تخيل لو كان نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – يعيش بيننا اليوم في القرن الحادي والعشرين، يرى أفعالك، ويسمع أقوالك، هل سيوافقك على تصرفاتك؟ هل هو راضٍ عنها؟
قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (الأحزاب:21).
في سيرة الرسول الكريم تجد القدوة لكل طبقات المجتمع، للشباب وللرجال والأزواج، والمربين، والحكام والأئمة.. إلخ.
لو بحثنا في هذه السيرة سنعثر على ما يعالج أوضاعنا، ويحل مشكلاتنا.
فالمهتم بالتربية سيجد في سيرته – عليه الصلاة والسلام – القواعد التربوية التي ينبغي عليها سلكها، خذ هذا الموقف:
زار النبي الكريم فاطمة، وعلياً – رضي الله عن كل الصحابة – فأستسقى الحسن (طلب الشرب) فقام الرسول، وحلب شاة وأتى ليسقيه، فجاءه الحسين وطلب الشرب أولاً، فقال الرسول: “أخوك استسقى قبلك”، شاهدت فاطمة الموقف، فقالت: كأن الحسن آثر عندك؟ فقال: “هما عندي بمنزلة واحدة ولكنه استسقى قبله”.
من هذا الموقف يمكن استخراج عشرات الدروس، وأهمها: التزام “السرا”، فالذي لا يلتزم بالطابور هل قرأ هذا الموقف؟ ما شعوره لو كان “محمد” يشاهده وهو يعبث باصطفاف الناس، ويقتحم طابورهم، ولا يبالي بمن قبله؟!
وفي التعامل مع المخطئين يقول أنس: أرسلني الرسول لحاجة، فقلت: والله لا أذهب، وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به، قال: فخرجت حتى أمرَّ على صبيان وهم يلعبون في السوق، فإذا رسول الله قابضٌ بقفاي من ورائي، فنظرت إليه وهو يضحك، فقال: “يا أنيس! اذهب حيث أمرتك”، قلت: نعم، أنا أذهب يا رسول الله، قال أنس: والله لقد خدمته تسع سنين ما قال لشيء صنعته: لم فعلتَ كذا وكذا، ولا لشيء تركته: هلَّا فعلتَ كذا”.
ما موقف أهل العنف في تعاملهم مع العمال والخدم لو رآهم محمداً صلى الله عليه وسلم؟!
وفي قضايا الحكم والعدل، سرق مسلم يقال له طعمة بن أبيرق درعاً، وخبأها عند يهودي، فالتُمِسَت الدرع عنده فحلف بالله ما أخذها، ثم وجدت عند اليهودي، فقال لهم: دفعها إليّ طعمة، فجاء قوم طعمة وسألوا الرسول أن يجادل عن صاحبهم، فهمّ الرسول بمعاقبة اليهودي، فنزل قوله: (وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً {107}) (النساء).
لقد اعتقد الرسول أن السارق هو اليهودي لوجود القرائن، ولكن الوحي نزل بخلاف ذلك؛ فأعلن بصراحة أن اليهودي بريء، وأن السارق مسلم!
لاحظوا أن التبرئة تأتي في حق يهودي اجتمع قومه على عداء الإسلام، لكن ذلك لم يبرِّر اتهامه بغير حق.
ماذا لو كان الرسول بيننا ورأى هذه المعارك والخصومات الفكرية بين الدعاة وبعض المثقفين في الإعلام، وكيف أن كل تيار يتهم الآخر، ويُقوِّله بما لم يقل؟!
وأخيراً..
لِمَ نتخيل وجود الرسول – عليه الصلاة والسلام- بيننا، وهو أصلاً موجود بسيرته، وأحاديثه؟
نحن نحتاج إلى تطبيق ما عرفناه من سيرته وأحاديثه؛ لتستقيم حياتنا!