ترجمة: جمال خطاب
بفضل مرشحين مثل دونالد ترامب، وبن كارسون، هيمنت كراهية الأجانب علي الخطاب السياسي الأمريكي.. والآن، يبدو أن كندا بدأت تميل إلى أن تحذو حذوها، فقبل أسابيع قليلة، بدا حزب المحافظين الحاكم كما لو كان قد خسر الانتخابات الاتحادية المقرر عقدها في 19 أكتوبر القادم، ومنذ ذلك الحين، اتخذ زمام المبادرة من خلال جعل أحاديث الانتخابات تدور حول ما إذا كان يمكن للمرأة أن ترتدي النقاب وتقسم يمين المواطنة، والنقاش حول النقاب، بكل المقاييس، مجرد أداة إلهاء، ولكن يبدو أنه مفيد انتخابياً.
والمسلمون يشكلون 3.2٪ من سكان كندا، والنساء اللاتي يرتدين النقاب، يشكلون أقل من 1٪ من 1.05 مليون مسلم في كندا، وقد ذكرت “CBC” الكندية أنه من أصل 680 ألف نسمة أقسموا يمين الجنسية منذ عام 2011م، حاول اثنين فقط منهم ارتداء النقاب أثناء الحفل، ومع ذلك، فإن المحافظين وكتلة كيبيك، وهو حزب سياسي اتحادي، ينفقون مئات الآلاف من الدولارات لتتحول هذه المسألة إلى مادة حية للأحاديث السياسية.
لم تكن هذه قضية غير محورية، وخصوصاً أن تلاوة اليمين هو في الغالب مسألة رمزية، وفي كندا أقسمت النساء اليمين وهن يرتدين الحجاب الذي يغطي الوجه لقرون، ولكن هذه يبدو أنها أصبحت إستراتيجية فعالة في الانتخابات في بلد وجد استطلاع للرأي بتكليف من الحكومة أن 82٪ من الكنديين يؤيدون مثل هذا الحظر.
هذا سخف وخطر؛ حيث يتم إسناد حقوق الأقليات لآراء الأغلبية، وخصوصاً أن الاستطلاع مسح فقط 3000 من الكنديين قبل أن تبتّ المحكمة الاتحادية في هذه المسألة؛ وهذا يعني أن رأي 2460 من الكنديين الذين شملهم الاستطلاع في مارس الماضي في بلد يزيد عدد سكانه على 35 مليوناً.
ومنذ أصبح النقاب قضية مركزية لحملة حزب المحافظين زادت شعبيته بنسبة 10٪ في استطلاعات الرأي، وقد أدى ذلك أيضاً إلى ارتفاع كبير في الدعم لكتلة كيبيك، وحزب كيبيك الاتحادي يعتقد زعيمه أن النقاب ينبغي أن يُمنع في جميع الأماكن العامة.
بينما أكد قادة الأحزاب الاتحادية الرئيسة الأخرى أن من حق المرأة ارتداء النقاب في مراسم جنسيتها – وهو الموقف الذي أيدته المحكمة العليا في كندا مؤخراً – وموقفهم فيما يتعلق بارتداء النقاب بشكل عام غير واضح، لا أحد يريد أن يعترف بأن النقاب يمكن أن يكون تعبيراً مستقلاً عن اختيار حر من قبل امرأة، فالقيام بذلك يعني الموت السياسي في هذا السياق، وفي الانتخابات الاتحادية الأخيرة، كان كل قادة الأحزاب إما داعم أو صامت بشكل مريب بخصوص “قانون 94″، وهو جزء من تشريعات كيبيك التي من شأنها منع النقاب في الأماكن العامة في المقاطعة، وهذا القانون بالمثل حصل معدلات عالية من الدعم في صناديق الاقتراع.
وليس من قبيل الصدفة أن هذه هي أرقام الاقتراع التي تشكل الخطاب العام في كندا، فلو نظرت في استطلاعات أخرى، فسوف تجد التأييد الشعبي الكاسح لإجراء تحقيق في نساء الشعوب الأصلية في عداد المفقودين والقتلى؛ ومع ذلك فإننا نرى هذا الذكر فقط كإضافة مريحة للخطاب السياسي الحالي، حيث لا يقدم أي نقاش حول القضايا الفيدرالية الرئيسة التي تؤثر على مجتمعات السكان الأصليين، وفي الوقت نفسه، تجد على الأقل ثلاث مناظرات عن النقاب، ويبدو أن القادة السياسيين والفكر الكندي، بمن في ذلك كل من السياسيين ووسائل الإعلام، تركز اهتمامها أكثر على زي حفنة من النساء المسلمات، وهذه خسارة مأساوية لأكثر من 1000 من نساء الشعوب الكندية الأصلية.
وقبل بضعة أسابيع فقط، تركزت المناقشات الوطنية بشكل كبير على اللاجئين السوريين، وهذا كان على ما يبدو أكثر إنسانية، اليوم يتركز الخطاب على مسألة ليس فيها أي مشكلة تعتمد على الخوف والتهويل من عدد قليل للفوز الانتخابي بين الجماهير، ووفقاً لزعيم حزب المحافظين ستيفن هاربر، فالنقاب متجذر في الثقافة أنه “معاداة للمرأة”، وهو يُفرض في بعض الحالات، وهذا ليس صحيحاً على الإطلاق، فإذا كان الغرض من استهداف النقاب هو حماية المرأة؛ فسوف يأتي هذا بنتائج عكسية؛ لأن هناك الآن تقارير متزايدة عن ممارسة العنف تجاه المرأة المنقبة.
المناقشات أشد منها في الولايات المتحدة، والنقاب أصبح يشكل مشكلة للدولة الكندية مثل مشكلة كراهية الأجانب، فإذا كان سينتهي في نهاية المطاف مع نهاية يوم الانتخابات، فسوف يؤدي هذا لتساؤلات خطيرة عن أهداف الديمقراطية الكندية، عند توجيه كل الاهتمام نحو الحكم على ثوب المرأة المسلمة في الوقت الذي يتم فيه تجاهل المشكلات الاجتماعية الحقيقية التي تواجه البلاد، قد يكون الجواب واضحاً بشكل مخيف.
صحيفة “الجارديان“