في دراسة بحثية نشرها موقع الجزيرة للدراسات للباحثشحاتة عوض، تناولت مسيرة الإعلام المصري لتوصيف الواقع الحالي، ومحاولة الوصول للأسباب والأعراض الحقيقية التي بدأت تظهر على الساحة الإعلامية.
انطلق الباحث من البحث في جذور انطلاق الإعلام في مصر وانتقاله من إعلام حر يملكه أشخاص في عهد الملكية، إلى إعلام مقننن في عهد الناصرية، ثم إعلام مقنن مع هامش من الحرية في عهد مبارك، الذي سمح بامتلاك قنوات خاصة وإطلاق الفضائيات، ولكن بشيء من الحذر والسيطرة، لتصل مرحلة الانفتاح إلى قمتها عقب ثورة يناير وحتى وصول أول رئيس منتخب وهو الدكتور محمد مرسي.
وبحسب الورقة، ومع إطاحة الجيش بالرئيس محمد مرسي عقب مشهد 3 يوليو 2013م بدأت مرحلة جديدة كليًّا في مسيرة الإعلام الخاص الذي تحوَّل بشكل كامل لتأييد السلطة الجديدة وحشد الدعم الشعبي لها، بينما كثَّف هجومه بشكل هائل على جماعة الإخوان المسلمين وأنصارها. ولم يعد ثمة فارق يُذْكَر بين الإعلام الخاص والحكومي في هذا الأمر، وتحوَّل الإعلام المصري بجناحيه إلى إعلام الصوت الواحد الذي يغلب عليه الطابع التعبوي والدعائي للنظام الجديد.
الصعوبات المالية
الورقة اعتبرت أن الأزمة المالية أصبحت مهدد قوي لمسيرة الإعلام في مصر، وخاصة الصحافة الخاصة، وأسردت بعض النماذج ومنها صحيفة “المصري اليوم” اليومية التي كانت قاطرة الصحافة الخاصة في مصر ويملكها عدد من رجال الأعمال، والتي ترددت أنباء قوية عن وجود توجّه لتوقف النسخة المطبوعة والاكتفاء بالموقع الإلكتروني، وقبلها بحوالي شهر توقفت النسخة الورقية لصحيفة “التحرير” عن الصدور؛ حيث أعلن مالكها الاكتفاء فقط بالموقع الإلكتروني للصحيفة، وعزا ذلك للخسائر المادية الضخمة التي مُنِيَت بها الصحيفة، وقُدِّرت هذه الخسائر بنحو 50 مليون جنيه .
أمَّا صحيفة “الشروق” التي يملكها الناشر إبراهيم المعلم، صاحب دار الشروق للنشر، فتعاني هي الأخرى من أزمة مالية، أدَّت إلى تأخر صرف رواتب العديد من المحرِّرين فيها لشهور، في حين تقوم إدارة الصحيفة بدفع رواتب البعض الآخر على دفعات، ولم يختلف الأمر بالنسبة للقنوات الإعلامية.
لماذا هذه الأزمة؟
بحثت الورقة عن المسببات التي أوصلت القنوات الإعلامية إلى هذا المنحدر القاسي من الخسارة حتى اللجوء إلى الإغلاق وتسريح العاملين بها ومن هذه المسببات:
– نزيف الخسائر المستمر: لم يعد بمقدور ملَّاك بعض الصحف والقنوات الخاصة من رجال الأعمال تحمُّل نزيف، حيث التراجع الحاد في توزيع الصحف بسبب انصراف المشاهدين والقرَّاء عنها؛ إذ يُقدِّر البعض حجم توزيع الصحف المصرية مجتمِعة حاليًا بنحو 700 ألف نسخة يوميًّا، مقارنة بأربعة ملايين نسخة عام 1974.
– تراجع عائدات الإعلانات: لا توجد إحصاءات دقيقة لحجم عائدات سوق الإعلانات في مص،ر إلا أنها تُقدَّر بنحو 2 ونصف مليار جنيه (حوالي 313 مليون دولار) سنويًّا بالنسبة لأكبر عشرين فضائية وقناة مصرية، بينما تنفق هذه القنوات الفضائية ما يقرب من 3 مليارات ونصف المليار؛ ما يعني أن هناك عجزًا سنويًّا يبلغ مليار جنيه. وقد أشارت دراسة حديثة شملت عدة دول، أعدَّها نادي دبي للصحافة بالتعاون مع شركة “ديليوت” العالمية للاستشارات والتدقيق، إلى انخفاض عائدات الإعلان في قطاع الفضائيات في مصر بنسبة 30% خلال الفترة من 2011 إلى 2015.
