هذه الثورة المباركة، الثورة السورية، طال وقتها، لحكمة يريدها الله تعالى، وكل يوم فيها جديد، وإن المتابع لمسار طرق تحركها، يجد عجائب وغرائب، تؤشر على معانٍ جليلة، في أصالة هذا الشعب، وبركة هذه الأرض، فلا غرو! إنها أرض الشام.
ومن تلك التأشيرات، ذلك الصمود المذهل على الأرض، وهذه التضحيات الجسام التي بددت كل ما كان يقال عن استقرار تربية هذا الشعب الغيور المعطاء، فإذا به يفاجئ العالم، ويرسم صورة ذهنية نظيفة عنه، تبرز حقيقته الأصيلة في التعامل مع ملفات الكرامة والعزة والإباء والجهاد والبذل، وهذه التأشيرة علامة خير على صحة المسار، ودفعة أمل تمنح البشرى، وتضع الناس على جادة التوفيق بإذن الله تبارك وتعالى.
فالأمة تكون في أزهى حالاتها، وأروع أدائها، عندما تمتلك القدرة على إثبات الذات بهذه الروحية العالية؛ (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ {139}) (آل عمران).
الاحتلال الروسي:
ومما لا شك فيه أن سورية تعتبر محتلة من الروس وبكل المقاييس، وسائر التوصيفات القانونية، وجميع التكييفات الشرعية، وإن تبرير الاحتلال بأنه منقوص لأنه جاء بطلب من الحكومة الشرعية للبلد، حكومة المجرم ساقط الشرعية، بشار الأسد! وهذا التبرير غريب بكل الصور والأشكال والألوان، ومرفوض بكل صنوف الرفض وأنواعه، ذلك أن المجرم بشار الأسد، القاتل المخرب، الذي عاث في الأرض فساداً، وارتكب جرائم ضد الإنسانية في البلد، واقترف مجازر ما عرف التاريخ لها مثيلاً، قد سقطت شرعيته، وصار مطلوب الرأس للشعب السوري، ويجب أن يحاكم، وينال الجزاء الذي يستحق، وذلك كائن بإذن الله تعالى، في يوم من الأيام، بل نقول: إن استقدامه الروس جريمة تضاف إلى سجل جرائمه، وكارثة جديدة تصف إلى جوار مصائبه، على سورية أرضاً وإنساناً.
وها هو الاحتلال الروسي يمارس جرائمه، ويرتكب الفظائع بحق أبناء الشعب السوري، من النساء والشيوخ والأطفال، ويهدم ويخرب، والوثائق في هذا الشأن موجودة، والإحصاءات محفوظة، ويا ظالم لك يوم.
ومن بدهيات المعرفة لواقع هذه القضية، أن غرفة عمليات مشتركة، مقرها بغداد، وتتكون من الرباعي: الروس – والنظام الإيراني – والنظام السوري – والنظام العراقي.
الروس والإرهاب:
يزعم الروس، بأنهم قادمون لمحاربة الإرهاب، وفاتهم أنهم هم أس الإرهاب وأصله، حيث يرتكبون كل هذه الجرائم بحق أبناء الشعب السوري، هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإن الواقع يفضحهم، حيث يقاتلون كذلك الثوار، على اختلاف كتائبهم وألويتهم وفيالقهم، فقتلوا من الجيش الحر، وكذلك أحرار الشام، ولم يفر أحد على الإطلاق، بل صبوا نار غضبهم على ما يعرف بالكتائب المعدلة، قصفوا مقراتهم ومخازنهم، وقتلوا من استطاعوا منهم، وعاثوا فساداً في كل جميل يصلون إليه.
فقضية الإرهاب ليست إلا ذريعة يتذرع بها هؤلاء القوم، ويتخذونها مبرراً وغطاء لمشروعهم اللئيم، وبرنامجهم الاستعماري.. وفي الحقيقة؛ إن الروس قادمون لعدة أسباب، سنأتي عليها، ولكن أهم سبب مباشر الآن هو القضاء على الثورة والثوار، دون تمييز بين فصيل وآخر، وكيان وآخر، وتجمع وتجمع.
صمت الغرب بل رضاه عن احتلال الروس وعدوانها على الشعب السوري:
في بداية الأمر، كان الاستنكار والشجب والتنديد والتحذير، ثم ما لبث موجه القضية أن انقلب مائة وثمانين درجة نحو الصمت والترحيب السكوتي، أو ظهور تحالفات تأييدية، وهنا يكون السؤال: هل هذا من باب توريط الروس بالمستنقع السوري، لاستنزاف قوته، وإدخاله في مسار يوقعه في دائرة التخبط؟ ومن ثم إيقاعه في فخ الدمار له، كما حصل له في أفغانستان، ربما يكون ذلك كذلك، ويحتمل أنه يروق للغرب أن يكون الوضع في سورية بهذه الصورة الذهنية، وجعل الروس الممسحة، حيث يقومون بهذه المهمة القبيحة، بالنيابة عنه في هذا الدور الخطر، وعلى كل حال فإن صمت الغرب، وعلى رأسهم أمريكا، يؤشر على معانٍ غير مريحة، ونيات مبيتة لصناعة شر قادم.
