في ورقة مقاربة نشرها موقع “الجزيرة للدراسات”، تناولت مجريات الحوار الليبي برعاية أممية ومخرجاته، وهي الورقة التي أعدها الباحث السنوسي البسيكري، قامت على فرضية أساسية أن فشل تجربة المبعوث الأممي السابق برناردو ليون بسبب أسلوب المبعوث السابق ومقاربته للحوار، فقد ظهر جلياً أن ليون ارتبك في تعاطيه مع الأطراف المتنازعة، وانعكس ارتباكه في صياغات المسودات، بحيث يفاجَأ الأطراف في كل جولة بمسودة تختلف اختلافاً جذرياً عمَّا تم الاتفاق عليه، مما يوحي بغياب الموضوعية والحياد.
كما وأكدت الورقة فرضية أن استمرار المبعوث الحالي على نهج سابقه، وتأكيده المضي قدماً في المسودة التي توصل إليها ليون هو تأكيد أن الأفق لا يبشر بخير.
تطور التعامل مع ليون
سرد الباحث لتطور الطرح الذي قدمه ليون موقف الفاعلين الليبيين منه، وقد بدأ الباحث بالتذكير بأن أطرافاً ليبية لم تكن موافقة منذ البداية على الحوار برعاية أممية نتيجة لوجود قراءات بشأن تحقيق انتصار عسكري على الأرض، إلا أن الأطراف رضخت للحوار وتبلورت أجندة الحوار السياسي بين الأطراف المتنازعة بشكل أوضح في النسخة الثالثة من المسودة التي دأب مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا السابق، برناردينو ليون على الإضافة إليها والحذف منها؛ لتلائم مطالب الطرفين، وتمخضت أجندة ليون في مسوداتها الأولى عن نقطتين أساسيتين، هما:
– الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية.
– الاتفاق على جملة من الترتيبات الأمنية.
لكنَّ موقفاً متصلباً من المؤتمر الوطني العام الذي طالب بأجندة شاملة تتضمن التوافق على سلطة تنفيذية وسلطة تشريعية تراقبها، وموقفاً أكثر صلابة من البرلمان، مطالباً بعدم المساس به باعتباره الممثل الشرعي لليبيين، ربما أسهما في دفع ليون والأطراف الدولية إلى إعادة النظر في المقاربة السابقة فكانت المسودة الرابعة.
الأفكار التي وزعها ليون على وفدي التفاوض في مسودته الرابعة اقتربت من فكرة الأجندة الشاملة، حيث تناولت التوافق على منظومة مؤسسية تشمل:
– حكومة وفاق وطني.
– مجلس تشريعي.
– مجلس رئاسي أعلى.
وتضمن مقترح الأجندة الجديدة التفاوض حول مجلس الأمن القومي ومجلس البلديات الذي يشمل عمداء البلديات التي تم انتخابها العام الماضي.
لم تتطرق المسودة الرابعة إلى تفاصيل دقيقة حول الصلاحيات؛ حيث تركت ذلك للتفاوض بين الأطراف، لكن الإطار العام يدور حول إسناد سلطة التشريع والرقابة للبرلمان في شكله الجديد، على أن يُمنح المؤتمر الوطني العام في صيغة المجلس الرئاسي حق الاعتراض على قوانين وقرارات تتعلق بقضايا مصيرية محددة وترتبط بالخلاف الجوهري بينهما.
الجدل حول المسودة الخامسة
الجدل الذي دار حول المسودة الخامسة كان محورياً، حيث الاعتراض على بنود اعتبرها كل طرف تتعلق بالسيادة، فالمؤتمر الوطني يرفض إقرار قرارات البرلمان المقام في طبرق خاصة ما يتعلق باللواء خليفة حفتر، في حين رفض طرف البرلمان تجاوزه واعتباره كأن لم يكن، حيث أصرَّ المؤتمر الوطني على موقفه من رفض التوقيع على المسودة ما قبل الأخيرة إلا بعد إجراء تعديلات عليها تحقق التوازن بينه وبين البرلمان، ونجح من خلال صلابة موقفه ودعم قاعدته الشعبية والسياسية والعسكرية في دفع ليون والسفراء الغربيين إلى الالتفات إلى موقفه، فكان اجتماع إسطنبول في مطلع شهر سبتمبر بمثابة خطوة للاستماع لمطالب المؤتمر، ووَعْده بأن يتم فتح الشمع الأحمر؛ بمعنى إعادة النظر في المسودة.
