شَكَت أن زوجها كلما جادلها في أمر أو غاضبها رمى في وجهها هذه الكلمة:
– ما عليك شرهة.. أنت ناقصة عقل ودين!
هي معلمة محترمة، محبوبة عند طالباتها، ناجحة في تدريسها وفي تخصصها “الرياضيات”.
وهو موظف عادي يحمل شهادة الثانوية.
اتصلتُ به معاتباً فقال:
– أنا ما “جبت شيّ” من عندي، هذا كلام الرسول صلى الله عليه وسلم.
كلا يا بني لن تجد حديثاً يقول: “المرأة ناقصة عقل ودين”.
لا يوجد – حسب علمي – حديث بهذه الصيغة، صيغة المبتدأ والخبر.
يوجد حديث آخر يقول: «مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَغْلَبَ لِذِي لُبٍّ مِنْكُنَّ».
والجملة هنا أشبه بالجملة المعترضة؛ التي يتم المعنى بدونها، فالمعنى: مَا رَأَيْتُ أَغْلَبَ لِذِي لُبٍّ مِنْكُنَّ!
والصيغة النبوية الكريمة جاءت لتحكي الأمر العجيب: أن المرأة الضعيفة في جانبٍ من شخصيتها تتغلَّب على الرجل اللبيب العاقل!
أَيَجْمَعْنَ ضَعْفاً وَاقْتِدَاراً عَلَى الْفَتَى أَلَيْسَ عَجِيباً ضَعْفُهَا وَاقْتِدَارُهَا
وليس في الحديث إشارة إلى نقص تدين المرأة، ولا نقضاً لقواطع القرآن في تقرير أصل المساواة بين الجنسين إلا ما استثني: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ) (آل عمران:195).
فأصل الحساب والثواب والعقاب والتكليف واحد: (وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ {22}) (الأعراف).
والنبي الذي قال هذا أثنى على كثير من النساء، ووصف بعضهن بالكمال؛ كآسية امرأة فرعون، ومريم ابنة عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومدح عائشة الصِّديقة، وحفصة، وأمهات المؤمنين، ونساء المهاجرين، ونساء الأنصار.. إلخ.
وفسَّر نقص الدين والعقل بأن المراد به: التخفيف وتسهيل التكليف؛ بحيث يسقط عنها الصوم والصلاة حال الحيض، وبأن شهادة امرأتين تعدل شهادة رجل في المعاملات العامة؛ التي تغلب عليها الرجال، ولكن تقبل شهادتها منفردة بمسائل تخص النساء؛ كالرضاعة، والبكارة، ونحوها.
وليست مؤاخذة بهذا بل لها أجر المصلي والصائم إذا كانت ممن يؤدي واجبه عند زوال العذر.
وعليها قضاء الصوم؛ لأن القضاء لا مشقة فيه، بخلاف الصلاة ففي قضائها مشقة فسقط عنها القضاء.
هل ترى أيها الأخ الكريم من بِرِّك بوالدتك؛ التي نمى جسدك وعقلك وقلبك في حضنها أن تبادرها بهذا الوصف على سبيل التحقير والازدراء؟
أم ترى من حسن التربية لبنتك أن تطلق هذه العبارة في سياق الذم المحض؛ مفصولة عن سياقها النبوي المتوازن.. لتشعرها بتأخر رتبتها ومحبتها عن إخوانها، ولتزرع فيها الشك والقابلية للانحراف وكأن نصيبها من الخطأ أضعاف نصيب أخيها، وربما كانت صالحة دَيِّنة وكان أخوها شاباً طائشاً؟
أم ترى من حسن المعاشرة مع زوجتك أن تقحم هذا النص مفصولاً عن سياقه حين تتحاور معها، وكأنك تحاول أن تجعل القرآن والرسول في صفك فتفتنها بذلك عن دينها، وتكون سبباً في كرهها للحبيب؛ الذي استمع إلى خَوْلَة بِنْت ثَعْلَبَة في شكواها وصبر عليها، ثم أتاه الوحي بأن الذي في السماء – جل وتعالى – قد استمع إليها: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ {1}) (المجادلة)؟
كان عمر يمشي في ملإٍ من أصحابه زمان خلافته فاستوقفته امرأة، فانصرف إليها وترك أصحابه حتى فرغت، وحين جاءهم قالوا: يا أمير المؤمنين حبست الناس على هذه المرأة؟
قال رضي الله عنه: أتدرون من هذه؟
قالوا: لا.
قال: هي خُوَيْلَة؛ التي سمعها الله من فوق سبع سماوات أفلا يستمع إليها عمر؟ والله لو حبستني إلى الصلاة لوقفت لها!
أنت يا أخي الكريم أمام نص بترته عن سياقه وما قبله وما بعده، ثم وظّفته لشأن شخصي خاص بينك وبين زوجتك لا ندري أيكما المحق فيه.
وما أسوأ توظيف النصوص المقدَّسة الشرعية الواجبة الاتباع لخصومة شخصية يختلط فيها الخطأ بالصواب.
ثم اقتصرت عليه وكأنه النص الأوحد الكاشف لموقف الإسلام من المرأة، بينما مئات النصوص المحكمة قرآناً وسُنة تبيّن مكانة المرأة وأنها “شقيقة الرجل”.
غفر الله لي ولك، وأرشدني وإياك إلى فهم شريعته وتأليف قلوب الناس عليها.