لما قام نظام إيران، ظن بعض المسلمين أنهم على الخبير سقطوا، وعلى ناصر المستضعفين، والباحث عن حقوق المضطهدين، وقعوا.
وتوقع بعض الغيورين أن بظهور هذا النظام ستشرق الأرض بنور ربها، وتزين بحملها رسالة الخير، وتعاليم السماء، للإسلام والمسلمين، بل لقضايا الإنسانية العادلة عامة، بما رفعت من شعارات، ودوت صيحاتها بالنداءات، التي للظالمين مقلقات، تارة بخطب للشيخ كشك – يرحمه الله – تذاع، أو مقاطع لسيد قطب – يرحمه الله – من كتبه تتلى، أو أناشيد لأبناء الصحوة الإسلامية، يغرد أصحابها من إذاعات إيران.
والأمر طولاً وعرضاً، مشغول بهذا الحدث المهم، وهذا المولود الآسر، وهذا الشكل الذي تتوق له جماعات من المسلمين، الذي يمثل حالة الخلاص من ظلم الظلمة، وكبرياء الطغاة، وقمع الأحرار، وسجون المستبدين، ومناهج القهر، ومدارس الإرعاب، ومحافل الثبور.
لكن المفاجأة كانت صادمة، لهذا الصنف الذي ظن هذا الظن، وذهب هذا المذهب، وبالمقابل كانت فرصة استنمار لأولئك الباحثين الغيورين، الذين كانوا يرون أن شراً مستطيراً، وخطراً عظيماً، تحمله هذه الثورة! القادمة بثوب جديد، ولكن القديم مؤشر عليه، ودليل على سلوكه، في قادمات الأيام، والتاريخ يعيد نفسه، وخذوا من التاريخ عبرة.
قرؤوا التاريخ القديم بعمق، نظروا ببصيرة الباحث عن الحق، بوقائع الأيام وسياساتها والناتج عنها، في مجال الفكر والعلاقة والتخطيط، فخرجوا بهذه النتائج المحقة – في عالم النواتج والمآلات – وبوقت مبكر، فكان لهم سبق الوعي بالظاهرة، وحسن الإدراك لخطرها، واستشراف صحيح لما سيكون منها، ومن أعمالها وسياساتها، من ويل وشر، ومكائد ومصائب، ومؤامرات ودسائس.
والذين تأخروا بوعي خطرها اصطفوا إلى جانب الآخرين من الصنف الأول، فصار وعي الخطر حالة شبه عامة، وما عادت الشعارات تنطلي على أحد، من الذين يعون القراءة الثانية، بروح الباحث المنصف، البعيد عن العواطف، أو الذي ينجر وراء دغدغات النفس، وتحريك مشاعر الملمس الحاني في واقع يتلهف لأي نوع من أنواع بعث الأمل في نفوس المقهورين.
ودارت عجلة الحياة، ومرت الأيام، وبدأ المخبوء ينكشف، في كل عام يمر، على هؤلاء المتسلطين على رقاب الشعب الإيراني، ويسومونه سوء العذاب، ويلحقون به أفدح الأضرار، وعلى كل المستويات، وفي المناحي كافة، ولعل على رأسها، وفي مقدمتها، تلك القطيعة الفظيعة التي تصنعها سياسة نظام إيران، بين إيران وسائر أبناء بلدان العالم الإسلامي، والتي لا أظن أنها يمكن أن تمحى من ذاكرة الشعوب، بسبب هذه السياسات الرعناء الحمقاء، بله العرجاء، بل الكسيحة، ولا أريد أن أبالغ فأصف الأمر بأكثر من هذا، رغم أنه يستحق، ما هو أعظم وأشنع، لكني سألتف – ضاغطاً على نفسي – حتى يتحقق المراد من هذه المقالة.
