كنت في ندوة قبل أيام، وقد أثار دهشتي، قول أحد الإخوة لما قال في ثنايا كلامه: الإسلام الأوروبي له خصائصه ومزاياه.
وفي الحقيقة، الإسلام هو الإسلام، لا يتغير ولا يتبدل ولا يتشعب، هو دين الله تعالى، الذي أوحاه إلى خاتم أنبيائه ورسله، سيدنا محمد بن عبد الله – صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه أجمعين – متمثلاً بالوحيين الأصليين، كتاب الله تعالى وكلامه، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، تنزيل من عزيز حكيم، وصحيح سُنة نبينا ورسولنا، وهذا الإسلام، له جملة من الخصائص العامة، التي تستوعب الزمان والمكان، لذا كان صالحاً للتطبيق في كل زمان ومكان؛ (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) (آل عمران:19).
ومن خصائصه، الربانية والشمول والوسطية والمرونة، وغير ذلك من الخصائص، التي تحدث عنها العلماء، في ثنايا بعض الكتب، وبعضهم أفرد لها مؤلفاً.
من هنا لا يوجد تعدد للإسلام، بل تنوع لخصائصه، فلا نقول: الإسلام الأوروبي، والإسلام الأفريقي، والإسلام الأمريكي، والإسلام الآسيوي، والإسلام العربي، والإسلام الأعجمي، ثم نقول: الإسلام الصوفي، والإسلام السياسي، والإسلام الوسطي، والإسلام الاجتماعي، إلى غير ذلك مما يرد من تقسيمات، فهذا التقسيم بهذه الصور خطر عقدي تروج له بعض دوائر الذي يريدون بديننا شراً، رغم ثقتي ببعض الذي يرددون هذا عن حسن نية وضعف تقدير، ومنهم هذا الأخ الذي أشرت له في مقدمة المقال.
فهذا التعديد للإسلام يمثل حالة خلل في الثقافة الإسلامية، يبرهن على نقص تصور عن معرفة الإسلام، والإسلام من خصائصه أنه دين شامل، فنتحدث عن نظم مختلفة في الإسلام الواحد؛ كالنظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وغير ذلك من الأنظمة.
كما يرتكب خطأ من يقول: الإسلام الحنفي، والإسلام المالكي، والإسلام الشافعي والحنبلي، فهذه مدارس فقهية رائدة، نشأت في ظلال الإسلام، واستمدت اجتهاداتها وتفريعاته من معين مصادره، وللعلماء كلام طويل عن المذهبية الفقهية، وكيف نفهمها، وكيف نتعامل معها، وللدكتور القرضاوي كتاب صغير في حجمه، عظيم في معانيه، غاية في الروعة، يوضح التصور السليم حول هذه المسألة، بعنوان: “الصحوة الإسلامية.. بين الاختلاف المشروع والتفرق المذموم”، والإمام البنا – رحمه الله – له كلمات رائعات مؤصلات في المسألة، كرر الكلام عنها، في مواضع مختلفة من رسائله، ومنها رسالة “التعاليم”.
وفي العودة إلى كلام الأخ آنف الذكر، يسعنا أن نقول: المسلمون في أوروبا، والمسلمون في آسيا، والمسلمون في الشرق، وفي الغرب، كما نعبر بروح البحث عن خصائص الإسلام، فنقول: وسطية الإسلام، إذ لا يوجد إسلام وسطي، وإسلام غير وسطي، ولكن يوجد فهم للإسلام فيه غلو، وفهم سليم يخلو من ذلك، ونقول أيضاً: بأن الإسلام موجود في كل بقاع الأرض.
من هنا يمكن تصحيح عبارة الأخ الكريم، بأن نقول مثلاً: المسلمون في أوروبا لهم ظروفهم وأوضاعهم ومشكلاتهم وخصائصهم، التي يجب أن ينظر إليها بعين التميز، جذراً وحلاً، فهذا كلام سليم، ويحتاجون إلى من يفهم واقعهم، ويفتي لهم بناء على هذا، فالعرف لا ينكر تأثيره على تبدل الأحكام، كما نص العلماء على هذا، وهذا أمر لا مرية فيه، لأن مشكلات الناس تختلف من مدينة إلى أخرى، بل من قرية إلى أخرى، فمن باب أولى أن تكون متباينة من قارة إلى قارة أخرى، وفي هذا يقول علماؤنا، كجزء من هذا المفهوم: “العادة محكمة”.
ومن الجهود الطيبة في هذا المجال، نجد روعة ذلك التأسيس لمجلس الإفتاء الأوروبي الذي جاء تلبية خصوصية لمثل هذه الحاجة.