إن الله تعالى خلق الناس من ذكر وأنثى، وأراد لهم التعايش والتآلف والتعارف والتواصل والتعاون؛ كي يبنوا هذه الحياة على أسس سليمة من المحبة والمودة والرحمة؛ فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير } (الحجرات).
والمسلمون دعاة دين وفكرة وعقيدة يسعون لبناء مجتمع ودولة وأمة، بالدعوة والحكمة والموعظة الحسنة، ولا يُكرهون أحداً على اعتناق دينهم بعد أن يوضّحوا الدين ويبينوا العقيدة {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} (البقرة:256).
وقد عاش اليهود والنصارى كمواطنين في دولة المسلمين لهم حقوقهم وعليهم واجباتهم، كما وضّحت ذلك الوثيقة المدنية (وثيقة المدينة المنورة) التي كانت بمثابة دستور مدني، بل هي أول دستور مدني عرفته البشرية؛ إذ بها تحقق التعايش السلمي بين المسلمين وغيرهم؛ فقد أعلنت الوثيقة بكل وضوح: لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم.
ومن هنا ينطلق الجميع للبناء والعمل بروح الفريق الواحد تظللهم شجرة التعايش السلمي بأوراقها الجميلة النضرة الرائعة من حقن الدماء وقبول الآخر والنظام والاحترام وصون الأعراض وحفظ الممتلكات والمقدسات، مع تنوع الطوائف والجماعات والهويات بما يثبت ويدلل على أن الإسلام قادر على جمع الناس والإفادة من طاقاتهم وقوتهم ومهاراتهم وإبداعاتهم بعد جمع كلمتهم والاتفاق على الآتي:
– المرجعية في الدولة للإسلام كنظام ومنهج.
– حفظ الوطن وأمنه واجب الجميع.
– عدم التخابر مع العدو الخارجي بما يضر أمن الوطن ووجوده وثروته.
بهذا التعايش السلمي الذي تنادي به الشريعة الإسلامية ينعم الجميع بالأمن والاستقرار، وتبادل المنافع والخبرات بيسر وسهولة، وبجو وطني آمن ومستقر بين مختلف الأديان، بعيداً عن العنف وتصفية الحسابات وإزهاق الأرواح بتعددية دينية متميزة وفريدة لا يحققها إلا الإسلام في جو من الحرية والعدالة والمساواة، وبلا غرابة فهذا من صميم وأسس حضارة الإسلام عبر تدافع سلمي وحوار حضاري ينبثق التعايش السلمي الذي يشكله ويرعاه الإسلام العظيم.
لقد أسس الرسول “صلى الله عليه وسلم” هذا التعايش بداية وصوله المدينة المنورة، فكان السلام الأصل الأول للتعايش السلمي.
عن أبي يوسف عبدالله بن سلام “رضي الله عنه” قال: لما قدم النبي “صلى الله عليه وسلم” المدينة انجفل الناس قِـبَـله، وقيل: قد قدم رسول الله “صلى الله عليه وسلم” – ثلاثاً – فجئت في الناس لأنظر، فلما تبينت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول شيء سمعته تكلم به أن قال: «يا أيها الناس: أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلُوا الأرحام، وصلّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام» (رواه أحمد والترمذي والحاكم، وصححه الترمذي والحاكم ووافقه الذهبي).
ملكنا الأرض فوق الدهر دهراً
وخلدنا على الأيام ذكرى
أتى عمر فأنسى عدل كسرى
كذلك كان عهد الراشدين
جبينا السحب في عهد الرشيد
وبات الناس في عيش رغيد
وطوقت العوارف كل جيد
وكان شعارنا رفقاً ولينا
والحمد لله رب العالمين.