استقال رئيس هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات المصرية (إيتيدا)، معلناً في نص استقالته أنه رفض إهدار أموال الهيئة في بناء مناطق تكنولوجية لا عائد من ورائها على المدى القريب.
أحدثت الاستقالة دوياً هائلاً في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، لتفتح جدلاً واسعاً حول جدوى التوسع في إنشاء المزيد من المناطق التكنولوجية.
ياسر القاضي، وزير الاتصالات المصري الحالي، الذي استمر في نضاله لإنشاء الشركة المساهمة المنوط بها تنفيذ المناطق، نجح في الحصول على موافقة مجلس إدارة الهيئة رغم اعتراض رئيسها، مدفوعاً بتكليف رئاسي ورثه عن سابقيه من وزراء الاتصالات، تكليف يشبه ما جرى في المشاريع السابقة، كالتفريعة الجديدة، أمر سلطوي لابد أن ينفذ فوراً وبدون مناقشة من قبل المختصين والخبراء، هدفه الوحيد الحصول على لقطة وتغطيات إخبارية بإنجاز ما، حتى ولو لم يكن الإنجاز له قيمة.
تأسيس الشركة العقارية نفسه – التي ستنشئ المناطق المطلوبة – معرض للتعثر قبل أن يبدأ في موعده المزمع نهاية العام الحالي، طارحاً أسئلة كبرى حول جدوى إنشاء هذه المناطق، لاسيما في مثل الظروف التي تمر بها مصر والمنطقة العربية عموماً، وفي ظل انعكاساتها الإقليمية والعالمية، نظراً لأن كبار اللاعبين في قطاع الاتصالات المصري من شركات عالمية وعربية عملاقة، سينالها عبء تحمل جزء من التكاليف.
براقة ولكن..
وتبدو المناطق التكنولوجية للرائي من بعيد براقة – مثل الفكرة عنها – لامعة بافتخار، لاسيما حينما ينعكس ضوء شمس القاهرة على مباني “القرية الذكية”، ذات الجدران الزجاجية النظيفة كما أرادها أحمد نظيف، رئيس الوزراء في عصر مبارك، صاحب فكرتها وواضع حجر أساسها.
القرية الذكية المصرية بمنطقة “أبورواش”، هي أم القرى الذكية، باكورة المناطق التكنولوجية في مصر، وعاصمة التكنولوجيا المصرية، حيث يقع مقر وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، ومكتب لرئيس الوزراء، ومبانٍ ضخمة لشركات عالمية ومحلية، ومؤسسات مصرفية وخدمية، وهي نموذج ناجح ضمن مشروع ضخم لم يصادف النجاح مثيلاتها من المناطق التكنولوجية، التي تريد الحكومة المصرية بناء عشر منها جديدة عبر إنشاء شركة متخصصة تساهم فيها عدة جهات ومؤسسات.
منذ إنشائها بدعم رئاسي كامل (من الرئيس الأسبق حسني مبارك وابنه جمال) على يد نظيف، والقرية تنمو ببطء وثبات، ولكن لا تزال هناك مبانٍ لم تنجح الحكومة في تأجيرها بعد، ومساحات لم تتمكن من تسويقها للشركات الراغبة في اتخاذ مقارها بنطاق القرية، لذلك يستهجن المهندس حسين الجريتلي، رئيس الهيئة المستقيل، السعي لإنشاء المزيد من المباني، وأم القرى الذكية لا تزال تعاني، وميزانية الهيئة لا تحتمل، وقواعد الهيئة لا تسمح.
ويضيف أنه يحترم من يعتبر أن المناطق التكنولوجية تدخل ضمن نشاط الهيئة، وأنها ذات جدوى؛ “ولكنني واثق من أنه لو تم طرحه على حوار موسع بين الخبراء والمتخصصين فسوف تجمع الأغلبية في تصوري إلى ما ذهبت إليه من أن الهيئة ليس منوطاً بها إنفاق الـ1% التي تحصلها من شركات الاتصالات بهدف تنمية القطاع ومساعدة الشركات الناشئة على أسمنت ورمل وحديد في الصحراء.
د. حازم عبدالعظيم، رئيس هيئة تنمية صناعة التكنولوجيا الأسبق، ومسؤول لجنة الشباب في حملة السيسي الرئاسية سابقاً، قام بتوجيه التحية للمهندس حسين الجريتلي، معرباً عن احترامه لموقفه لرفضه أن يؤدي دور زكي قدرة في زمن الفنكوش! مضيفاً أن المواقف الصعبة دائماً هي التي تصنع وتظهر معدن الرجال، وفق ما ذكره على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”.
على الناحية الأخرى، يأتي المهندس محمد عبدالوهاب، رئيس مجلس إدارة المنطقة التكنولوجية بالمعادى ومستشار وزير الاتصالات للمناطق التكنولوجية، كأشد المؤيدين للتوجه نحو المناطق التكنولوجية، كاشفاً في تصريحات له عن أن دار الهندسة – التحالف الفائز بمخطط مشروع قناة السويس الجديدة – أوصى بإنشاء 3 مناطق تكنولوجية جديدة غرب قناة السويس، ليصبح عدد المناطق التكنولوجية التي سيجري إنشاؤها خلال الفترة المقبلة، 10 على مستوى الجمهورية.
