التفوق الكبير الذي حققه حزب «العدالة والتنمية» الحاكم بتركيا في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت الأحد 1 نوفمبر 2015م، جاء ليعزز الموقف التركي وموقف الرئيس «أردوغان» من مختلف القضايا؛ داخلياً وخارجياً.
فقد عوَّض الحزب خسائره التي حدثت في المرة الماضية، وأثبتت الانتخابات أن الناخب التركي حدَّد اختياره، ولم يتأثر بحملات التعبئة والدعاية المضادة التي جرت طيلة الأسابيع الماضية.
وانتهت الانتخابات بفوز كبير لحزب «العدالة والتنمية» بنسبة 49.4%، وسط أكبر نسبة تصويت (86%)، وحمَّلته مسؤولية كبيرة، ليظل على مستوى الثقة التي منحها الشعب له، والتي جعلت الحزب يستعيد موقعه منفرداً في تشكيل الحكومة، وأرسلت بعدة رسائل ودلالات داخل المجتمع التركي وخارجه، خاصةً المنطقة العربية:
أولى هذه الدلالات داخلياً؛ تعزيز المسار الديمقراطي، وسقوط حملات التشويه التي تعرّض لها الحزب، أما خارجياً؛ فأعطت رسالة واضحة لكل المراهنين على تراجع شعبية الحزب بسبب مواقفه الداعمة لحرية الشعوب العربية والإسلامية، وحقّها السياسي في إدارة البلاد ضمن مسار ديمقراطي.
إن نجاح التجربة التركية يمثل قيمة مضافة للتجربة الديمقراطية الإنسانية بصفة عامة، وللتجربة الإسلامية بصفة خاصة، واحترام إرادة الشعب بغض النظر عن الانحياز الفكري والأيديولوجي، وإن تدفق التأييد الشعبي لحزب «العدالة والتنمية» وبفارق كبير يؤكد التعبير الصادق عن هوى غالبية الشعب التركي المسلم، رغم عقود العلمانية المتطرفة، والعسكرية المستبدة، وتأتي النتائج لتكون مؤشراً قوياً لرضا غالبية الشعب التركي عن المواقف الإقليمية والدولية لحكومة حزب «العدالة والتنمية»، خاصة تجاه الكيان الصهيوني، وتأييد حركة «حماس» والحقوق الفلسطينية التي ادَّعت المعارضة التركية أن «أردوغان» ورَّط تركيا وأخلَّ بتفويض الشعب له، وكذلك موقفه من قضايا الشعوب المضطهدة التي تسعى لنيل الحرية، خاصة الشعبين المصري والسوري.
ورغم نسبة النجاح الكبيرة وغير المسبوقة؛ فإن نسبة المعارضة الكبيرة أيضاً ما زالت تمثل كياناً رقابياً معتبراً، ومطلوباً، حيث إن نسبة النجاح الكبيرة تمكِّن الحزب من تشكيل الحكومة منفرداً، ولكن لا تسمح بتعديل الدستور إلا بائتلاف مع أحد الأحزاب.
إن ترسيخ دولة النموذج الديمقراطي، وتآكل منظومة الانقلابات العسكرية أو الضغط العسكري على الحكومات المدنية هو خيار شعب لا حزب، والتفاف الجماهير التركية حول مشروع حزب «العدالة والتنمية».
وعلى الدول العربية وخاصة الخليجية استثمار هذا الفوز الكبير في بناء نواة لحلف إقليمي (إسلامي عربي) سياسي اقتصادي عسكري، لمواجهة التحديات الكبيرة التي تتعرض لها المنطقة، والوقوف في وجه الأطماع الإقليمية والدولية.
ومن هذا المنبر.. نبارك لتركيا هذا الفوز التاريخي.