ليس غائباً عن كل ذي بصيرة التراجع الحضاري الذي تشهده دولة الكويت في العديد من المستويات القيمية والمادية، واستمرار هذا التراجع يجعلنا من الدول الفاشلة التي خابت في مساعيها لتحقيق التقدم الحضاري.
لقد عاش المجتمع الكويتي، منذ نشأته، ضمن أسس حضارية ساهمت بشكل أو بآخر في تقدمه، وتعززت تلك الأسس في مراحل المجتمع الكويتي التاريخية من خلال جملة مواقف وأحداث ونظم كان من أبرزها دستور الكويت، ولا فكاك من أي سعي جديد جاد للنهوض بالمجتمع الكويتي من مراعاة تلك الأسس الجوهرية والعمل على تحقيقها على مستوى الوعي والتطبيق.
فالشريعة الإسلامية تعتبر أساساً ومحضناً قيمياً أخلاقياً للمجتمع الكويتي، به حددت منهاجها وتوجهها، ومنه تنطلق لتحقيق غايتها في الدنيا والآخرة، واستبعاده أو إضعاف دوره يعني تضييع بوصلة الاتجاه والمسار، وإضعافاً لروح وقيم المجتمع، ومن شأن تدعيم هذا الأساس وفق مبدأ الأصالة والمعاصرة إطلاق طاقة مجتمعية جبارة تسعى إلى صناعة حياة كريمة ومتقدمة متوافقة مع ذاتها وأصالتها وقيمها الحضارية.
والشورى والمشاركة في الإدارة والمال من خلال آليات الديمقراطية مبدأ أساسي مارسه الشعب في مراحله التاريخية، وكرس آلياته الدستور، به تعزز نهضة الشعب والدولة، ويجعل الكويتيين طرفاً أساسياً في معادلة الإدارة والبناء والتقييم والمحاسبة، ومن شأن إضعافه الإخلال بأساس يحول به الدولة من مفهوم سيادة الأمة إلى سيادة بعض المتنفذين على حساب الأمة.
أما العمق الخليجي العربي الإسلامي فهو أساس حيوي مهم يجعل الكويت جزءاً من كل بعد قومي وإسلامي يعزز قوتها ويدعم مواقفها واقتصادها ويقيها من شرور الانفراد والتشظي.
وأساس الانفتاح على العالم الخارجي بقيمه وتجاربه وثقافته مورس عملياً وتاريخياً، فالحكمة ضالة المؤمن، تلك الحكمة التي تستورد المفيد والإيجابي مدنياً وعلمياً، وتقف سداً منيعاً أمام الطالح وغير الصالح.
وإن من الأسس الجوهرية تلك الروح الكويتية الوقّادة التي تسعى إلى تقييم النظم والآليات في اتجاه التطوير والتجديد في الإدارة والتنمية، وتدعيم مقومات العدل والحريّة كمبادئ عليا في المجتمع، وتوفير الكفاءة والأمانة كآليات عمل في الإدارة التنفيذية، وهي روح عمادها بالدرجة الأولى الشباب من الجنسين الساعين إلى الخروج من الواقع السلبي والمستقبل المجهول.
إن من واجبات الشعب الكويتي، قادة وأفراداً، العمل على تعزيز تلك الأسس على مستوى الفهم العميق بأهميتها وضرورة تكاملها وتوظيفها في بناء المواطن الأصيل المعاصر والدولة المتقدمة الحضارية.
المصدر: جريدة “القبس” الكويتية.