وقال عبدالوهاب، في تصريحاته: إن الهدف من إنشاء المناطق التكنولوجية في مصر هو جذب استثمارات الشركات العالمية التي تعمل في مجال الخدمات والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الخاصة بصناعات التعهيد – كول سنتر- وغيرها من الخدمات التي برزت فيها مصر واحتلت المركز الأول عالمياً، فضلاً عن توفير فرص عمل للشباب، وفي دولة مثل الهند يوجد أكثر من 100 منطقة تكنولوجية، مشيراً إلى أن المنطقة التكنولوجية في المعادي، تلقت 16 عرضاً من مستثمرين محليين وأجانب خلال فعاليات المؤتمر الاقتصادي السابق المنعقد في مدينة شرم الشيخ مارس الماضي، لاستغلال 22 مبنى بالمنطقة على 12 قطعة أرض بإجمالي مساحات 135 ألف متر مسطح، وباستثمارات 1.5 مليار جنيه ومن المتوقع الانتهاء من إنشاء تلك المباني عام 2017م.
واقع المناطق
موقع وزارة الاتصالات يقول عن المناطق التكنولوجية: إنها تدخل ضمن نطاق حرص الحكومة المصرية على إقامة مناطق تكنولوجية في مختلف أنحاء الجمهورية، لتوفير بيئة داعمة تعمل على تطوير صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على المستوى المحلي، إلى جانب تعزيز سمعة مصر باعتبارها مقدم خدمات عالمية المستوى في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وخدمات التعهيد.
وحول منطقة المعادي التي بدأ العمل فيها عام 2010م، فقد طرح 22 مبنى ليتم إنشاؤها بحلول عام 2017م بعد ترسية الأراضي لمزيد من مشاريع التطوير العقاري (المباني الصديقة للبيئة على مساحة 1300 – 1400 متر مربع) في المنطقة التكنولوجية بهدف جذب صناعات التعهيد والنقل إلى الخارج في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
أما منطقة برج العرب، فقد تم الاستثمار في منطقة تكنولوجية متكاملة على مساحة37.800 متر مربع، وتبلغ المساحة المبنية حوالي 126.000 متر مربع على أساس نظام حق الانتفاع بتكاليف الاستثمار الإجمالية: 161 مليون دولار وفترة بناء المشروع هي 4 سنوات ودورة استرداد رأس المال (المستثمرين) تتراوح ما بين سنوات 8.5 – 9.5.
أما منطقة العاشر من رمضان، فالاستثمار في منطقة تكنولوجية متكاملة على مساحة120.000 متر مربع وتبلغ المساحة المبنية حوالي 480.000 متر مربع في مدينة العاشر من رمضان وتبلغ تكاليف الاستثمار الإجمالية: 505 ملايين دولار، وتمتد فترة بناء المشروع إلى 4 سنوات ودورة استرداد رأس المال (المستثمرين) تتراوح ما بين سنوات 8.5 – 9.5.
باقي المناطق لم يتم الكشف عن تفاصيلها بعد، وإن كانت مساهمة “إيتيدا” في الشركة المزمع إنشاؤها الشهر الحالي ديسمبر لإنشائها تبلغ نحو 400 مليون جنيه من جملة مليارين وسبعمائة مليون جنيه رأسمال الشركة.
وتتفاوت حصص المساهمين في الشركة الذين تأتي على رأسهم حصة هيئة البريد بـ30%، تليها حصة هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات (إيتيدا) بنحو 15%، وهي نفس حصة هيئة المجتمعات العمرانية والشركة المصرية للاتصالات، بينما تبلغ مساهمة بنك الاستثمار القومي، حصة قدرها 10%، في حين تقدر حصة صندوق العاملين بالحكومة من 10%.
دور هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات يتمثل في أنها ستمول الدراسات المختلفة التي تحدد الأسس الاقتصادية لكل منطقة تكنولوجية ونوعية الخدمات التي ستقدمها.
وتشارك هيئة المجتمعات العمرانية بحصة عينية تمثل قيمة الأراضي المخصصة للمشروع طبقاً لدراسة الجدوى المتوقع أن تتراوح بين 15 و20% من إجمالي استثمارات المشروع في المدن الجديدة الواقعة في نطاق محافظة الإسكندرية على مساحة 30 فداناً، وبني سويف 50 فداناً، وأسيوط وأسوان 41 فداناً، والشرقية 85 فداناً، ووادي التكنولوجيا 100 فدان، وفي المطار على مساحة 100 ألف متر، ومدينة السادات على مساحة 50 فداناً.
وحددت وزارة الاتصالات التكلفة الإجمالية لإنشاء المناطق التكنولوجية الجديدة بنحو 24 مليار جنيه تتحمل الحكومة والهيئات التابعة لها 20% منها.
وانتهت شركة الاستشارات الإنجليزية “آرنست آند يونج” نهاية العام الماضي من دراسة جدوى إنشاء الشركة، وتضمنت الدراسة شكل الشركة المساهمة وأفضل نموذج يمكن أن تعمل عليه.
وفي يونيو من العام الماضي، وقعت وزارتا الاتصالات والإسكان، مذكرة تفاهم بين هيئتي المجتمعات العمرانية وتنمية صناعة الاتصالات، بهدف تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية باستخدام تكنولوجيا المعلومات، وخلق مناخ استثماري جاذب.
ونصت مذكرة التفاهم على تنفيذ المشروع القومي لنشر المناطق التكنولوجية في المحافظات المختلفة، من خلال عقد شراكة بين هيئتي تنمية صناعة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والمجتمعات العمرانية الجديدة.
واتفقت الهيئتان على اتخاذ الإجراءات اللازمة لإنشاء شركة مساهمة مصرية وفق قانون الشركات (159 لسنة 1981)، وقانون الاستثمار (8 لسنة 1997) بين الهيئات الاقتصادية في وزارتي الاتصالات والإسكان والمرافق.