في مراجعة نقدية للكُتّاب الغربيين، أكد الكاتب والمفكّر الغربي بيتر ماندفيل أن العالم يتجه نحو التجمع أكثر على مفهوم الأمة، وأن الصراع سيكون أيدولوجياً أكثر منه غير ذلك.
المشهد مع التركمان يوحي بذلك وربما يؤكده فهم امتداد أيدولوجي وتاريخي للدولة الإسلامية العثمانية، حيث كانوا رمانة الميزان التي يستخدمها العثمانيون في عمل توازن في الدول التي يتواجد بها العرب، وهم أهل سنة.
تخيّل أن تشعر روسيا بطعنة ظهر من إسقاط طائرة لها اخترقت مجال تركيا الجوي ما حجم الألم في المصطلح الذي استخدمه بوتين “طعنة في الظهر”، ويكون الرد على هذا الألم هو قصف قرى التركمان في سورية، مما يعني أن روسيا تعلم جيداً أهمية وحرص تركيا على التركمان لتعتبرهم عقاباً مناسباً للرد على ما فعل بها من قبل الأتراك.
من هم التركمان
التركمان هم مجموعة من القبائل والعشائر التي تتواجد في عدة دول “سورية – العراق – إيران – أفغانستان – فلسطين – الأردن…)، تعود نشأتهم لدولة السلاجقة، ويقال أن اسم التركمان هو معنى مرادف أو مأخوذ من السلاجقة، الباحث إبراهيم الساعدي في دراسة له عن التركمان يقول: يقال إن الفرق بين التركمان والأتراك هو كالفرق بين العدنان والقحطان أصل العرب، أما الاختلاف اللغوي بينهما هو كاختلاف اللهجة العربية العراقية و اللهجة العربية السورية، و مازالت اللهجة التركمانية تحتفظ بنسبة 40% من المفردات العربية بخلاف اللهجة التركية التي أدخلت إليها، بعد تأسيس الجمهورية التركية.
لهم باع طويل في الدولة الإسلامية ومنهم قادة اشتهروا بتواجدهم في معارك فاصلة أشهرهم بيبرس ومظفر الدين كوجك أحد قادة صلاح الدين وزوج شقيقته، وهو أمير دولة الأتابكة في أربيل.
في سورية يتمركزون في اللاذقية، ويتوزعون على عدة مناطق منها ريفية ومنها مدن، عاشوا سنوات من الاضطهاد والظلم الاجتماعي من قبل نظام الأسد مثلهم مثل باقي الطوائف والأقليات بل والأغلبية السنية، اعتبرهم الأسد ممثلي تركيا، أو بمعنى أكثر وضوحاً أنهم قدم وذراع تركيا في سورية، لذلك منعهم الوظائف العامة، وتعليم لغتهم وغيرها من وسائل التضييق.
مناطق تواجدهم
يبلغ تعداد التركمان ما بين 1.5إلى 4 ملايين نسمة، وبحسب الباحث التركماني علي أوز تركمان، فإن مناطق توزع التركمان تشمل:
– محافظة حلب في مناطق منبج والباب وجرابلس والراعي (جوبان باي) وأعزاز, حيث يوجد 145 قرية تركمانية شمال المحافظة، وفي المدينة يسكنون في حي الهلك وبستان الباشا والحيدرية والأشرفية وقاضي عسكر.
– محافظة الرقة: يوجد بها 20 قرية تركمانية.
– محافظة حمص ذات الأكثرية من الأصول التركمانية في المدينة بنسبة 65%، وفي الريف حوالي 57 قرية تركمانية.
–في محافظة حماة ( مصياف وسلمية) حوالي 30 قرية تركمانية.
–في محافظة طرطوس 5 قرى تركمانية.
–وفي الجولان محافظة قنيطرة المحتلة 20 قرية تركمانية. وهي في الأصل من الجماعة التركمانية التي كان عددها خمسة آلاف نسمة، وكانوا يتوزعون على قرى الجولان قبل أن تحتله إسرائيل عام 1967 وقام العدو بطرد معظم سكانه السوريين ما عدا الدروز.
