يبدو أن الشعوب العربية عازمة على مواجهة غلاء الأسعار بعد تقاعس بعض الحكومات عن القيام بدورها في مواجهة الغلاء المصطنع، فمن حملة المقاطعة التي أطلقها الكويتيون تحت عنوان «# خلوها_تخيس» لمواجهة ارتفاع أسعار الأسماك بالسوق، مروراً بالحملة التي دشنها السعوديون والتي جاءت تحت عنوان «# حملة_مقاطعة_الأسماك_خلوها_تعفن»، إلى حملة «# بلاها_لحمة» والتي أطلقها المصريون وسار على دربهم الكويتيون بعد ذلك.
رغم استمرار حملات المقاطعة والتي دشنتها الشعوب، لا تزال الأجهزة الحكومية المعنية ملتزمة الصمت إلا من تصريحات بسيطة هنا وهناك، دون اتخاذ أي إجراء لمصلحة المواطن والمقيم المتضرر من ارتفاع الأسعار، ودون اكتراث لبحث الأسباب التي دعت أصحاب البسطات إلى رفع الأسعار بهذه الصورة المبالغ فيها، وهو ما يعكس حالة التخبط التي تعيشها الأجهزة الحكومية في التعامل مع مثل تلك الحالات، رغم ما لديها من أجهزة وقوانين تساعدها على القيام بدورها.
ففي الكويت أطلق مغردون حملة لمقاطعة شراء الأسماك من الأسواق بعد ارتفاع أسعارها بشكل ملحوظ، وتناقل مواطنون عبر هشتاج «#خلوها_تخيس» تغريدات تدعو إلى العزوف عن شراء الأسماك بالأسواق، وتركها تتعفن بعد الزيادة غير المبررة في أسعارها.
وبلغة خبراء السوق، وبنسب مفزعة تتجاوز الـ900% وصلت إليها أسعار بعض أصناف الخضار تقارع فيها السمك والدجاج والخرفان، شهدت السوق المحلية تضخماً غير مسبوق في أسعار الخضار المحلي والمستورد، يبرر المنطق اشتعال أسعارها بحرارة الصيف وانقطاع الموسم، لكن جيوب المستهلك هي التي تحترق بلظاها الذي لا يرحم.
وكان نواب قد تفاعلوا مع حملة المقاطعة التي انطلقت، حيث صرح النائب عبدالله المعيوف قائلاً: من المخجل أن تتخلى الحكومة عن واجبها في مراقبة الأسعار، بينما يقوم المواطن بمقاطعة شراء الأسماك للحد من الغلاء الفاحش وجشع البائع.
وقال النائب السابق محمد الدلال: حملة «خلوها تخيس» لمقاطعة الأسعار الفاحشة لبياعي السمك حملة في مكانها الصحيح، في ظل فشل الأجهزة الحكومية في حماية المستهلك من جشع بعض التجار، وأضاف الدلال: لم يتمادَ بعض التجار في رفعهم الأسعار لولا الضعف الحكومي في الرقابة وتطبيق القانون على المتجاوزين، وشكراً لكل من أطلق حملة «خلوها تخيس»، وختم الدلال: حملة «خلوها تخيس» مثال للعمل الشعبي العفوي الناجح لمن يريد استغلال الناس، وعلينا أن نكررها في ممارسات أخرى نُري فيه ضعف الحكومة وتجاوز البعض.
وقال عضو مجلس الأمة المبطل الأول أسامة الشاهين: «خلوها تخيس» جرس إنذار من المواطنين للحكومة ولأنفسهم أيضاً، بضرورة مواجهة غلاء المعيشة المتزايد دون ضابط أو رادع.
ومن ناحيته، قال النائب المستقيل رياض العدساني: بين فترة وأخرى يخرج عضو ويقول: قدرنا أن نكون في الصف الأول في هذه المرحلة الحرجة، إذاً قضية رفع سعر الزبيدي تركت للشعب يحلها.
فيما أكد الاتحاد الكويتي لصيادي السمك في بيان له؛ أن سوق السمك في شرق شهدت – أخيراً – إقبالاً كبيراً من المستهلكين المواطنين والمقيمين الذين حضروا لشراء الربيان والأسماك المحلية، وتابع الاتحاد: إن حملة «خلوها تخيس» فشلت بكل المقاييس بعد الإقبال الكبير الذي شهدته أسواق السمك، واستغرب الاتحاد من عدم ذكر الحملة للأسماك والربيان المستورد في المباركية، وركزت على سوق شرق والأسماك والربيان المحلي فقط.
ولم يتوقف صدى حملة «خلوها تخيس» التي بدأت شرارتها من الشبكات الاجتماعية على الأسماك فقط، وإنما امتد للحوم أيضاً، فقد تداعى موطنون ومقيمون لتنظيم حملة جديدة لمقاطعة اللحوم الحية والمذبوحة بعد الارتفاع المطرد في أسعارها، خصوصاً في ظل مقاطعة الأسماك واقتراب عيد الأضحى المبارك.
وصرح عجمي فلاح المتلقم، رئيس نقابة العاملين بوزارة التجارة والصناعة، بأن غلاء الأسعار وارتفاعها المتزايد وغير المبرر أصبح عبئاً لا يمكن تحمله على كاهل المواطن في ظل غياب القوانين الرادعة لبعض التجار الذين يتاجرون بقوت المواطنين؛ الأمر الذي لا يمكن السكوت عليه، فقد نادينا مراراً وتكراراً بالرقابة الجدية على السوق من أجل عدم استغلال بعض التجار للسوق والتلاعب بالأسعار.
