في هذا العام حتى أبريل لقي 1700 من المهاجرين حتفهم في البحر المتوسط، بينهم 800 ماتوا في يوم واحد في 19 أبريل حينما غرقت سفينتهم في البحر بين ليبيا وإيطاليا؛ حيث تقوم أعداد هائلة برحلات طويلة ومحفوفة بالأخطار بحثاً عن «الأمان» في أورونا، وتتضاعف أعداد الهاربين من سورية وأفريقيا الذين يصعدون على متن قوارب الموت في البحر، خاصة مع تحسن الجو في الصيف، ومعظمهم ينطلقون من ليبيا ولكن أيضاً من مصر وتركيا.
وفي حين تبحث الأطراف الدولية والأوروبية عن حلول في البحر، تتعامى عن الحل الجذري في البر لمعاناة الشعوب بإنهاء الاحتلال العسكري والاقتصادي، وإزالة الأنظمة الاستبدادية، وإرجاع حق الشعوب في الحرية والعدالة والكرامة والديمقراطية.
قصة «دعاء»
فرّت دعاء الزامل، البالغة من العمر 19 عاماً، من منزلها في سورية على أمل إيجاد الأمان ومستقبل أفضل، ولكن انتهى بها الأمر إلى صراع يائس، فبعد أربعة أيام على إبحار السفينة، اعترضتها باخرة، تتذكر دعاء قائلة: طلب منا الأشخاص على متن الباخرة التوقف، ورمونا بالقطع الحديدية والأخشاب، وشتموا ربان السفينة التي كنا على متنها، لم تتوقف سفينتنا، فطوقوها وصدموها، وانتظروا حتّى غرقنا ثم غادروا.
غرقت السفينة في دقائق معدودة، وقالت دعاء: تمسك بعض الأشخاص بالحبال المتدلية من سارية السفينة لإنقاذ أنفسهم، والبعض الآخر قطّعت أجسامهم إرباً برفاصها عندما سقطوا في المياه، وغرق معظمهم، وجدت دعاء نفسها في المياه مع مائة ناجٍ تقريباً، تمسكت بحبل نجاة وأخذت تبحث عن خطيبها، ثم أدركت أنه غرق على الأرجح مع السفينة، طفا الناجون لثلاثة أيام في البحر المتوسط من دون طعام أو ماء، وسرعان ما بدؤوا يموتون، بدأ الناس يطلبون من دعاء الاعتناء بأطفالهم، أعطى رجل دعاء حفيدته التي عمرها عام واحد، فربطتها دعاء بحزام النجاة الخاص بها، ثم أتت أم بطفلتها البالغة من العمر 18 شهراً وابنها البالغ ستة أعوام وطلبت مني الاعتناء بطفلتها فأبقيتها معي أيضاً، ورأيت الجد والأم وابنها يموتون.
قالت دعاء: إن إصرارها على إنقاذ الطفلين زاد إصرارها على البقاء على قيد الحياة، وتم إنقاذها من قبل باخرة تحمل علم ليبيريا: توفيت الطفلة التي تبلغ من العمر عاماً واحداً قبيل إنقاذنا، ونُقلنا إلى جزيرة كريت، أما الطفلة الأخرى فتم إنقاذها وقد تعافت، لا تزال تستذكر الصدمة التي عاشتها في 10 سبتمبر 2014م عندما غرقت السفينة التي كانت تنقل دعاء وأكثر من 500 شخص آخر، بينهم الكثير من النساء والأطفال، قبالة الساحل الشرقي لمالطا؛ ولم ينجُ سوى 11 شخصاً(1).
هجرة وموت بالآلاف
وفي العام الماضي، قدرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن حوالي 3400 شخص لقوا حتفهم أو فُقدوا في البحر المتوسط حتى نوفمبر 2014م، وحتى ذلك التاريخ وصل أكثر من 200 ألف لاجئ ومهاجر (160 ألفاً استقبلتهم إيطاليا، والباقي في اليونان، نصفهم من سورية وإريتريا) عن طريق البحر الأبيض المتوسط، من بينهم 12 ألف طفل غير مصحوب بعائل(2)!
وخلال الأشهر الستّة الأولى من عام 2015م عبر 137 ألف شخص البحر المتوسط إلى أوروبا، وقد كان ثلث هؤلاء الرجال والنساء والأطفال من سورية، والباقي من إريتريا والعراق والصومال وأفغانستان ودول أفريقية، ويصل قرابة ألف لاجئ يومياً إلى الجزر اليونانية، وتتابع غالبية اللاجئين انتقالهم محاولة الوصول إلى بلدان في غرب وشمال أوروبا من خلال منطقة غرب البلقان، وتزايد عدد الأشخاص الفارين من النزاع من سورية والذين يبحثون عن الأمان في بلدان تقع خارج نطاق المنطقة المجاورة التي أصبحت ترزح تحت ضغط هائل نتيجة تزايد عدد اللاجئين الفارين من النزاع، وتم تسجيل 4.1 مليون لاجئ سوري في البلدان المجاورة لسورية(3).