لماذا جاء الروس إلى سورية محتلين؟
وهو سؤال مهم للغاية، فإذا كنا نؤكد أنهم ما جاؤوا لحرب الإرهاب كما يزعمون، إذن لأي شيء هم قادمون؟
من المعلوم لكل متابع للحدث السوري، أن النظام أوشك على السقوط، بعد فترة من انطلاق الثورة، وأصبح عاجزاً عن مقاومة هذه الثورة الشعبية العارمة، استنجد بنظام إيران، الحليف الإستراتيجي لنظام البغي والضلال والفجور والإجرام، قامت إيران بإنقاذ النظام المجرم المنهار المتهاوي، وذلك من خلال الدعم المادي الكثير، والإمداد بالسلاح الوفير، والإسناد بالمال والخبراء، والمواقف السياسية، وتحريك أذرع نظام إيران في المنطقة، كـ”حزب الله” في لبنان، وبعض الكتائب القادمة من العراق، ودخلوا سورية، وصاروا يقاتلون أبناء الشعب السوري، ومجاهديه الأبطال، وفعلوا بسورية ما لم يفعله هولاكو ببغداد، ورغم هذا صمد الشعب السوري في وجوههم، ولقنوهم دروساً لم ينسوها، وفشلوا في إنقاذ النظام المجرم، ولما شارفوا على السقوط، وقاربت نهايتهم، تحت طرقات المجاهدين من أبناء هذا الشعب الأبي البطل الغيور الجسور، اخترعوا قضية استقدام الروس الحلفاء المساندون لنظام الإجرام في سورية، من أول يوم ثار فيه هذا الشعب، وما الفيتو في مجلس الأمن عنا ببعيد.
ويمكن تلخيص أسباب التدخل الروسي بما يأتي:
1- المحافظة على مصالحه الجيوستراتيجية، ومنها تأمين منفذ له إلى المياه الدافئة.
2- وضع قدم تنافسية له في المنطقة.
3- استعادة مكانته على المستوى الدولي.
4- القضاء على الإسلاميين، بحقد دفين، وانتقام أيديولوجي خبيث، لتغييبهم عن أي مشهد قادم في سورية.
5- الاستعداد لعملية سياسية في سورية بقيادة النظام، وتشكيل الأمر على ما يشتهون، فيبتلعون الثورة، ويرسمون الخطة الجديدة، حيث يكون الروس القوة المسيطرة على البلد، ومن الواضح أن موقف الروس من العملية السياسة لم يتغير على الإطلاق، حتى هذه الساعة، وخلاصته تبني النظام بصورة كاملة شاملة، والإصرار على بقاء الأسد وحمايته، وأنه لا يملك أحد تغييره، سوى الشعب السوري، ومن ثم فالأسد شرعي، لأن الشعب اختاره، هكذا زعموا.
أهم النتائج حتى هذه الساعة:
رغم ضربات الروس الموجعة، لكنها لم تستطع تحقيق أي هدف من أهدافها، ومعنويات عالية لدى المقاتلين، وانتصارات على الأرض خصوصاً في ريف حماة، حيث قامت قوات من النظام، و”حزب الله”، ومليشيات إيران، بالهجوم على الريف الشمالي لحماة، بتغطية من الطيران الروسي، وكان الهدف استرجاع بعض القرى والبلدات، ولكنهم أصيبوا بخيبة أمل، لما كسروا على أيدي المجاهدين، وضربات المقاتلين، واختلفت الإحصاءات في عدد الدبابات والمدرعات والآليات التي دمرت في تلك المعارك، وصارت اللائمة على الروس، الذين قالوا عنهم: إنهم ورطوهم.
الموقف من الاحتلال
كان موقف الثوار واحداً، إذ قالوا: ليس أمامنا سوى الجهاد، وكان موقف الروابط العلمائية كذلك، وأصدر الإخوان المسلمون السوريون بياناً أكدوا وجوب الجهاد والمقاومة، كما نشرت هيئة التأصيل الشرعي للجماعة فتوى بهذا الخصوص، جاء فيها: وبعد، أيها المسلمون:
فهل بعد ذلك تردد في وجوب الجهاد نصرة لدين الله ودفعاً للغازي المعتدي القاتل الذي يستبيح الأعراض ويسفك الدماء ويدمّر الحجر والشجر، ولا يرقب إلاً ولا ذمة، وقد قال تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ (البقرة: 216)، وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ، إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (التوبة: 38-39).
ما المطلوب في مواجهة الحدث؟
وهذا الأمر نقسمه إلى قسمين: الأول يتعلق بالسوريين:
– العمل على وحدة الصف، وجمع الكلمة، فيد الله مع الجماعة.
– إيجاد صيغ للعمل المشترك، يمضي في طريق الغرف المشتركة، وتوزيع العمل على أساس تنسيقي، حتى يصل إلى قيادة عمل واحدة.
– الحاجة إلى تكامل الجهود بين السياسيين والثوريين، والداخل والخارج، حتى تنتج عملاً غير متضارب، بل يقوم على قاعدة التعاون الكلي.
– إعادة النظر في كل الملفات؛ السياسية والإعلامية والثورية والعسكرية، وغيرها، وإعادة تموضعها، وترتيب أولوياتها، ورسم خطط جديدة لحراكها، وبناء منظومة عمل على ضوء هذه المتغيرات.
– ضرورة التحرك في إطار دولي لشرح القضية وتطوراتها، واستجلاب المساندة لها وفي المجالات كافة.
الثاني يرتبط بالأمة:
– يجب على أبناء الأمة عامة، وعلى النخب والعلماء خاصة، أن يكونوا سنداً وعوناً، وبناء فاعلية راسخة في مناصرة للشعب السوري؛ من أجل مواجهة الاحتلال، وتعبئة الأمة للوصول إلى حالة القيام بهذا الواجب، بما يرضي الله؛ “المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يسلمه”، “ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته”.
– ومطلوب من كل الناس أن يتقوا الله، والعودة إليه، مع الإكثار من الدعاء والإخبات، والتضرع بين يدي الله تعالى.