محمد فتحي النادي
باحث في الفكر الإسلامي
في المنعطفات التاريخية المهمة على الدول والتنظيمات والجماعات مراجعة مواقفها وأهدافها ورؤاها، والنظر في وسائلها وأفكارها.
فإن كان الجمود هو سيد الموقف تعرضت هذه الدول والجماعات والتنظيمات للسقوط والانحدار.
فالوقوف والجمود في حدّ ذاته تراجع عن الآخرين الذين يتحركون ويسبقون.
فإن لم يصح العزم للحركة والتغيير كان الفناء والتلاشي.
والحركات الإسلامية الفاعلة عليها مراجعة أهدافها المرحلية والتكتيكية؛ لمعرفة إلى أين وصلت بها الأمور، وتستخدم من الوسائل ما يناسب العصر والظروف التي تعيشها.
لذا فإن المراجعة والتقويم مطلوب بين الفينة والأخرى.
نقدٌ للبناء، وليس نقضاً للهدم.
هي من باب النصيحة لله ولرسوله وللمؤمنين.
ولا نريد أن يكون حالنا كقول القائل:
أَمَرْتُهُمُ أَمْرِي بمُنعَرَجِ اللِّوَى فلم يَسْتبِينُوا الرُّشدَ إِلا ضُحَى الغَد
ومن أوائل ما نريد البدء به مسألة “الشفافية”.
والشفافية تعني: الوضوح، وهي عكس التعتيم والسرية.
وهي حقّ كلِّ مواطن في الحصول على المعلومات، ومعرفة آليات اتخاذ القرار المؤسسي.
وهي مطلب ضروري؛ لوضع معايير أخلاقية، وميثاق عمل مؤسسي؛ لما تؤدي إليه من اكتشاف الفساد ومنعه، أو اكتشاف مكامن القصور وعلاجها.
والحركات الإسلامية يعتريها ما يعتري التنظيمات والجماعات والأحزاب، وليست بدعاً في ذلك، وإن كانت أقل من غيرها؛ لاتباعها للمنهج القويم، ودعوتها لما تراه الحق والصواب من كتاب رب العالمين وسُنة نبيه الكريم.
ومنذ ثورة يناير وما تبعها من أمور تسارعت الأحداث، فبعد أن كانت الحركات الإسلامية تمارس نشاطها الدعوي والسياسي في نطاق ضيق سمح به نظام مبارك، أصبحت تحمل همّ إصلاح دولة دمرها نظام يوليو العسكري من الخمسينيات وحتى قيام الثورة.
فبدأت الأحداث تتلاحق، وشعر الإسلاميون أن عليهم مسؤولية تاريخية فتقدموا الصفوف، ودخلوا باب السياسة من أوسع أبوابها، وفي مقابله انحسرت الدعوة.
ثم انقلبت الأحوال.
ودفع الإسلاميون فاتورة فترة الثورة؛ إذ كان الثأر والانتقام يشتعل في قلوب أتباع نظام مبارك، ودراويش الحكم العسكري.
ومن الجدير بالذكر هنا أن للإعلام دوراً كبيراً في الإثارة، وقد فشل الإسلاميون في الاستفادة من الإعلام، وكان القادة يتوجسون منه خيفة، وكانوا في مقام المدافع، ولم يستطيعوا الإجابة عن التساؤلات التي تموج بها الفضائيات طوال الوقت.
وترك الأتباع فريسة للشائعات تنهشهم، يؤثر تأثيراً سلبياً لا يخفى على أحد، ولا سيما أن الإعلام يرغي ويزبد، ولا تجد الجواب الشافي من القيادة لأفرادها.
وذلك دأب المجتمعات البشرية، والإسلاميون ليسوا بدعاً في ذلك، فالله تعالى يقول على لسان الخضر: ﴿وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا﴾ (الكهف:68)، فمن لا علم له لا صبر له على الأفعال التي لا علم له بوجوه صوابها، وإنما يحكم على صواب المصيب وخطأ المخطئ بالظاهر الذي عنده، وبمبلغ علمه(1).
ورسول الله صلى الله عليه وسلم أغلق باب الفتنة على أصحابه ولم يدع للشيطان عليهم سبيلاً عندما قال لهم: “عَلَى رِسْلِكُمَا؛ إِنَّمَا هِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ”.
وعلل ذلك بقوله: “إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنَ الإِنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا”(2).
فهنا شرطٌ جديد، والأمر فيه قتال، وتبعات عظيمة، فأعلمَ الصف بما استجد من أمور، فمن وافق فقد تحمل معه، ومن رفض فلا حرج عليه، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
والشفافية ليست طعناً في الثقة في القادة، بل هي تؤكد الثقة بين القيادة والصف؛ حتى لا تترك الصف فريسة للظنون، والفهم أول أركان البيعة، والقادة بشر يصيبون ويخطئون.
والشفافية للمحاسبة، وذلك حتى تتم معالجة الأخطاء، ويتحمل كل فرد نتيجة قراره، وحتى يتم تصويب المسار إذا حدث انحراف، أو التأكيد على صحة الطريق والاستمرار على نفس المنوال، وذلك حسب آليات يكون متفقاً عليها، وعدم المحاسبة سبيل إلى الفساد.
الهامشان
(1) تفسير ابن كثير، (4/160).
(2) طبقات ابن سعد، (2/14).