إن العدوان الصارخ الذي يمارسه نظام إيران، على قيم الأمة ومبادئها ورموزها وتاريخها، والتشجيع على هذا، وببجاحة غريبة، ووقاحة مدهشة، يمثل صورة من صور الفتنة التي ربما كانت محور السوء، في القضايا التي لحقت من ممارسات الخراب والدمار والعار والشنار، في كل أنحاء العالم الإسلامي، وسائر أماكن تواجد المسلمين، وكأن هذا النظام مكن من أجل أن يقوم بهذه المهمة، وليس له مهمة أخرى سواها، رغم رفعه لتلك الشعارات التي ما عادت تنطلي على أحد من المسلمين الواعين، فضلاً عن المفكرين والباحثين.
تحالف نظام إيران مع المجرم حافظ الأسد، من اليوم الأول لقيام نظامه المزعوم أيام الخميني، وكان هذا التحالف الباطني الشرير عنوان مرحلة مرّت على المسلمين في سورية – وهم يعانون ما يعانون من نظام حافظ – محملة بالإجرام الذي كان يلف المشهد السوري بكل أبعاده، وتفاصيله كافة وبما حملت في طياتها، من ملفات الويل والثبور، من قتل للأحرار، وتكميم للأفواه، وسجن وتعذيب للأخيار، من أبناء الشعب السوري، وما المشانق التي نصبت بسجن تدمر، لحفاظ كتاب الله تعالى، وللعلماء والمفكرين والسياسيين من كل الاتجاهات عن الناس ببعيد، حتى قضى ما يقارب العشرين ألفاً من صفوة أبناء سورية، ولم يسلم من هذا حر من أبناء هذا الوطن، واقرؤوا إن شئتم “القوقعة” لمسيحي، سجن في تلك الفترة، وروى ما شاهد، وما رأى، مما يشيب لهوله الولدان، وتقشعر منه الأبدان.
ونظام إيران يصطف مع المجرم حافظ الأسد، سفاح سورية، ومنظم خرابها، وما وقع في حماة عام 1982م من جريمة منكرة هزت العالم، وقتل قريباً من أربعين ألف إنسان، ودمرت المدينة على رؤوس ساكنيها، ونظام إيران كان يدعم مجرم العصر حافظ الأسد ويقف إلى جانبه، مصفقاً ومهنئاً أن قضى على هذا العدد الكبير من أبناء حماة البطلة الباسلة، التي أبت أن تقول للمجرم: نعم، أو أن تصفق لجرائمه.
إنها مرارة في النفس انطبعت في ذهنية أبناء سورية، إنها كارثة تعيش في أعماق القلوب المجروحة المكلومة، تندد بجرائم المساندين الداعمين، قبل أن تعلق على أي أمر آخر، لأن العدو معروف ظاهر، أما هؤلاء الذين تستروا بستار آل البيت، وهم منهم براء واستطاعوا أن يخدعوا بعض أبناء الأمة من الذين كانوا يتطلعون إلى مجد غاب، وشمس صارت وراء القضبان، ولكن هيهات.. هيهات.. كباحث عن العسل من سم الأفاعي.
***
كلما نظرت إلى حدث فيه فتنة في عالمنا الإسلامي، أجد نظام التيه والشرود في إيران، قد دس أنفه، ووضع أصابعه في قلب هذه الفتنة، وذاك الحدث المروع، وتلك الحارقة المذهلة.
من الكويت وما صنع فيها، وما زال يكيد ويدبر ويخطط ويمكر، إلى البحرين، وكيف كان ينشب مخالبه في جسم محنتها، وما زال ينفخ في رماد فتنتها، إلى اليمن، وقد أهاج العماوة، وأدخل السلاح، وورط البلد بمصاب أليم، وها هو رئيس اليمن، وإلى يومنا هذا، يصيح بأعلى صوته، محذراً نظام إيران من مغبة عدوانه على البلد، وإشعال فتيل الأزمة تلو الأزمة فيه، لعله يرعوي ويكف عن شروره، ولكن عنكبوت الشر، في إيران، ما انفك يلازم المؤامرة، إثر المؤامرة، في بلد الإيمان والحكمة، وينسج خيوط المأساة، ولو مع شيوعي ممزق، أو فاجر مهترئ، والمهم أن تتحقق الفتنة، وتراق الدماء، ويحدث القلق، ويتحقق الاضطراب، وهذا ديدن هذه العصابة المتسلطة على الشعب الإيراني.
