ضُربت، أُبعدت، اعتقلت، غُرمت، لكنها الآن على رأس المرابطات المدافعات عن المسجد الأقصى، كان ذلك أيضاً وهي تقضي حكماً بالإبعاد عن المسجد، هذا المسجد الذي لا يبعد سوى عشرة أمتار عن منزلها القريب من باب الحديد.
إنها المقدسية عايدة الصيداوي (56 عاماً)، واحدة من النساء اللواتي تركن كل شيء في حياتهن، ليرابطن في المسجد الأقصى، ليصدن قطعان المستوطنين وجنود الاحتلال بـ”التكبير” عن المسجد، إنهن نسوة القدس اللواتي يصررن على الدفاع عن الأقصى وحمايته من محاولات السيطرة “الإسرائيلية” عليه وتقسميه، فلا تكاد ترى زاوية من ساحات المسجد الأقصى المظللة دون مجموعة منهن، يدرسن أو يصلين أو يتلون القرآن الكريم.
في الأيام الماضية، تركت تلك النساء جدولهن المعتاد، فلن يُعدن منتظمات في حلقات علم أو قراءة قرآن، لقد غيرت الاعتداءات “الإسرائيلية” وجهتن، وأصبح هدفهن صد المحاولات “الإسرائيلية” للاقتناص من المسجد الأقصى.
ضرب وإبعاد
عندما بدأت الصيداوي تتحدث لـ”المجتمع” بالكاد كان صوتها مسموعاً، فكثرة التكبير أصابت هذا الصوت بـ”البحة”، تقول: يجندون قوات خاصة من أجل مواجهة النساء، لا يريدون لأحد أن يصدهم، نحن لن نترك الأقصى رغم كل ما نتعرض له من ضرب أو اعتقال أو غيره، وتتابع: أتواجد مع النساء عند باب المغاربة لمنع المستوطنين من الدخول، أو عند باب السلسلة في حالة الإبعاد، حيث نأخذ بالتكبير ونمنعهم من الدخول.
لا تقتصر اعتداءات الاحتلال على المقدسية الصيداوي في المسجد الأقصى فقط، فقبل أيام وقبيل صلاة الفجر اقتحمت قوات الاحتلال منزلها وعاثوا فيه فساداً ثم حولت لتحقيق، تقول: قضوا أكثر من ساعة في التفتيش، لم يتركوا شيئاً إلا فتشوا فيه، وجدوا نشرة مكتوبة بالإنجليزية، نوزعها للأجانب الزائرين، عن حقنا في الأقصى، سألوني عنها خلال التحقيق!
أصيبت بقنبلة
على عجل، تركت المقدسية سحر النتشة (45 عاماً) منزلها، وهرولت تجاه المسجد الأقصى، كانت تمشى بصعوبة، فما تزال قدمها التي أصيبت خلال الأيام الماضية بقنبلة صوت تؤلمها، ستجد هناك عند باب السلسلة رفيقات الرباط والصمود.
تكاد هذه السيدة المنهكة، لا تستريح، ترتدي حجابها الكامل وتقضي فيه جل وقتها، لا تأبه بحاجتها إلى الراحة، كأنها جندي في ساحة معركة، حرمت عليه الراحة، تقول لنا هذه الأم لسبعة أبناء: نقف في أي مدخل للمسجد الأقصى نتوقع دخول المستوطنين منه، نمنعهم من الدخول، يعتدون علينا بالقنابل، ويلحق بنا الجنود فنكر ونفر لمدخل آخر، وتضيف: حتى عندما أصابت تلك القنابل قدمي، بقيت في رباطي بالمسجد، لا يهمني أن نتعرض للضرب أو أي خطر، المهم أن ننغص كل محاولاتهم للاقتراب من الأقصى.
يؤلم النتشة كثيراً حال الأقصى، وتقول: يرانا الناس أقوياء في الصور الفوتوغرافية، لكننا نعاني كثيراً، أنا أبكي خلسة عندما أرى امرأة منا تُضرب بوحشية، وتُركل وتسقط أرضاً، وأبكي عندما يتمكن المستوطنون من الدخول الأقصى، فأراهم يصلون صلاتهم، بينما المبعدات منا محرومات من الصلاة في المسجد الأقصى.
إبعاد.. ثلاث مرات
أبعدت النتشة ثلاث مرات عن المسجد الأقصى، وهي سياسية تتبعها دولة الاحتلال ضد كل المقدسين الذين يشاركون في الرباط بالأقصى، فترة الإبعاد الخاصة بالنتشة، كانت قاسية جداً عليها، تسمع الآذان من مآذن المسجد الأقصى، وترى المصلين يمرون بالشارع من أمام بيتها، ثم لا تستطع قدمها أن تصل إليه، لأنها ستعتقل لو أقدمت على ذلك.
تقول النتشة: المسجد الأقصى ليس فقط مجرد مسجد قريب من بيتي، إنه المكان الذي خلق صراعنا مع الاحتلال، وفيه أيضاً تعلمت الكثير من الفقه والسيرة النبوية والتلاوة، وتتابع النتشة، التي أنهت لتوها طهي الطعام وتريد العودة للأقصى، إن: دور النساء مهم في الأقصى، نحن نحمي الشباب المرابط من اعتقال قوات الاحتلال لهم، ونصد المستوطنين عن دخول الأقصى، ربما يحرك وجودنا العالم لنصرة المسجد الأقصى.