على قدر ما كان متَوقَّعا من أن لا ينتهي العدوان الصهيوني على قطاع غزة بداية العام 2009 قبل أن تصل نيرانه إلى جسد الشبل النحيل لؤي صبح نظرا لسكنه في منطقة حدودية كانت المواجهات فيها على أشدها , وكذلك لحجم التهور الصهيوني في تلك الحرب وعدم التفريق بين المواطنين ورجال المقاومة , إلا أن ذلك الشبل لم يكن يتوقع لحظة أن تكون إصابته سبباً في حرمانه من رؤية العالم بعد ذلك .
وفي الوقت الذي خشي فيه أهله من أن لا تفلح كل وسائل التفريغ النفسي , والتخفيف من حجم المصاب الذي تعرض له ابنهم , وتعويده على التأقلم مع حياته الجديدة , كان حجم الإنبهار والدهشة على وجوههم , وعلى كل من سمع بقضية الشبل لؤي صبح , لما تحلى به من صبر وصمود كبير, وهو ما جعل قضيته تأخذ تفاعلا كبيرا , وتحقق انتشارا واسعا محليا ودويلا .
واستطاع الشبل لؤي صبح أن يتكيّف مع ظروف حياته الجديدة بعد أن أصبح كفيفا بفعل الإصابة , وأن يمارس نشاطاته المختلفة , ليؤكد فعليّا على قوة إرادته وتحديه الإعاقة , وإصراره على مواصلة الحياة , متوجّاً ذلك بدخوله “عش الزوجية” عام 2014 لينجب بعد أقل من عام طفله البكر , في لحظة مفعمة بالمشاعر ودموع الفرحة التي ارتسمت على وجوه أهله وأحباءه , لكنها كانت تؤكد عمق الإصرار في وجه ذلك الشبل الذي شبّ بشكل ملفت خلال السنوات السبع من إصابته .
“المجتمع” حاورت الجريح لؤي صبح من قطاع غزة , وتطرقت معه إلى أبرز محطات حياته بعد الإصابة , وكيف استطاع أن يتغلب على عقبات الحياة التي واجهته في تلك المرحلة
وهذا ما جاء في الحوار :
حدثنا عن قصة إصابتك ؟
أثناء العدوان الصهيوني على قطاع غزة عام 2009 كنّا في بيوتنا, فألقت طائرات الإحتلال المناشير لإخلاء البيوت فخرجنا الى مدارس وكالة الامم المتحدة “الأونروا” , ومكثنا اسبوعين مشرّدين من بيوتنا , ثم حدثت هدنة خلال الأسبوعين لمدة ثلاث ساعات , وعدنا إلى بيوتنا لنأخذ منها ما يلزمنا من الملابس والحرامات واللوازم الأخرى , ثم رجعنا للمدارس مرة أخرى قبل أن تنتهي مدة الهدنة المؤقتة , ونحن عائدون تعرضنا لقذائف الدبابات وصواريخ الطائرات , وكان القصف عنيفا وعشوائيا , فاستشهد ابن خالتي , وأصيب ابن عمي , وكذلك أصبت بجروح خطيرة , وكان أخطرها فقداني لبصري , وحاول الناس أن ينقذونا ويبعدونا من مكان القصف فلم يستطيعوا , وبعد ذلك جاءت بعض النساء يحملن رايات بيضاء وأخرجنّا من المكان , وانطلقت بنا سيارات الإسعاف إلى المستشفى , وكنت من ضمن الشهداء الذين وضعوهم في ثلاجات الموتى ,لإنّهمظنوا أني قد استشهدت , ولكن اتضح لهم بعد ذلك أني ما زلت على قيد الحياة , فأدخلوني غرفة العناية المركزة لمدة أسبوع كامل , قبل أن تستقر حالتي الصحية نوعا ما , وتخطيت مرحلة الخطورة , ثم سافرت إلى السعودية للعلاج بدعوة من ملك السعودية الراحل عبد الله بن عبد العزيز , وهناك عالجوني , ووضعوا مكان عيني عدسات صناعية , كما كانت إصابتي في يدي خطيرة جدا , واتفق الأطباء على بترها , ولكن جاء أحد الأطباء ومنعهم من ذلك , واستخدم كل الوسائل الممكنة والعلاجات المختلفة حتى لا تبتر يدي .
كيف استقبلت الخبر عندما أخبروك أنك لن تعود ترى بعد ذلك؟
أول شيئ احتسبت أمري عند الله , وحاولت أن لا تشكل الإصابة أي خطر على نفسيتي وقاومت كل وسائل الضغط النفسي والتفكير الشديد الذي عشته في البداية , ولكن بكل الأحوال الامر كان صعبا , لإن فقد البصر يفقدك أشياء كثيرة في الحياة , فلا شيئ أقسى من أن تحرم رؤية العالم .
