رغم الأضواء الضئيلة والمحاولات المحدودة لإبراز بعض جوانب الاقتصاد الإسلامي، فإننا أصبحنا نسمع أخيراً أصواتاً أجنبية عالمية تدعو إلى الأخذ بالاقتصاد الإسلامي.
فهذا أستاذ الاقتصاد الفرنسي «جاك أوستروي» وقد بهره في الاقتصاد الإسلامي مواءمته وتوفيقه بين المصالح الخاصة والمصالح العامة، ينتهي في مؤلفه «الإسلام في مواجهة النمو الاقتصادي» إلى أن طرق الإنماء الاقتصادي ليست محصورة بين الاقتصادين المعروفين الرأسمالي والاشتراكي، بل هناك اقتصاد ثالث راجح هو الاقتصاد الإسلامي الذي يرى هذا المستشرق أنه سيسود المستقبل؛ لأنه على حد تعبيره أسلوب كامل للحياة، يحقق كافة المزايا ويتجنب كافة المساوئ.
يقول «جاك أوستروي»: إن الإسلام هو نظام الحياة التطبيقية والأخلاق المثالية الرفيعة معاً، وهاتان الوجهتان مترابطتان لا تنفصلان أبداً.
ومن هنا، يمكن القول: إن المسلمين لا يقبلون اقتصاداً علمانياً، والاقتصاد الذي يستمد قوته من وحي القرآن، يصبح بالضرورة اقتصاداً أخلاقياً، وهذه الأخلاق تقدر أن تعطي معنى جديداً لمفهوم القيمة، أو تملأ الفراغ الذي يوشك أن يظهر من نتيجة آلية التصنيع.
ويؤكد المفكر الفرنسي «ماسينيون» أن الإسلام يمتاز بأنه يمثل فكرة مساواة صحيحة بفرض الزكاة التي يلزم بها الأغنياء تجاه الفقراء وبتحريمه للربا والضرائب غير المباشرة على ضرورات الحياة، إلى جانب تمسكه الشديد بحقوق الأولاد والزوجة والملكية الفردية، فهو بذلك يتوسط الرأسمالية والشيوعية.
وفي كتابه «ثلاثون عاماً في الإسلام» يقول «ليون روشي»: إن دين الإسلام الذي يعيبه الكثيرون هو أفضل دين عرفته، فهو دين طبيعي اقتصادي، أدبي، ولقد وجدت فيه حل المسألتين الاجتماعية والاقتصادية اللتين تشغلان بال العالم:
الأولى: في قول القرآن {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } (الحجرات:10) فهذه أجمل المبادئ للتعاون الاجتماعي.
والثانية: فرض الزكاة في مال كل ذي مال، بحيث يحق للدولة الإسلامية أن تستوفيها جبراً إذا امتنع الأغنياء عن دفعها طوعاً.
وهذا «لويس جارديه»، بالإضافة إلى «ورلي موند شارك» واللذان نلمس منهما إلحاحاً بضرورة العودة إلى تعاليم الإسلام ودراسة قواه الكامنة خاصة السياسية والاقتصادية.
والمؤرخ الانجليزي «ويلز»، وفي كتابه «ملامح تاريخ الإنسانية» يقول: إن أوروبا مدينة للإسلام بالجانب الأكبر من قوانينها الإدارية والتجارية.
ويقول «بيرقر»: إن الإسلام يدعو الناس إلى عدم الغرور بمتاع الدنيا، فهو يجمع بين التقشف والتسامح في إطار من التوازن.
أما البروفسور «وسلزر بجيريسكي» فيقول: إنني رجل متخصص في الحضارة والاجتماع، وقد أدهشتني النظم الاجتماعية التي يقررها الإسلام، وعلى الأخص الزكاة وتشريع المواريث وتحريم الربا وتحريم الحروب العدوانية، ووجدتني على توافق مع الإسلام ومبادئه التي كنت آلفها من مطلع حياتي، فلا عجب أن دخلت هذا الدين وأخلصت له.
في كتابه «وعود الإسلام»، يقول المستشرق الفرنسي «روجيه جارودي»: إن الاقتصاد الإسلامي الصادر عن مبادئ الإسلام هو نقيض النموذج الغربي الذي يكون فيه الإنتاج والاستهلاك معاً غاية بذاتها؛ أي إنتاج متزايد أكثر فأكثر واستهلاك متزايد أسرع فأسرع لأي شيء مفيد أو غير مفيد دون نظر للمقاصد الإنسانية.
ويضيف قائلاً: الاقتصاد الإسلامي يهدف إلى التوازن، ولا يمكن أن يتفق مع الرأسمالية والشيوعية بحال من الأحوال، وميزته الأساسية أنه لا يخضع للآليات العمياء، وإنما هو متسق ومحكوم بغايات إنسانية ومقاصد إلهية مترابطة لا انفصام فيها.
وهذا «توماس كاريل» في كتابه «الأبطال» يعترف بأن في الإسلام خلة من أشرف الخلال وأجلها، وهي التسوية بين الناس، فالناس في الإسلام سواء، والإسلام لا يكتفي بجعل الصدقة سُنة محبوبة، بل يجعلها فرضاً حتمياً على كل مسلم وقاعدة من قواعد الإسلام، ثم يقدرها بالنسبة لثروة الرجل فتكون جزءاً من أربعين جزءاً، فتعطى الفقراء والمساكين.
وهذا المفكر المعروف «برنارد شو»، وقد بهره في الإسلام مواءمته وتوفيقه بين المصالح المادية والحاجات الروحية يردد بعد دراسة دقيقة، قوله المشهور: إنني أرى في الإسلام دين أوروبا في أواخر القرن العشرين.
بل إن المفكر الألماني «جوته» يصرخ قبله قائلاً: إذا كان هذا هو الإسلام، أفلا نكون كلنا مسلمين؟!
هذه كلها بعض اعترافات من باحثين ومفكرين وعلماء غربيين، يشهدون بما شرعه الإسلام من عدالة اقتصادية واجتماعية عن نظيرتها في الأنظمة الأخرى.
وبعد هذا كله أقول: في الوقت الذي مازلنا فيه لم نتخلص من عقدة «آدم سميث»، و«كارل ماركس»، نجد بعض الاقتصاديين الغربيين يشيدون بالاقتصاد الإسلامي، ويلتمسون نظاماً اقتصادياً ثالثاً رائداً غير الاقتصادين الرأسمالي والاشتراكي، قادراً على قيادة العالم أجمع، ويضمن للإنسانية هناءتها في ظل مبادئه وأفكاره.
ولم يجدوا خيراً من النظام الاقتصادي الإسلامي القادر على حل المشكلات الاقتصادية التي هي موضوع تصارع بين النظامين الاقتصاديين في العالم الآن، لما يتمتع به من خصائص غير متحققة في غيره.