصين إستراتيجية خاصة أدت إلى انخفاض الأسعار في الوقت الحالي.
واستدرك بالقول: إن للصين في المقابل برامج تستهدف زيادة إنتاج المنشآت الصناعية في 2016 “وهو ما يتطلب المزيد من النفط وبالتالي ارتفاع الأسعار”.
من جهته، قال عضو هيئة التدريس في كلية الدراسات التكنولوجية (الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب) الدكتور أحمد الكوح: إن الوضع الحالي للأسعار وهبوطها إلى ما دون 40 دولاراً كان متوقعاً بسبب الصراع الحالي الذي يحدث في السوق النفطية.
وأوضح الكوح أن التوقعات كانت تشير إلى خفض دول (أوبك) لإنتاجها وتبقي على النفط الصخري والنفط الروسي لتعويض الخسائر، مؤكداً أن إصرار منظمة (أوبك) على إبقاء سقف الإنتاج بدأ يظهر “الضرر الحاصل على الإنتاج الصخري الذي مازال صامداً أمام الأسعار المنخفضة حالياً”.
وأضاف أن ما يزيد الوضع سوءاً هو القرار الأمريكي برفع الحظر عن تصدير النفط الأمريكي، لافتاً إلى وجود صراع داخلي في البرلمان الأمريكي (الكونجرس) بين منتجي النفط وملاك مصانع التكرير، حيث يحاول المنتجون رفع الحظر والسماح للنفط الصخري الأمريكي بالتصدير للخارج، في حين يحاول ملاك مصانع التكرير إبقاء الحظر للإبقاء على الأسعار المحلية منخفضة.
وذكر أن بعض حقول النفط الصخري مثل (باكن) و(ايقل فورد) مازال الإنتاج لديها مرتفعاً في الأشهر السابقة جراء توجه ملاك تلك الحقول إلى الحفر في أفضل الأماكن ذات التكلفة العالية والإنتاج الإفضل، في حين تقوم شركات أخرى بخفض تكاليف الحفر وتقليل عدد أيام الحفر من 15 يوماً إلى 13 كمتوسط.
وحول تكلفة إنتاج برميل النفط الصخري أفاد الكوح بأنها تتراوح ما بين 40 إلى 70 دولاراً للبرميل، موضحاً أن التكلفة تختلف من مكان إلى آخر، حيث يعتبر اللاعب الأساسي الحالي هو تكلفة الإنتاج والتقليل من هذه التكلفة “من أجل البقاء في هذا السوق المضطرب”.
وتوقع هبوط سعر برميل النفط إلى 30 دولاراً، مشيراً إلى أنه في هذه الحالة سيكون هناك انهيار لسوق النفط الصخري الأمريكي “ولكن بقاءه بحدود الـ 40 دولاراً يعطي أملاً لهذه الشركات النفطية الصغيرة بالبقاء والمنافسة في السوق النفطية”.
وأبدى استغرابه من الهجوم الذي توجهه الشركات والإعلام الغربي لدول (أوبك) والادعاء بأن دول المنظمة هي المتضررة بشكل كبير من هبوط الأسعار، موضحًا أن هؤلاء تناسوا الخسائر التي أصابت شركات النفط الصخري والاندماجات الكبيرة التي تشاهد من وقت إلى آخر.
وقال الدكتور الكوح: “صحيح أن دول أوبك تضررت ولكن الجميع تضرروا في هذا السوق المشترك”، موضحاً أن دول (أوبك) خاضت هذه التجربة المريرة في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي عندما انحدرت الأسعار إلى مستوى تسعة دولارات و”تعلمت الدرس”.
وأضاف في هذا الصدد أن منهجية منظمة (أوبك) في هذه الأزمة “يعتبر من أفضل الخطوات من أجل تقليل الخسائر في ميزانياتها الحالية والقادمة”، متوقعاً انخفاضاً أكبر في أسعار النفط عقب عودة النفط الإيراني إلى الأسواق وتراجع الاقتصاد الأسيوي وخصوصاً الصين.