أبو حميد: الظروف التي يعيشها شعبنا دفعتنا للتفكير بإنتاج سلع تناسب وضعنا المادي
زقوت: قدرة الفلسطينيين على تغيير الواقع المرير يظهر مدى العبقرية لديهم وعدم الاستسلام لظروف الحياة
الطباع: المواد التي تدخل غزة مواد ثانوية وغير مجدية اقتصادياً ومجرد استهلاك إعلامي
في خضم الظروف الخانقة التي يعيشها المواطنون في قطاع غزة منذ ما يقرب من تسعة أعوام وهو تاريخ بدء الحصار الصهيوني على القطاع, والذي اشتدت وتيرته كثيراً خلال العامين الماضيين, يحاول المواطنون جاهدين توفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة التي لا يمكن الاستغناء عنها، وذلك بإيجاد البدائل التي تخفف عنهم العبء الاقتصادي وتُسير عجلة الحياة.
ورغم أن هناك الكثير من مقومات الحياة التي يفتقدها المواطن بقطاع غزة, فإن هناك أولوية لمتطلبات لا يستطيع العيش بدونها, فاندفع يفكر ملياً حتى أوجد تلك البدائل التي تسد قليلاً العجز الذي يعانيه.
أزمة الكهرباء
ومن ضمن الأساسيات التي يفتقدها الغزيون, الكهرباء, وذلك نظراً لأهميتها في عصرنا الحالي، فقد أصبحت المحرك الرئيس لكافة القطاعات والمجالات المختلفة, ولذا فإن مواطني القطاع أصبحوا ينظمون ظروف حياتهم حسب جدول الكهرباء غير المنتظم, فمتوسط وصول الكهرباء في اليوم لا يتعدى الست ساعات ليعيش المواطنون ما تبقى من يومهم بلا كهرباء.
وتقول الحاجة أم مروان: إن عدم انتظام الكهرباء أربك حياتنا سواء في الليل أو في النهار, فمثلاً في الليل نبقى متيقظين حتى الصباح انتظاراً لمجيء الكهرباء من أجل تشغيل مولد المياه, وفي انتظارنا لمجيء الكهرباء ليلاً ننجز أشغالنا التي لم نستطع القيام بها في النهار بسبب انقطاع الكهرباء, فنقوم بأعمال الغسيل وصناعة الخبز وبعض الأشغال الأخرى, مضيفة أن الحياة في غزة انقلبت، فبدلاً من أن يكون الليل وقتاً للراحة والنوم، أصبح في كثير من الأحيان وقتاً للعمل والقيام بأعباء البيت، لكنها استدركت بالقول: نحن لا نقف مكتوفي الأيدي أمام هذا الواقع، ونبحث عن كل السبل المتاحة لتوفير ما يلزمنا, حتى وإن كان على حساب الراحة والنوم.
ورداً على سؤال “المجتمع” للحاجّة أم مروان، التي تعيل أسرة من ثمانية أفراد، عن كيفية التغلب على الظلام الذي ينجم عن قطع الكهرباء تقول: كنا في السابق نستعين بضوء الشموع, ولكن عندما رأينا أن الأزمة متواصلة وتشتد في كل يوم, ونظراً للمآسي التي سببها الشمع, بدأنا في استخدام كشافات الطوارئ العاملة بمصابيح (ليد) للإضاءة، مشيرة إلى أنها توفر إضاءة آمنة وغير مكلفة.
وتشبه اللمبات الموفرة “ليد” في شكلها وإضاءتها اللمبات الموجودة في البيوت, ويتم شحنها عبر بطاريات تزودها بالطاقة أثناء وصول التيار الكهربائي.
وفي الآونة الأخيرة طورت شركات من غزة متخصصة في إنتاج الكهرباء وسائل جديدة للإضاءة أكثر تطوراً كالخلايا الشمسية التي تمتاز بقدرتها على الإضاءة, وتشغيل الأجهزة المختلفة في المنازل, لكن هذه الوسائل الجديدة تتطلب مبالغ مالية مكلفة نسبياً؛ ما يجعلها مقتصرة على ميسوري الحال من المواطنين.
عمل المصانع
وفي الوقت الذي استطاع المواطنون التغلب فيه قليلاً على أزمة الكهرباء داخل المنازل، فإن المصانع والشركات التي تعتمد في عملها على الكهرباء تضررت كثيراً بسبب الانقطاع المتواصل لفترات طويلة؛ ما دفع أصحابها إلى إيجاد بدائل للتخفيف من هذه المعضلة عبر استخدام المولدات الكهربائية الضخمة لتشغيل المعدات اللازمة للعمل, بينما اكتفى البعض الآخر بتغيير مواعيد الدوام وجعلها مرتبطة بأوقات وجود الكهرباء.
المواطن داود قرقز، صاحب معمل لصناعة الطوب (الطابوق)، يوضح كيف تحولت ظروف العمل في المعمل قائلاً: نظام العمل لدينا مرتبط بوجود الكهرباء, فإذا جاءت في النهار نمارس عملنا نهاراً، وإن كان موعد مجيئها ليلاً يكون عملنا في الليل، مضيفاً: نحن نتنقل في كل أوقات اليوم حسب الكهرباء.
