– حسني: مصائر الدول لا تدار على موائد البوكر اعتماداً على الحظ
– فرجاني: النظام مستمر في الاقتراض.. والأجيال القادمة هي التي ستتحمل عبء الفوائد المرتفعة
– دوابه: رفع فائدة الودائع ترقيع مفضوح للوضع الاقتصادي المتردي على حساب الكادحين
يمكن ببساطة شديدة اعتبار مضامين خطابات عبدالفتاح السيسي، رأس النظام الحالم الحاكم لمصر، هي ترمومتر الحالة الاقتصادية والسياسية للبلاد.
فقد كانت خطاباته عقب الانقلاب مباشرة، مبشرة بمستقبل زاهر زاخر قريب وعجيب، قائلاً: “وبكره تشوفوا مصر”، و”مصر أم الدنيا، وهتبقى أد الدنيا”.
كان ذلك عندما تسلم زمام الأمور من وراء الستار في بلد كان يحاول التعافي، ثم انتقلت خطاباته للتحذير من خطورة الأوضاع الاقتصادية عندما رأى بنفسه ما فعله في البلاد عاماً كاملاً من التردي والتخبط فيما سمى بالفترة الانتقالية.
الآن، تأزمت الأمور لدرجة دفعت الاحتياطي النقدي لأن يكون بالسالب لأول مرة منذ أكثر من ربع قرن، فيما جفت منابع الدعم، وتدهورت الأحوال المعيشية للناس، وانخفضت قيمة الجنيه رغم كل محاولات الإنعاش البائسة اليائسة، وأصيبت السياحة بقنبلة الطائرة الروسية المباغتة، وتبدت أزمة الأمة واضحة على ملامح وجه السيسي.
كيف وصلت مصر لهذه الدرجة من البؤس الاقتصادي؟ وما وضع الجنيه المصري المغلوب على أمره حالياً؟ وأي مستقبل ينتظره وينتظر معيشة المصريين بالتبعية؟
التاريخ القريب والبعيد يكشف حجم تدهور العملة المصرية تحت حكم الأنظمة التي تعاقبت عليه مؤخراً، حيث كشفت بيانات حديثة لوزارة المالية المصرية عن ارتفاع أسعار صرف الدولار الأمريكي أمام الجنيه المصري بنحو 22% خلال 11 عاماً، وتراجع الجنيه بنسبه 27.2% منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011م، حيث هوى الاحتياطي تحت إدارة حكم المجلس العسكري.
ثم شهدت أسعار صرف الدولار أمام الجنيه المصري ارتفاعات قياسية خلال عام 2013م عقب الانقلاب لم يشهدها منذ سنوات طويلة بفعل الدعم الخليجي الذي بلغ نحو 39 مليار دولار، حيث انخفضت قيمة الجنيه في السوق الرسمية بنحو 86 قرشاً دفعة واحدة، ثم قفز إلى 6.899 جنيه في نهاية ديسمبر 2013م.
ووفقاً للتقرير، شهدت أسعار صرف الدولار ارتفاعاً طفيفاً في أول 4 أشهر من تولي عبدالفتاح السيسي بنحو 11 قرشاً؛ إذ بلغ متوسط أسعار صرف الدولار أمام الجنيه في أكتوبر الماضي 7.154 جنيه، مقابل 7.143 جنيه في يونيو 2014م، وعلى الرغم من الارتفاع الذي شهدته أسعار صرف الدولار خلال الأربعة شهور الأولى في حكم السيسي؛ فإنها كانت الأفضل منذ ثورة 25 يناير، حيث كان الدعم الخليجي على أشده.
ثم تدهور الجنيه بشكل قياسي أمام الدولار، حيث فقد 15% من قيمته على مدى أشهر معدودة، حتى بلغ سعره في السوق الموازية غير الرسمية نحو 8.70 قرش، ثم انخفض بشكل طفيف بعد قرار للبنك المركزي بتخفيض الدولار بنحو 20 قرشاً.
محاولة للإنقاذ
وفي نفس سياق محاولات الإنعاش، أعلن البنك الأهلي وبنك مصر عن طرح شهادتي ادخار بفائدة ١٢.٥%؛ أي بما يفوق الفائدة على شهادات تفريعة قناة السويس، في محاولة أخيرة لإنقاذ الجنيه المسكين.
غير أن التقييمات الاقتصادية العالمية والمحايدة توضح حجم وعمق الأزمة، فقد أبقت مؤسسة “ستاندرد آند بورز”، على تصنيف مصر الائتماني طويل وقصير الأجل بالعملة المحلية والأجنبية عند B– وB، لكنها خفضت توقعاتها المستقبلية للتصنيف الائتماني لمصر من “إيجابي” إلى “مستقر”.
وأضافت “ستاندرد آند بورز” أنها تتوقع نمو الاقتصاد المصري بمعدل 4% حتى عام 2018م، مدعوماً بالاستهلاك والاستثمارات المحلية، وعزت تعديل نظرتها المستقبلية للاقتصاد المصري إلى استمرار العجز المالي عند مستويات مرتفعة بالرغم من تحسنه.
