أجواء من الارتياح غمرت تونسيين؛ من سياسيين وحقوقيين وإعلاميين ومواطنين، بعد منح جائزة “نوبل للسلام” للمنظمات الأربع التي رعت الحوار السياسي، والذي أفضى لقيام حكومة التكنوقراط برئاسة مهدي جمعة سنة 2014م، وذلك بعد أن وصل الاحتقان إلى مستويات كانت تنذر بقيام حرب أهلية في البلاد، لا سيما بعد مقتل القيادي اليساري، شكري بلعيد، والقومي، محمد البراهمي، وبروز دعوات للعصيان المدني، والسيطرة على مؤسسات الدولة بالقوة، وتشكيل “تمرد” على غرار ما حصل في مصر، وقد تم التخطيط لبعض هذه الأعمال فيما عرف باسم “اعتصام باردو”.
وجاءت الجائزة تقديراً لمساهمة الرباعي للحوار، والذي يتكون من الاتحاد العام التونسي للشغل، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة، والهيئة الوطنية للمحامين التونسيين، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان.. وقالت لجنة التحكيم السويدية: لقد تمكنت تونس في السنوات القليلة الماضية، من تكوين حكومة مؤسساتية، تضمن كامل الحقوق الأساسية للتونسيين، وقد قامت المنظمات الأربع بدور في الوصول إلى توافقات.
وثمنت اللجنة دور المنظمات الأربع ووصفتها بالحيوية: لقد مثلت المنظمات الأربع دور الوسيط في تسهيل الحوار في عملية الانتقال الديمقراطي، ووضعت حجر الأساس لبناء حكم دستوري، في وقت غرقت فيه بلدان أخرى في الفوضى.
لا للإقصاء
الرئيس الباجي قايد السبسي، هنأ الشعب التونسي بمنح جائزة نوبل للسلام للرباعي الراعي للحوار، معتبراً ذلك جائزة لتونس، ونوه بالنتائج التي توصل إليها مع زعيم حزب حركة النهضة راشد الغنوشي، في باريس، والتي تطورت من وفاق للخروج من الأزمة قبل صياغة الدستور، إلى شراكة في الحكم بعد الانتخابات.
وجدد الباجي دعوته لاعتماد أسلوب الحوار عند حل النزاعات، أو بحث سبل الخروج من الأزمات، أو وضع الخطط والإستراتيجيات، وإشراك جميع الأطراف دون إقصاء، على حد تعبيره، وأكد أنه لا حلول في الحاضر ولا في المستقبل سوى بالحوار.
وكان قايد السبسي قد التقى الشيخ راشد الغنوشي، عقب الإعلان عن فوز الرباعي الراعي للحوار، بجائزة “نوبل للسلام”، كما التقى الأمين العام لحزب نداء تونس، محسن مرزوق، الذي يعيش خلافاً مع نجله حافظ قايد السبسي، وكان الحزب قد شهد استقالات، ومشاحنات لا تزال مستمرة.
نهج الحوار
الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، حسين العباسي، صرح بأن فوز الرباعي الراعي للحوار التونسي كان متوقعاً، مريم رجوي كانت الثانية في قائمة المرشحين لنيل الجائزة في سنة 2014م، وقد تم تصنيفنا كذلك في قائمة المرشحين لذلك توقعنا الفوز بالجائزة وهو ما حدث بالفعل.
رئيس الهيئة الوطنية للمحامين، فاضل محفوظ، اعتبر جائزة “نوبل للسلام” مواصلة لنهج الحوار، وفي الكلمة السحرية التي عرفت بها تونس وهي التوافق، الرابطة التونسية لحقوق الإنسان اعتبرت الجائزة تشريفاً لتونس، واعتبارها في طريق الديمقراطية.
من ناحيته، رحب اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية بالجائزة على لسان رئيسته، وداد بوشماوي، قائلة: مبروك لتونس، ومبروك لأطراف الحوار الوطني، ومبروك للأحزاب السياسية التي شاركت في الحوار وأنجحته، وهذه الجائزة أيقونة جديدة في تاريخ تونس جاءت في ظرف نحن أحوج ما نكون إليها.
واعتبر القيادي في حزب حركة النهضة نور الدين البحيري الحدث حدثاً وطنياً، وهو فخر لتونس، قائلاً: هذه فرصة للتونسيين لمعرفة بلادهم وما تنجزه، والجائزة نعتبرها تكريماً لتونس وللتونسيين، وهي مناسبة لمواصلة دعم التضامن الوطني لتخطي المشكلات والتدخلات التي تتعرض لها تونس اليوم.
احتفال وطني
ودعت حركة النهضة إلى احتفال وطني بجائزة نوبل، التي لم تكن تتويجاً لدور الرباعي الراعي لحوار فحسب، بل لروح التوافق التي شهدتها تونس بعد ذلك الدور أيضاً، وفق البحيري.
ومثل نبأ حصول الرباعي الراعي للحوار السياسي في تونس، قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية نهاية 2014م قد ملأ الدنيا وشغل الناس ولا سيما في تونس، وهي سابقة تاريخية، ودعم كبير للمجتمع المدني الناشط في تونس.
وتبلغ قيمة الجائزة 970 مليون دولار، وسيتم تسليمها للفائزين في حفل كبير يوم 10 ديسمبر القادم، لكن الإجماع الحاصل في تونس، هو أن قيمة الجائزة المعنوية أهم من قيمتها المادية؛ لأنها سترسخ قيم الحوار والتعايش مع الاختلاف، بدل تعبيد طريق السلطة بجثث الخصوم.