ويتفق معه المواطن تامر خضر الذي يعمل في مهنة الخياطة حيث يقول: لا يوجد لدينا وقت محدد للدوام، فنحن نبقى على انتظار اتصال من صاحب المصنع للمجيء للعمل، فهو يتصل بنا في الوقت الذي تصل فيه الكهرباء حتى وإن كان الوقت منتصف الليل.
توفير المواد الغذائية
أما فيما يتعلق بأزمة شح مصادر الدخل والتي لا تسمح للمواطنين بتوفير احتياجاتهم من السلع الغذائية الأساسية, فإنه جرى التغلب قليلاً على هذه الأزمة من خلال توفير بعض السلع بأحجام وأسعار تناسب الوضع المادي للمواطن في قطاع غزة.
وفي هذا الصدد، يقول المواطن محمد شاهين العاطل عن العمل منذ سنين الحصار الممتدة : لم نعد قادرين على توفير ما نحتاجه من متطلبات, وخاصة إذا كانت تلك الاحتياجات باهظة الثمن, لكننا اليوم نستطيع توفير بعضها, بعد إنتاج عينات منها بسعر وحجم أقل, موجهاً شكره إلى الشركات التي ساهمت في التخفيف من هذه الأزمة من خلال إنتاج هذه السلع الأساسية.
“الظروف القهرية التي يعيشها شعبنا دفعتنا للتفكير بهذه البدائل”.. هكذا بين مدير فرع غزة بشركة أبو حميد للمنتجات الغذائية شهم أبو حميد, مضيفاً أننا نقوم بتغليف أصناف المواد الأساسية بأحجام صغيرة، لكي تباع مقابل شيكل واحد أي ربع دولار.
ويوضح أبو حميد أن هناك إقبالاً كبيراً من المستهلكين لشراء هذه السلع، وبين أن شركته تعمل على رؤية تطويرية لإدخال العديد من المنتجات الأخرى للسوق المحلية أبرزها “الزعتر، والدقة”.
أساسيات منعدمة
ويفتقر قطاع غزة إلى كثير من المواد الأساسية التي يحتاجها, وأبرزها المحروقات والكهرباء, والكثير من السلع الغذائية, علاوة على منع الصيد في عمق البحر، وحظر إدخال مواد البناء, إضافة إلى غلق المعابر بين القطاع وأراضي 48 المحتلة، وغلق معبر رفح المنفذ الوحيد لأهالي القطاع إلى العالم الخارجي من جانب مصر.
ويقول المسؤول في الغرفة التجارية لقطاع غزة د. ماهر الطباع: إن المواد التي تدخل إلى غزة مواد غذائية ومنزلية ثانوية, وغير مجدية اقتصادياً، وتأتي للاستهلاك الإعلامي.
ويضيف: إن كميات كبيرة من البضائع محجوزة في الموانئ “الإسرائيلية”، مثل القرطاسية التي لم يسمح بإدخالها العام الماضي، وألعاب الأطفال التي لم تدخل منذ ثلاثة أعوام وغيرها الكثير.
شعب لا يستسلم
ويقول الكاتب عماد زقوت: الشعب الفلسطيني لاسيما مواطني القطاع يدفعهم الواقع الصعب الذي يعيشونه إلى التفكير في بدائل وحلول للمشكلات والعراقيل التي يضعها الاحتلال أمامهم, مشيراً إلى الواقع الذي كان أيام الانتفاضة الأولى عندما كانت تفرض سلطات الاحتلال منع التجول على الناس يومياً من الساعة 6م حتى صباح اليوم التالي, حيث تعامل الناس مع هذا الواقع بتوفير احتياجاتهم بشكل منظم عبر تخزين المواد الغذائية, ومن هنا جاءت قصة التفكير المستمر في البدائل باعتبار الفلسطيني يعيش حياة غير طبيعية ويتعرض لمشكلات ممنهجة من قبل المحتل, لافتاً إلى أن القدرة على التغلب على الواقع الصعب يظهر مدى عبقرية الشعب الفلسطيني وعدم استسلامه للواقع المرير والظروف المستعصية.
صُنع في غزة
ونظراً لغلاء بعض الاحتياجات المستوردة من الخارج، قامت شركات عدة في قطاع غزة بإنتاج سلع ومواد بديلة من خلال الإمكانيات الموجودة, فهناك شركات إنتاج المشروبات الغازية التي انتشرت خلال المرحلة الحالية، وقامت بإنتاج عينات من المشروبات زهيدة الثمن تتناسب مع حاجة المواطنين, إلى جانب شركات إنتاج البسكويت والشيكولاتة.
وبسبب إقفال المعابر وعدم توريد مواد البناء لاسيما الأسمنت, قام بعض المواطنين بإعادة استخدام ركام البيوت التي قصفتها طائرات الاحتلال وإدخالها في عمليات البناء من جديد.