وزاد عدد المهاجرين لأوروبا الغربية حتى وصل عدد طلبات اللجوء العام الماضي إلى 650 ألفاً، حوالي ثلثهم لألمانيا وحدها، ثم السويد وإيطاليا وفرنسا والمجر والنمسا والنرويج والدنمارك وهولندا وبلجيكا(4).
الخطة الأوروبية
ولا توجد خطوات بالتنسيق مع بلدان الأصل إلا ما جاء تحت بند: متابعة دعم برامج الإغاثة والتنمية لتلبية الاحتياجات الإنسانية والاحتياجات على صعيد حقوق الإنسان والتنمية.
خطوات داخل الاتحاد الأوروبي:
1- تعزيز عمليات الإنقاذ في البحر، وضمان دعم طرق الإنقاذ بما في ذلك الحصول على دعم الاتحاد الأوروبي.
2- تشجيع ربابنة السفن التجارية على الإنقاذ عند الحاجة، وتقليص التكاليف المالية التي يتكبدها المشاركون في عمليات الإنقاذ.
3- وضع آليات أكثر فاعلية ومعتمدة لتحديد الأماكن الآمنة للإنزال.
4- تعزيز مرافق الاستقبال، وبناء مرافق إضافية لتقديم خدمات الرعاية العاجلة مع التركيز على ذوي الاحتياجات الخاصة.
5- وضع آليات لتحديد سمات اللجوء، وتمكين الأفراد الذين هم بحاجة إلى الحماية الدولية من إجراءات اللجوء المنصفة والفعالة.
6- توفير الدعم لضمان العودة الآمنة والكريمة وفي الوقت المناسب للأشخاص الذين لا يتبين أنهم بحاجة إلى الحماية.
خطوات بالتنسيق مع بلدان العبور أو اللجوء الأولى:
1- تعزيز عملية جمع وتحليل ومشاركة البيانات حول التحركات في البحر في منطقة البحر الأبيض المتوسط.
2- تعزيز عملية تطوير القدرات وبناء المؤسسات في بلدان العبور وبلدان اللجوء الأولى بما في ذلك إستراتيجيات الحماية.
3- زيادة عدد برامج المعلومات الجماعية على طول طرقات العبور لإبلاغ الأفراد بأخطار التحركات البعيدة، والانخراط في حوار مع منظمات الجاليات القائمة على المجتمع.
4- ابتكار خيارات قانونية بديلة للتحركات الخطيرة وغير النظامية، بما في ذلك إعادة التوطين والحصول على التأشيرات الإنسانية، وبإمكان الدول أيضاً تسهيل لمّ شمل الأسر واستخدام برامج الرعاية وبرامج منح التأشيرات للدراسة والعمل.
الوضع في ليبيا
ومما يزيد هذه الظاهرة تفاقماً، الفوضى العارمة التي تسود الشواطئ الليبية، حيث تتركز أكثر عمليات الهجرة من أفريقيا الشمالية، مع تحسن الطقس يغادر ليبيا يومياً ما بين 300 و700 مهاجر في اتجاه أوروبا، بعض هؤلاء حمل حكايات مرعبة عن الفوضى في ليبيا والتعذيب وسوء المعاملة من جانب المهربين وعن الموت في البحر، ووصول الآلاف إلى الشواطئ الأوروبية يشير إلى فشل خطة الاتحاد الأوروبي لمواجهة الهجرة غير الشرعية.
يونيسف
أكدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في بيان لها الحاجة إلى اتخاذ إجراءات جماعية وسريعة وشجاعة لوقف مد الهجرة غير الشرعية، وأن التقارير الإخبارية عن مآسي البحر الأبيض المتوسط – والتي تخلف مئات من الناس، بمن فيهم الأطفال، بين قتيل ومفقود – أصبحت أمراً كثير التكرار، وكلفته البشرية باهظة الثمن، ويضيف البيان أن الأطفال الذين يجدون أنفسهم في هذه الرحلات يتعرضون لسوء المعاملة والاستغلال وربما الموت، كما دعت إلى تعزيز قدرات البحث والإنقاذ لإنقاذ وحماية الأرواح، وملاحقة المتاجرين بالبشر، ومعالجة الأسباب الجذرية للهجرة في بلدان المنشأ – النزاعات والفقر والتمييز – لتجنب تكرار الخسائر المأساوية(5).
الهوامش
(1) TheMediterranean>sdeadlymigrantroutes– 22/4/2015
http://www.bbc.co.uk/news
(2) المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مبادرة وسط البحر الأبيض المتوسط، ديسمبر 2014م.
http://www.unhcr–arabic.org/54d361926.html
(3)SyriaRegionalRefugeeResponse (UNrefugeeAgency) 16/8/2015
http://data.unhcr.org/syrianrefugees/regional.php
(4)What’sBehindtheSurgeinRefugeesCrossingtheMediterraneanSea?
NewYorkTimes, 20/4/2015
(5) ضرورة اتخاذ تدابير صارمة قبل وقوع المزيد من المآسي في حوض البحر الأبيض المتوسط.
http://www.unicef.org/arabic/media/24327_81668.html