وحذرت مؤسسة “موديز” للتصنيف الائتماني، من عواقب حادث تحطم الطائرة الروسية في مصر على السياحة، نتيجة تعليق رحلات الطيران وتحذيرات السفر التي أطلقتها بعض الدول، وهو ما يؤثر بشكل سلبي على تصنيف مصر الائتماني.
أما صحيفة “الفاينانشيال تايمز” الاقتصادية، فقد أكدت أن مصر مضطرة لتقديم أسعار فائدة مرتفعة جداً أو التخلي عن إصدار سندات دولية، وذلك تعليقاً على قرار محافظ البنك المركزي الجديد طارق عامر برفع الفائدة البنكية على شهادات الاستثمار ولمواجهة الارتفاع المضطرد في الدولار مقابل الجنيه.
احتياجات وقروض
كل محاولات الحكومة تلك لإنقاذ الجنيه تصطدم بالاحتياجات الملحة من النقد الأجنبي الذي ربما يؤثر على سعره مجدداً، حيث يدرس بنك مصر، ثاني أكبر بنك حكومي ترتيب قرض مشترك بقيمة 300 مليون دولار، لصالح هيئة قناة السويس.
ويسعى بنك مصر للحصول على قرض دولاري من مؤسسات عالمية، بجانب طرح سندات بالدولار في الأسواق الخارجية وذلك لزيادة السيولة الدولارية بالبنك؛ بما يمكنه من إقراض المشروعات القومية التي تطرحها الدولة.
الخبير والمحلل الاقتصادي المعروف د. أشرف دوابه يؤكد أن رفع البنك المركزي سعر الجنيه بعشرين قرشاً مقابل الدولار ما هو إلا فرقعة إعلامية وحرب نفسية ونوع من المقامرة ومحاولة يائسة لإرباك المتعاملين والحيلولة دون الدولرة وتخالف النواميس الاقتصادية، وتستنزف من رصيد مصر من الموارد الدولارية، خاصة وأن موارد مصر من النقد الأجنبي في مزيد من الانهيار لانخفاض كل من الصادرات وإيرادات السياحة وقناة السويس والعاملين بالخارج والاستثمار الأجنبي المباشر.
ويؤكد دوابه أنه لن تطول تلك السياسات النقدية التي لا ترتبط بالواقع طويلاً، فلا يمكن أن يستمر دعم البنك للجنيه ضد قوى السوق، وأتوقع أن يتجاوز الدولار العشرة جنيهات في وقت ليس ببعيد.
ويعلق د. حازم حسني، الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، بالقول: مصائر الدول لا تدار على موائد البوكر اعتماداً على الحظ ولا على مخادعات البوكر – خاصة إذا كانت مكشوفة – ولا ببركة دعاء الوالدين ولا بتصديق أكذوبة أن الله يقف معنا، الله لا يقف مع الذين يخدعون أنفسهم ويتصورون أنهم يخدعون الآخرين!
ويختتم تعليقه ساخراً: يبدو أن البنك المركزي قد قرر التخلي عن سياساته المحافظة وقرر اللجوء لسياسة “اصرف ما في الجيب، يأتيك ما في الغيب”.. ربنا يوفق!
وعد ووعيد
ويرى المفكر القومي د. نادر فرجاني أن كل وعود السيسي انقلبت وعيداً مدمراً، وجاء قرار رفع الفائدة على الودائع كمؤشر آخر على انهيار الجدارة الائتمانية للاقتصاد المصري، مشيراً إلى أنه حتى الاقتراض من الخارج لم يعد يسيراً بسبب إدارتهم الفاشلة للاقتصاد، والأجيال القادمة هي التي ستتحمل عبء اقتراضهم بفوائد مرتفعة.
ويختتم د. فرجاني بالقول: عوضاً عن أن تكون التفريعة “الأسطورية” قد أغرقت مصر كلها في الأموال الإضافية، فإن هيئة قناة السويس تقترض مجرد 300 مليون دولار.
أما ديفيد هيرست، الكاتب البريطاني المهتم بتحليل شؤون الشرق الأوسط، فقد كتب مقالاً بموقع “هافينجتون بوست” قال: لم تحز تلك الألاعيب النارية على إعجاب الأسواق المالية، رغم اقتناع هذه الأسواق بأن ماليات الدولة تتجه جنوباً، يعاني الجنيه المصري من أسرع انهيار له منذ عهد الملك فاروق، وقد تم استبدال محافظ البنك المركزي، ويحاول البنك الآن جاهداً دعم الجنيه من خلال رفع معدلات الفائدة وضخ الدولارات في البنوك، ولكن ذلك لن يضع حداً لمزيد من فقد الجنيه لقيمته، وهو المصير الذي يقول المحللون: إنه بات محتوماً.
من الجدير بالذكر أن الجنيه فقد 14% من قيمته خلال عشرة شهور فقط.