كوبلر.. البدء من حيث انتهى ليون
من الواضح أن المجتمع الدولي لم يلتفت إلى التسريبات التي تؤكد عدم حيادية ليون، ومن المؤكد أن المبعوث الجديد، مارتن كوبلر، بدأ من حيث انتهى سلفه فيما يتعلق بمسودة الاتفاق ومقترح حكومة الوفاق الوطني؛ إذ يصر كوبلر على:
– عدم المساس بالمسودة الأخيرة التي أعلن عنها سلفه ليون.
– عــدم التغيير في رئاسة وعضــــوية الحــكومة المقــــــترحة.
– قبوله بالإضـــافة على مجلس الحـكومة نائبين كــحدٍّ أقصى.
فرص كوبلر في النجاح
تحت هذا العنوان، أوضح الباحث أن فرصة كوبلر أفضل من سابقة، حيث تتعزز فرص نجاح كوبلر بالنظر إلى جملة من المعطيات المهمة التي يمكن إجمالها فيما يلي:
– التصدع في الجبهة السياسية والعسكرية في كلا المعسكريْن ونشوب نزاعات بين مكوناتهما الأساسية.
– ضغط الشارع الذي سَئِم الاقتتال ويتطلع إلى استقرار يلبي طموحاته وتحسين مستوى عيشه المتدني.
– تراجع الدعم الإقليمي وازدياد الضغوط الدولية المطالبة بتوحيد الجهود لمواجهة خطر تنظيم الدولة “داعش”.
التحديات أمام المبعوث الجديد
– عزَّزت التسريبات الخاصة بتواصل المبعوث الأممي السابق ليون مع دولة الإمارات شكوك أطراف فاعلة في كلتا الجبهتين حول الحوار، وهي بالتالي لا تتوقع أن يكون كوبلر أكثر حيادية من سلفه.
– الملف الأمني شائك خاصة ما يتعلق بتوصيف أطراف النزاع للمواجهات الدائرة؛ حيث يعتبرها أنصار البرلمان حربًا على الإرهاب، ويصنِّفها أنصار المؤتمر مخططاً للانقلاب على ثورة 17 فبراير.
– مستقبل الجنرال خليفة حفتر في المشهد السياسي الليبي من أبرز تعقيدات التوافق؛ حيث يُصِرُّ الفاعلون في البرلمان على عدم المساس بمنصبه، فيما لم يتغير موقف أنصار المؤتمر الذين يطالبون باستبعاده من المعادلة السياسية والأمنية الجديدة.
– لن يكون للتوافق صدى إيجابي ما لم يصحبه ترتيبات أمنية متوازنة، إلا أن التوازن قد يكون صعباً في ظل الحرب المستمرة في بنغازي، وفي ظل الموقف الأمني في المناطق الواقعة جنوب غرب طرابلس؛ حيث خطوط التماس بين القوة التابعة لرئاسة أركان المؤتمر الوطني و”جيش القبائل”.
التداعيات في حال فشل الحوار
– تكريس حالة الانقسام وشرعنته وتحـوله إلى واقــع يتعايش معــــه الليبيون ويقبلون به.
– مزيد من الانفلات الأمني وارتفاع معدلات الجريمة في ظل استمرار الفــراغ السياسي.
– مزيد من التردي على المستوى الاقتصــادي ومواجهة المواطن ظـروف عيش قاسية.
– اشتعـال جبهات القتال واتسـاع نطـاقها ربمـــا في كــافة المناطق غـرباً وشـرقاً وجنـوباً.
– تعزيز فرص التدخل العسكري بقرار دولي، أو حـتى عبر حـلف غربي عربي صــغير.
يعاب على الورقة التي استعرض فيها الكاتب والمحلل السياسي الليبي السنوسي البسيكري أنها لم تتناول القوة القائمة على الأرض ووضع القوى الحالي من حيث الإمكانات والقدرة على المواجهة وإحداث فارق، كما لم تتناول الورقة بشكل معمق الدول الإقليمي لبعض الدول المحيطة بليبيا والتي تمارس أدواراً مهمة فيما يخص الحوار القائم أو حتى الاحتراب.
للاطلاع على الورقة كاملة اضغط هنا.