تناولت الباحثة في الشؤون “الإسرائيلية” بجامعة القاهرة د. هبة جمال الدين ورقة نشرت في مجلة السياسة الدولية عن رؤية مراكز الفكر ودوائر صنع القرار في “إسرائيل” للصفقة النووية الإيرانية الدولية، برعاية أمريكية، وانعكاسات ذلك على دور طهران الإقليمي، وشكل التفاعلات بالإقليم، خاصة العلاقات التركية – الإيرانية، والتركية – “الإسرائيلية”.
ومن ثم، تناولت الورقة الرؤية “الإسرائيلية” لإيران، والمنظور “الإسرائيلي” للاتفاق، وانعكاسات الاتفاق علي الدور الإقليمي الإيراني، وبدائل السياسات المطروحة أمام صانع القرار “الإسرائيلي”.
أولاً: الرؤية “الإسرائيلية” لإيران:
تنظر “إسرائيل” لإيران كدولة راعية للإرهاب تتجه إلي امتلاك قدرات نووية عسكرية، خلال المستقبل القريب، وترى أن النظام الإيراني معادٍ للغرب ولـ”إسرائيل”.
وترى “إسرائيل” أن إيران تؤدي دوراً محورياً في نشر الإسلام الراديكالي، فهي تستخدم العنف والإرهاب لتحقيق أهدافها الإستراتيجية، حيث ترعى الجماعات الجهادية الكونية كـ”حزب الله”، والحركات الفلسطينية، والنظام السوري، عبر الإمداد بالأسلحة والتكنولوجيا، ومن ثم تمارس هذه التنظيمات والحركات أنشطة كمؤسسات إيرانية بالوكالة.
ثانياً: التفاهم الأمريكي – الإيراني:
كل من الولايات المتحدة و”إسرائيل” لديهما هدف مشترك في منع إيران من امتلاك سلاح نووي، وتتعاون كل منهما لتحقيق هذا الهدف، لكنهما تختلفان في أسلوبهما لاحتواء هذا التهديد، المقصود هنا على وجه الخصوص التنازلات النووية التي على إيران تقديمها، وللدور الإقليمي الإيراني، فالولايات المتحدة تهدف إلى منع إيران من تطوير الأسلحة النووية، أما “إسرائيل” فتسعى لمنع طهران من امتلاك القدرات اللازمة لإنتاج السلاح النووي بالأساس، وليس تطويره فقط، فهي تذهب إلى أبعد من الرؤية الأمريكية.
وتقيم “إسرائيل” الدور الأمريكي نحو إيران بأنه مختلف خلال فترتي حكم باراك أوباما، فالولاية الأولى غير الثانية، خاصة في ظل اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، حيث تؤكد أن أمريكا من خلال هذا الاتفاق لا تسعى لإقناع إيران بالإقلاع عن طموحها النووي، والحد من تخويف “إسرائيل”، بل في المقابل ستمنحها الأمان الاقتصادي، عبر رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.
ثالثاً: انعكاسات الاتفاق النووي على دور إيران الإقليمي:
تؤمن “إسرائيل” بأن إيران تنظر للاتفاق الأمريكي بحسبانه انتصاراً للدولة الإسلامية الإيرانية، فهو إنجاز للمطلب الإيراني للهيمنة الإقليمية، نجحت في الوصول إلى عمق بعض الدول كلبنان، وسورية، واليمن، والعراق، مؤججة الصراعات، ومستخدمة الدم الطائفي، إضافة لدعمها للمقاومة الفلسطينية.
إن الانعكاسات الإقليمية للاتفاق الإيراني مع المجموعة السداسية سينتج عنها تعميق التدخل الإيراني في الإقليم من العراق في الشرق، ولبنان وسورية في الغرب، وشبه الجزيرة العربية من خلال اليمن؛ مما يهدد الدول العربية السُّنية، خاصة السعودية والبحرين، وترى مراكز الفكر بـ”إسرائيل” أن هناك تغيراً في مسار التطورات في حروب المنطقة، عقب الاتفاق مع إيران، على النحو الآتي:
– الجبهة السورية: فالحرب ضد النظام السوري كانت بمنزلة ضربة قوية للإستراتيجية الإيرانية التوسعية، خاصة أن إيران لديها نهم جم في الهيمنة على منطقة الشرق الأوسط، ومن ثم، فإن فرض عقوبات دولية ضد نظام الأسد سيحد من طموح إيران الإقليمي، خاصة أن محاولات إيران لإشراك النظم السُّنية لم تجنِ ثمارها.
وترى “إسرائيل” أنه في حال سقوط نظام الأسد (وهو السيناريو الأبعد من الوجهة “الإسرائيلية”)، فإن ترسانة سورية من الأسلحة التقليدية المتطورة قد تقع بسهولة في أيدي “حزب الله”، أو عناصر متشددة أخرى.
– الجبهة اليمنية: رغم عدم الاستقرار حتى الآن في اليمن، فإن انعكاسات الاتفاق تظهر، فقد حدث تقدم لقوات الجيش اليمني المعترف به دولياً صوب تعز، وأبين، ومأرب، مما يحمل علامة استفهام.
إجمالاً، ترى “إسرائيل” أن هذا الاتفاق سيغير من التوازن الإستراتيجي بالمنطقة، وسيفرض على الدول العربية المناهضة حتمية التعاطي مع المتغيرات، بل والاستجابة للمطالب الإيرانية بصورة ما، بل وسيدعم موقف “إسرائيل” إقليمياً؛ لأن موقفها مؤيد للموقف العربي بالنسبة لإيران، وهي ستحاول الترويج، لأنها القوة الوحيدة القادرة إقليمياً على القضاء على الخطر الإيراني، مقابل عدم التعاطي العربي مع القضية الفلسطينية.
رابعاً: البدائل المطروحة أمام صانع القرار “الإسرائيلي”:
طرحت مراكز الفكر بـ”إسرائيل” عدة بدائل أمام صانع القرار بـ”إسرائيل” لمواجهة خطر الاتفاق الإيراني الدولي، وشملت عدة جبهات تعمل معاً في وقت واحد.
– الجبهة الحربية والاستخباراتية: حيث أشارت إلى ضرورة أن تسرع “إسرائيل” من جهودها لتطوير القدرات الحربية للدفاع عن نفسها عند الضرورة، وعليها أن تضاعف من قدرتها الاستخباراتية في إيران، ولكنها ترى أن إمكانية توجيه ضربة عسكرية لإيران غير واردة لعدم توافر الشرعية الدولية لتوجيه مثل هذه الضربة.
جبهة السياسة الخارجية: فمراكز الفكر “الإسرائيلية” ترى أن “إسرائيل” عليها أن تجد الطريق لتكوين ائتلافات إقليمية لمنع محاولات إيران لترجمة إنجازاتها النووية إلى قوة إقليمية بارزة، حتى بدون تطوير السلاح.
– الجبهة الإعلامية: على “إسرائيل” تكثيف حملة ضد الاتفاق، ومسؤوليتها لفعل ذلك يجب ألا تتوقف على الحكومة؛ فالمجتمع المدني والمواطنون عليهما أن يجدا السبيل للإعلان بوضوح وبشكل مدوٍّ عن رفضهما لهذا الاتفاق الخطر، وهما قد يكونان أكثر فاعلية من الحكومة “الإسرائيلية” ذاتها.