وأكد المتلقم بأن غلاء العديد من أسعار السلع بصورة مبالغ فيها أمر غير منطقي، ولا نقبل به، ونؤيد وندعم تلك الحملات التي تدعو إلى مقاطعة تلك السلع من أجل الحفاظ على ثبات أسعارها وعدم ارتفاعها بصورة غير منطقية ولا طبيعية، وعلى سبيل المثال الحملة التي تم انطلاقها لمقاطعة الأسماك؛ فإننا كنقابة نساند تلك الحملة، حيث إن أسعار السمك تعدت سعر جرام الذهب بالسوق، فسعر جرام الذهب لا يتعدى 10 دنانير، في حين وصل كيلو الزبيدي 15 ديناراً فهل هذا يعقل؟!
وأوضح المتلقم بأن دور وزارة التجارة محدود في أنها جهة رقابية تجاه بعض السلع الحرة، ومنها تجارة الأسماك، وأنه لا توجد مبررات لتلك الزيادة؛ وبالتالي فإن الدور الآن على المستهلك بأن يدعم هذه الحملة والحملات المشابهة، وذلك من أجل خفض الأسعار بما يتناسب مع مستوى المعيشة في ظل هذه الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد.
وقال المتلقم: إن وزارة التجارة والصناعة لا تتحمل المسؤولية وحدها عن ارتفاع الأسعار، وإنما نحمل السلطة التشريعية الجانب الأكبر والأساسي من المسؤولية، وذلك لعدم إقرار القوانين الرادعة التي تعمل من خلالها وزارة التجارة على محاربة الأسعار في بعض السلع الاستهلاكية الحرة، ومنها على سبيل المثال الأسماك والمواشي وغيرها من السلع.
وتابع المتلقم: إن مفتشي وزارة التجارة والصناعة لا يألون جهداً في طبيعة عملهم من خلال الدور الرقابي على الغش، ولكن هناك بعض الغلاء في السلع ليس من صلاحيات مفتشي وزارة التجارة والصناعة، فلابد من وجود تشريع يعطي لهم من الصلاحيات التي تساعد في محاربة غلاء الأسعار على كافة السلع، وهذا ما قصدناه بأن السلطة التشريعية تتحمل الجزء الأكبر في غلاء الأسعار وارتفاعها.
واختتم المتلقم تصريحه بأننا في نقابة التجارة والصناعة ندعم دائما وأبداً كل ما هو في صالح المستهلك وما يعود عليه بالنفع، ولا يؤثر على مستوى معيشته بما يتوافق مع القوانين، وهذا ما طالبنا به مراراً وتكراراً بأن تراعي القوانين المستوى المعيشي لكافة طبقات الشعب الكويتي ومحاربة الغلاء وارتفاع الأسعار.
ومن الكويت إلى السعودية، حيث أطلق المغردون هاتشاج «#حملة_مقاطعة_الأسماك_خلوها_تعفن»، وسرعان ما تجاوبت معها قطاعات واسعة من المواطنين والمقيمين، وانتقلت إلى الغالبية العظمى من السكان عبر الرسائل المجانية لتطبيقات الهواتف الذكية؛ مثل «واتس آب» و «فايبر»، وذلك بعد أن وصلت أسعار الأسماك إلى مستويات خيالية.
ومن السعودية إلى مصر، حيث دشن العديد من النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي حملات لمناشدة المواطنين مقاطعة شراء اللحوم، احتجاجاً على ارتفاع سعرها إلى 90 جنيهاً للكيلو؛ أي حوالي 12 دولاراً، ومواجهة ما وصفوه بـ «جشع الجزارين».
وقد حظيت الحملة التي بدأ تطبيقها من صعيد مصر قبل أن تمتد إلى باقي المحافظات، بدعم من جانب العديد من الشخصيات العامة.
من جانبه، قال رفاعي البرديسي، أحد مؤسسي حملة «بلاها لحمة» في سوهاج: إن فكرة مقاطعة شراء اللحوم جاءت بعد ارتفاع سعرها من 65 – 85 و90 جنيهاً، وهو أمر غير مألوف بمحافظات الصعيد، والتي عادة ما يكون سعر اللحوم منخفضاً بها عن المحافظات الأخرى، لتربية المواشي بحكم الطبيعة الريفية.
وأضاف أن الحملة مستمرة حتى 15 سبتمبر القادم، حتى تخفيض أسعار اللحوم لما كانت عليه، لافتاً إلى أنها تستهدف اللحوم البلدية وليست المستوردة، أو ما يطلق عليها بـ «اللحوم المبردة»، وأشار إلى استجابة العديد من المحافظات الأخرى لحملات المقاطعة، مثل أسيوط وبعض محافظات الدلتا والوجه البحري، موضحاً أن أغلب من استجابوا لها كانوا من محدودي الدخل.
الحملات التي أطلقها المغردون في الدول المختلفة أعادت الحياة إلى أفكار جديدة للحملات الإلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي، ونجاحها اليوم قد يساعد في إطلاق حملات شعبوية في مجالات أخرى، وهو حق دستوري لا يُنازَع عليه المواطنون، وما نلاحظه كذلك أن التحرك الشعبي كان سابقاً بخطوات للتحرك النيابي والحكومي أيضاً.