يتوهم كثير من المصريين وغيرهم أن قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي يسير على خطى الراحل جمال عبدالناصر، مستندين إلى التماثل الحقيقي الواضح للعيان بين الرجلين شكلاً ومضموناً، فالأخير انقلب على جماعة الإخوان المسلمين على نحو تفصيلي يحفظه التاريخ ولا مجال لتذكره هنا لضيق المقام، ووجع التجربة حينما تتكرر بعد قرابة ستين عاماً، فكلاهما أعمل في الشرفاء قضاء الله وقدره بالقتل والسجن والتنكيل والمطاردات، اختلفتْ التفاصيل وبقيتْ المؤامرة واحدة وضراوتها وألمها الذي كلف مصر المُرشحة للنهضة والتقدم في عهد ناصر إلى التبعية والتخلف والمزيد من تبعات الجهل والأمية الإملائية والثقافية إلى يومنا هذا.
أما من الناحية الشكلية؛ فلدينا صورة لقائد الانقلاب يقدم الزهور لصاحب الانقلاب الأول على الملكية والإخوان، في صورة نادرة لقائد انقلاب اليوم مرتدياً بذلة بيضاء في سن الخامسة، ربما لم يرتدِ مثلها من بعد.
لكن الحقيقة أن قائد الانقلاب الأخير فاق صاحب الانقلاب الأول بمراحل، لكن يبدو أن ضراوة الأحداث تنسي المعايشين لها، فمنذ نعومة أظفار جيلي يسمع أن التوسع في التعليم الأزهري كان أولى مميزات عصر جمال عبدالناصر، والمقصود بالتوسع هنا القانون (رقم 103 لسنة 1961م)، والذي كان من أهدافه بحسب الموسوعة الحرة “ويكيبيديا”: “تحول النظام التعليمي إلى النظم التعليمية الحديثة، وتوسع الأزهر في نوعيات وتخصصات التعليم والبحث العلمي للبنين والبنات على السواء، وضم إلى الكليات الشرعية والعربية كليات للطب وطب الأسنان والصيدلة والعلوم والتربية والهندسة، والإدارة والمعاملات، واللغات والترجمة ويتلقى طلابها قدراً لا بأس به في العلوم الدينية، لتحقيق المعادلة الدراسية بينهم وبين نظرائهم في الكليات الأخرى”.
أما إذاعة القرآن الكريم فتردد بقوة منذ صباي أنه إحدى ميزتيّ عهد عبد الناصر.
أما السيد قائد الانقلاب فبعد أن أعمل القتل والسجن والمطاردة لمئات الآلاف من المصريين، فرّغ إذاعة القرآن الكريم من محتواها اللهم إلا آي الذكر الحكيم والأحاديث الشريفة، ولم يعدها إلى عهد مبارك من جعلها محايدة خارج نطاق روح الإسلام الحقيقية، بل أقدم على جعلها بوقاً من أبواق نظامه.
ولأن المخططات التي ينفذها السيسي مختلفة عن تلك التي أراد عبدالناصر تنفيذها، فقد بدأ في محاصرة التعليم الأزهري بقوة، بصورة معلنها أقل بكثير من المخفي فيها، فالمعاهد الأزهرية في الشهادة الثانوية الأزهرية العام الماضي لم ينجح في بعضها أحد على الإطلاق، ففي منطقة “كفر الشيخ الأزهرية” لم ينجح في ثلاثة معاهد للبنين والبنات سوى طالب واحد، وهناك معلومة دارجة بين أولياء الأمور مفادها أن أوراق تصحيح أبنائهم لم تصحح من الأساس، وهكذا طلبة متفوقون اضطروا لإعادة العام كله، وكلهم خوف من أن يتكرر الوضع.
والحال في الجامعات الأزهرية ليس أفضل؛ الرسوب وإبقاء مواد للتخلف وربما إعادة العام على أشده، ومن المعروف في أوساط أولياء الأمور في مختلف مراحل الدراسة أن قائد الانقلاب لا يريد لمنظومة التعليم الأزهري البقاء من الأساس لتنهار نسب النجاح فيه إلى نيف وعشرين بالمائة.
هل للأمر ارتباط بمقاومة الأزهر للغزاة على مدار تاريخه؟ ومعرفة قائد الانقلاب أنه غازٍ لمصر تم زرعه داخلها في غيبة من الشرفاء، وإن جاء الأمر بأيديهم، أو ربما للأمر ارتباط بالمظاهرات التي عمّت أرجاء الجامعة في أول عام دراسي بعد الانقلاب، أو ربما لتخوفه من تظاهرات عارمة تضم مصر كلها وعلى رأسها الأزهر وكلياته بعد جامعه.
الخلاصة أنه تم نشر خبر الأربعاء الماضي أن 25 ألف طالب تم نقلهم إلى التعليم العام وسط ظروف وشروط قاسية للنقل، وهؤلاء ممن هم دون التعليم الجامعي، وهناك آلاف آخرون لا تنطبق عليهم شروط النقل القاسية، ولكن إلى أين تذهب المنظومة التعليمية المتكاملة إدارياً للأزهر الشريف؟ وإلى أي اتجاه يسير الموظفون والموظفات والمعلمون والمعلمات، وأساتذة الجامعة.. وهلم جراً؟ وهل هي حرب على الإسلام إذن أم على الإخوان وحدهم؟!
أسئلة بالغة المرارة تتسرب إلى النفس وسط طوفان ما يحدث بمصر وفيها، وأعرف أولياء أمور أبناءهم بالأزهر الشريف قبلوا التحدي ورفضوا التحويل لهم إلى التعليم العام علماً يقيناً منهم بأن الله سيجعل لمصر فرجاً مما هي فيه.. اللهم عجِّل بهلاك كل ظالم، وأقْدر عبادك والشرفاء على مقاومة الظلم، وحسِّن التخطيط لذلك.