ثم ألتفت إلى الإمارات، فأرى الجزر أسيرة، وفي العراق ألم وويل وثبور، ونصر للشيطان، وعدوان على الأبرياء، وقتل على الهوية، وقضاء على العلماء والمفكرين، والوجهاء وقادة الرأي.
والمكرة الكبيرة، ما حدث في أفغانستان، وما سبب من تداعيات، ما زال ذلك البلد يعاني من ويلاتها وفتنها وشرورها.
أذهب شرقاً، وأسير غرباً، آخذ البلاد طولاً وعرضاً، والشكوى هي الشكوى، والمصاب هو المصاب، والأمة تشكو من ظلم نظام إيران وما حوى، من إحن وفتن وكوارث، والكل يقول: ما هذا البلاء الذي حل بالأمة؟ وأين كان هذا المستور الشرير، الذي ظهر لنا فجأة، على حين غفلة من أمة، ابتليت بوعيها زمناً، وبحضورها الحضاري فترة لا يستهان بها، لينسجوا فتنة في زوايا الظلمة؟ فيظهر “حزب الله” مصنوعاً على عينهم، برعاية سفاح العصر، حافظ الأسد، فيفعل ما يفعل، ويهدد من يهدد، من أهل لبنان وغيرهم، ويساند مع شيطانه الأكبر القابع في طهران.
نظام العصابة المتسلطة على رقاب الشعب السوري الذي دك المدن بصواريخ “سكود”، وببراميل المتفجرات، ويحرق البلد من طرفه إلى طرفه، شبيح في الضاحية، وآخر في قُم، وثالث في طهران، ورابع في النجف، وخامس في الجنوب، شبيحة بعضها من بعض، وإن اختلفت الأثواب، وتباينت الألوان، فالمعنى واحد، وكلهم إلى جبل رضوى ينتمي.
***
من هنا لا بد من جملة من الملاحظات، التي يجب أن تذكر، في هذا السياق، وبين يدي هذه الحقيقة:
– علينا أن ندرك هذا الخطر، ونستوعب هذا الشكل من المصاب، ونتعامل معه بوعي شديد، وخطة صاحية، وفهم مستنير، ومشروع هادف، يتسم بالواقعية، وينهج نهج قواعد العمل ومنظومته بصورها الصحيحة المنضبطة، بعيداً عن التهور، وتاركاً لغة العاطفة، ويعمل على وضع النقاط على الحروف، بعلم ومعرفة ودراسة، قبل أن يفوت الوقت، ولا ساعة مندم.
– تجنب الدخول في أنفاق ربما يكون الخروج منها عسراً، وهذا يحتاج إلى روية ودأب، وتخطيط وهدوء.
– توصيف طبيعة المشكلة، وأنها مع نظام آذى شعبه، قبل أي أحد آخر، والحذر من الإشعالات التي لها صفة أخرى، وربما تصب في صالح النظام، لأنها ستدخل الأمة في معركة تستهلك فيها، وبها تنهك قواها، وستأتي على الأول والآخر مما بقي منها.
– على الشعب الإيراني أن يعي هذه الحقيقة، ويفهم هذه المصيبة بكل أبعادها، وما ستجره عليهم وعلى غيرهم، من كوارث، وهذا بدوره يحتم على جميع المؤمنين بهذا الخطر، أن يعملوا على التواصل مع أبناء إيران، بكل شرائحهم – الدينية والسياسية والحزبية والثقافية والحقوقية والمجتمعية والرسمية – حتى يتعاونوا معهم في الوصول إلى حلول عملية، تنقذ الموقف، من نفقه المظلم الذي سيؤدي في نهاية المطاف إلى غرق السفينة، فلا بد من الأخذ على أيدي هؤلاء السفهاء الذين يسوقون الناس نحو الهاوية.