–الأوضاع الاقتصادية الصعبة: لا يمكن فصل الأزمة الاقتصادية التي يعيشها بعض الصحف والفضائيات حاليًا عن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد عمومًا في ظل التراجع الكبير في حجم الاستثمارات الأجنبية، وتباطؤ الانتعاش الاقتصادي.
– توقف الدعم المالي الخارجي: شهدت الفترة الماضية انحسارًا كبيرًا في الدعم المالي الخارجي الذي تدفق بشكل كبير إلى سوق الإعلام المصري خلال السنوات الأخيرة. ويعود ذلك على ما يبدو إلى الحسابات السياسية لصاحب هذا المال، خصوصًا مع تبدُّل الأوضاع السياسية الداخلية والإقليمية. فأحد أسباب الأزمة التي تضرب سوق الإعلام الخاص حاليًا، في رأي البعض، هو خروج المال السياسي (الخليجي) الذي كان قد تدفَّق من أجل تحقيق أهداف سياسية إقليمية، وذلك بعدما شعر أصحاب تلك الأموال بأنهم حققوا أهدافهم.
– انحسار وتراجع الزخم السياسي: اختفت الحيوية السياسية التي كانت تتطلَّب ملاحقتَها إعلاميًّا؛ فلم يعد هناك نشاط سياسي حقيقي، بينما اختفت المعارضة والسجال السياسي. وأمام حالة الجمود السياسي وغَلَبة الصوت الواحد على المشهدين السياسي والإعلامي فَقَدَت وسائل الإعلام الكثير من جاذبيتها وحيويتها.
أزمة هيكلية:حيث أكدت الدراسة على أن أسباب الأزمة أعمق من مجرد نقص في التمويل أو تراجع في عائدات الإعلانات، بل هي في حقيقتها أزمة هيكلية تتعلق بالأسس التي قام عليها معظم هذه المؤسسات التي نشأت بصورة عشوائية بدون دراسة اقتصادية واضحة.
نمط الملكية:حيث تطرّقت الدراسة إلى جانب آخر من جوانب الأزمة التي تمر بها هذه المؤسسات، وهو الجانب الخاص بنمط ملكية الإعلام، معتبرة أنه لا يوجد في مصر حاليًا إعلام مستقل بشكل حقيقي، فإذا كانت مِلكية الدولة للإعلام الرسمي أسهمت في إضعاف وتراجع دوره وتواضع هامش الحرية المتاح أمامه وتحوُّله لأداة دعائية للسلطة، فإن دخول رأس المال الخاص في المجال الإعلامي لم يؤدِّ إلى توسيع هامش الحرية الإعلامية، كما كان متوقعًا، بل أسهم في تقييد حرية الإعلام وجعله أسيرًا لأهداف وتوجهات مالكيه الجدد، ومُعَبِّرًا عن مصالحهم. وكما تحوَّل الإعلام الرسمي إلى بوق للسلطة، تحوَّل الإعلام الخاص إلى أداة لخدمة مصالح وأهداف رجال الأعمال الاقتصادية والسياسية.
غياب الغطاء القانوني والتنظيمي:ما يفاقم من هذا الوضع غياب الإطار القانوني والتنظيمي الذي ينظِّم عمل هذا الإعلام ويضبط أداءه ويحدد نمط العلاقة بين الإدارة والتحرير في كل مؤسسة، وهو ما تسبّب في حالة الفوضى الإعلامية الحالية وغياب وتدني القواعد المهنية في عمل هذا الإعلام.
أزمة المصداقية:تطرق الباحث لدراسة تحليلية في أغسطس عام 2014 لشركة إيبسوس المتخصصة في أبحاث السوق، أظهرت من تراجع حادٍّ في نسب مشاهدة برامج التوك شو السياسية الشهيرة في مصر بين يناير ويوليو 2014؛ فعلى سبيل المثال تراجع برنامج “الحياة اليوم” من المركز الثالث إلى المركز 37، بنيما تراجع برنامج “هنا العاصمة” من المركز 8 إلى 32، و”العاشرة مساء” من13إلى 57.
للإطلاع على الدراسة كاملة:
http://studies.aljazeera.net/mediastudies/2015/10/20151022104153294847.htm