كيف كان وضعك النفسي بعد ذلك ؟
بعد إصابتي عشت مرحلة قاسية في حياتي لأني لم أتعود على العيش بدون أن أرى , وكان أي شيئ يثير أعصابي , ولم أكن أتحمل أحدا , وخاصة أن إصابتي كانت في فصل الصيف ودرجات الحرارة تكون فيه مرتفعة , فهذا الامر زاد أيضا من معاناتي , ولكن الحمدلله بعد مدة من الإصابة وبعد ان أتممت علاجي استقرت نفسيتي وتغلبت على الواقع الذي أعيشه , والآن اعيش حياتي بشكل طبيعي .
هل كنت تتوقع أن يهدأ بالك وتعود للحياة من جديد ؟
الحقيقة لم أكن اتوقع أن أعود إلى الحياة من جديد وامارس نشاطاتي بشكل طبيعي والفضل يعود أولا وأخيرا إلى الله ثم إلى عزيمتي وإصراري على مواصلة الحياة , لإننيأعلم أن ما يريده المحتل الصهيوني هو قهر إرادتنا وعزيمتنا ولذلك فأنا أتحداه بعزمي وثباتي .
كيف جاءت فكرة الزواج
كما قلت لك أردت ممارسة الحياة بشكل طبيعي كأي شخص , وحتى أثبت لنفسي وللعالم أنه لا شيئ يعيقنا مهما كنا نعيش في ألم ومعاناة , وربما أنا أولى من غيري في الزواج لإنني بحاجة إلى من يساعدني ويقف إلى جانبي .
هل خشيت ان لا تجد الفتاة التي تقبل بالزواج منك
أنا كنت معتمدا على الله في كل أحوالي , وكنت مهيئ نفسي على ذلك سواء تزوجت أو لم أتزوج , ولكنالحمدلله لم اخشى من هذا الأمر مطلقا , لإني كنت واثقا أن الله لن يخذلني , فتقدمت لابنة عمي بعد انتهاء حرب العصف المأكول عام 2014 , ووافقت على الزواج وأنا سعيد معها لإنها تساعدني وتفعل لي ما أريد , وللعلم فهي أيضا فقدت أبيها وأخيها واختها .
كيف استقبلت المولود الجديد
كانت فرحة كبيرة جدا حتى أنني شعرت أن هذه الفرحة غلبت مأساتي التي تعرضت لها , لإني شعرت أن الله أعطاني نعمة غالية على قلبي لا استطيع شكرها , وخاصة على شخص مثلي , وما زادني فرحا أن أهلي وجيراني وحتى كل من سمع بقصتي فرح كثيرا بمجيئ ابني بكر
ماذا يمثل لك ابنك “بكر” ؟
بكر هو حياتي وروحي , وهو جاء ثمرة الإصرار على مواصلة الحياة وتحدي الإعاقة , وأنا من قبل أن أتزوج أحب الصغار كثيرا واليوم بعد ان رزقني الله ببكر ازداد حبي لهم , ولكن أكثر ما يسعدني أنه هو من سيقف معي عندما يكبر , ويساعدني في حياتي , وهو من سأشكي له همومي , فلا يوجد في الحياة أفضل من الولد لأبيه.
كيف تعيش حياتك حاليا ؟
أعيش حياتي بشكل طبيعي ومعظم وقتي في البيت أو في الأرض , أو عند أقاربي , وكنت قد التحقت بمركز النور لتأهيل المعاقين , ولكنهم أعادوني لأدرس في الصف الثالث الإبتدائي بعدما كنت في الصف الثالث الإعدادي , وكذلك لإن سيارة المركز كانت تنزلني في مكان بعيد عن البيت فخرجت من المركز لإني لم أتحمل هذا الأمر.
ما هي رسالتك التي تحب أن توجهها للعالم ؟
رسالتي التي أوجهها للعالم أنني والحمدلله معنوياتي عالية وأنا راضٍ عما كتبه الله لي واحتسب أجري على الله , ولكن أطالب العالم أن يتدخلوا لمساعدتي في علاج يدي لإني لا استطيع أن أحركها فهي بحاجة إلى زراعة أعصاب كما اخبرني الأطباء , وعلاجي يتطلب السفر للخارج , وأيضا لتركيب عدسات صناعية في عيني لإني عندما كنت في السعودية قالو لي أنه من المحتمل أن تنبت لديك بعض الأعصاب في عينيك يمكن ان نستغلها في زراعة عيون جديدة , وأنا حتى الآن لم اجد من يقف إلى جانبنا في هذا الامر
ويساعدني في التخلص من المشكلة التي أعاني منها .