–وفي محافظة إدلب جسر الشغور 5 قرى تركمانية مع حارة للتركمان في مركز مدينة جسر الشغور.
– وفي محافظة درعا 13 قرية تركمانية.
–في محافظة دمشق 5 قرى تركمانية وفي المدينة ذاتها تتوزع مجموعة من التركمان في المناطق التي يسكنها نازحو الجولان حي القدم والبرزة وحجر الأسود وسيدة زينب، والذين فقدوا أراضيهم في مرتفعات الجولان بعد نزوحهم منها عام 1967.
–وفي محافظة اللاذقية في قسمه الشمالي بالقرب من الحدود التركية في منطقة رأس البسيط ومرتفعات الباير يوجد 70 قرية تركمانية مع حارتين للتركمان في مدينة اللاذقية علي الجمال ورمل الشمالي.
جزء من الثورة
دخلوا الثورة السورية في 2012م، وأعلنوا عن تشكيل لوائهم المسلح للمشاركة في إسقاط بشار، وأعلن قادة التركمان أن هدف مشاركتهم في الثورة يرمي إلى إزاحة بشار وإقرار نظام ديمقراطي يحترم الجميع، وبحسب إحصائيات منشورة فيقدر عدد أفراد الألوية التركمانية بما يقارب 10 آلاف، ينقسمون إلى مجموعات أهمها (لواء جبل التركمان والمكون من 12 وحدة – ولواء السلطان سليم وهو موال للأكراد،ولواء السلطان محمد الفاتح، ولواء السلاجقة، وكتيبة أنوار الحق، ولواء السلطان مراد، ولواء أصحاب اليمين، وتنضوي بعض هذه الألوية تحت قيادة الجيش السوري الحر، فيما يتبع بعضها لتجمعات إسلامية).
العثمانيون الجدد والتركمان
عندما تقوم بتحليل موقف دولة بحجم تركيا، فعليك الهدوء وعدم الانجرار وراء الكثير مما يكتب، خاصة إن كانت الكتابة مجرد تحليل مبني على أحداث مؤقتة، فمثلاً الكثير من التحليلات تتحدث عن علاقات مشبوهة بين تركيا والتركمان، وهي رواية بشار الأسد التي تجد لها متسعاً في صفحات بعض المواقع ومنها العربية.
فيما يرى البعض أن تركيا تستخدم الأكراد على الأقل بمنطق المصالح المتبادلة، تقوم بتدريبهم وحمايتهم في مقابل حماية حدودها ووضع قدم لها في المشهد.
لكن يمكن الادعاء بأن فهم الموضوع يحتاج لعمق أكثر، فتركيا اليوم يحكمها حزب له أيديولوجيا وعقيدة تحركه انطبعت على سلوكه تجاه الغير وخاصة الملف الخارجي، ووصف العثمانيين الجدد وصف فيه الكثير من الحقائق، حيث العودة الجذور، وسعي الحزب إلى إعادة تركيا لعهد الإمبراطورية التي لها وزن وتأثير عبر التواجد في مناطق عدة، ولذلك نرى اليوم دور تركيا الإقليمي في عدة قضايا دولية.
جانب آخر متعلق بالأيدولوجيا والمنظور، فحين تقوم تركيا بإرسال حامية جنود لانتشال رفات جسمان مر عليه قرون، فهي تقول باختصار: إننا نؤمن بشيء ونعمل على إحداث وترسيخ هذا الشيء، هو أن تركيا أصبحت فاعلة لدرجة حماية إرثها الموجود خارج أرضها.
ربما هذا ما يفسر العلاقة بين تركيا والتركمان، ولا يمكن أن نغفل قوة التركمان خاصة في سورية والعراق، وبالتالي فليس عيباً أن تتحرك تركيا لتدعمهم وتحقق من وراء ذلك منافع مشتركة خاصة أن تلك المنافع تشمل الحفاظ على الأنفس وحماية أقلية.